نور العالمين سيد المرسلين

لمكانة الرحم في العلاقات الإنسانية ذكرها الله في أول سورة النساء يأمرنا باتقاء التفريط فيها أو يلفتنا الي إمكانية التساؤل بها فيما بيننا حيث يقول: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" فتكون الأرحام هنا مأمور باتقائها كما أمر الله عز وجل ان نتقيه. ولقد قرأ بعضهم النص الكريم هكذا: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" حتي تكون الأرحام معطوفة علي الضمير في "به" كي يلفتنا ربنا إلي أنه قد بلغ اننا نتساءل بها فيما بيننا بحيث اذا ذهب الرجل الي قريبه في حاجة له توسل عنده لقضاء حاجته بالله ويجوز شرعاً ان يتوسل إليه في قضاء حاجته بالرحم.
الرحم هي التي تشكل الاساس الصلب الذي تقوم عليه العلاقة بين الناس اذا ما حكمنا العقل والشرع في هذه العلاقة.
وهناك رافدان يرفدان هذه الرحم بما شاءت من اسباب الوجود هما: النسب والمصاهرة. والنسب والمصاهرةرافدان قويان هما من قبيل الروافد الإجتماعية يمنحهما التشريع لبني الإنسان دون غيره من سائر الكائنات الحية وما ذلك إلا لأن الخالق الحكيم والمشرع العليم يريد لبني الإنسان تكليفا ان يحرصوا علي نبذ التشرذم حرصهم علي وحدة الجماعة وتوحد الأمة.
وقد يخطيء من يظن ان النسب والمصاهرة روافد طبيعية مرتبطان بالنطفة والبويضة. ومن أخطأ في ذلك ترتب علي خطئة متاهات فكرية يصعب عليه الانفكاك منها. وأولها: فهم هذا النص الكريم: "وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً". وعليك وعليّ ان نلتفت الي هذا النص حين يقول عند خلق البشر وإيجاده من العدم! "وهو الذي خلق من الماء بشراً".
وحين يقول عند رسم النظام الاجتماعي "فجعله نسباً وصهراً" ثم يجيب عليه وعليّ ان نلتفت جميعاً الي عودة الضمير في قوله "فجعله" حيث قال النجاة: إن الضمير يعود الي أقرب مذكور. والمذكور الأقرب هو: "البشر" لا الماء كما ظنه بعض الظانين.
والمقصود هنا ان نؤكد علي ان النسب والمصاهرة هما روافد الرحم التي تثريها داخل هذه الجماعة الإسلامية بل الإنسانية.
والشريعة الإسلامية بمعتنقيها ان يدركوا قيمة الرحم ويوقروها ويضعوها في المكانة اللائقة بها ويجعلوها في جميع مناحي حياتهم. ثم ان الشريعة من جهة أخري تدق أبواب الخطر اذا غيبت هذه القاعدة أو تناسي الناس تفعيلها.
وسأنقل بين يديك نصوصاً تخدم الأمرين جميعاً:
ففي الجانب الأول يقول ربنا: "والذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. والذين يصلون ما أمر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب".
وتشتد الشريعة علي كل قاطع رحم لما في ذلك من الحاق الضرر بالأمة علي جميع مستوياتها وتعتبر قطع الرحم كبيرة من الكبائر التي تستأهل العذاب الأليم ففي القرآن الكريم قول الله تعالي: "يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين. "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله ان يوصل" "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" "فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي ابصارهم".
وفي الحديث النبوي الشريف ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة قاطع رحم" وقال: "من كان له أقارب ضعفاء ولم يحسن اليهم ويصرف صدقته الي غيرهم لم يقبل الله منه صدقته ولا ينظر اليه يوم القيامة". وإن كان فقيراً وصلهم بزيارتهم والتفقد لأحوالهم لقوله: "صلوا ارحامكم ولو بالسلام" وفي البخاري عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" وقال صلي الله عليه وسلم "ليس الواصل بالمكافيء. ولكن الواصل الذي من اذا قطعت رحمة وصلها".
هكذا رسمت الشريعة لكل من استظل بها طريق الفلاح علي قاعدة. متينة ذات روافد مضمونة فيا سعد من تمسك بها ويابؤس من أدار ظهره اليها!.