هل يجوز صيام اليومين الأخيرين من شهر شعبان ؟ أم لا بد من إفطارهما للفصل بين شعبان ورمضان؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تقدم رمضان في الصيام بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه، وصح عنه أنه سأل عمران بن حصين: هل صمت من سرر شعبن شيئا؟، وسرر شعبان آخره.
وبالجملة ، فقد اختلف العلماء في حكم صيام آخر شعبان نظرا للاختلاف بين موجب هذين الحديثين، وأرجح الآراء أنه يجوز صوم آخر شعبان تطوعا لمن كان يصوم شعبان كله أو أكثره، أو إذا وافق آخر شعبان يومي الاثنين والخميس ، ويشترط أن لا يكون صيام شعبان حينئذ بنية التحوط في صيام رمضان.
جاء في كتاب لطائف المعارف – لابن رجب الحنبلي- (1 / 158):
ثبت في الصحيحين [ عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجل : هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال : لا قال : فإذا أفطرت فصم يومين ] و في رواية للبخاري أظنه يعني رمضان و في رواية لمسلم و علقها البخاري : [ هل صمت من سرر شعبان شيئا ] و في رواية : [ فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه ] و في رواية : [ يوما أو يومين ] شك شعبة و روي : [ من سرار الشهر ] و قد اختلف في تفسير السرار و المشهور إنه آخر الشهر يقال : سرار الشهر و سراره بكسر السين و فتحها ذكره ابن السكيت و غيره و قيل : إن الفتح أفصح قاله الفراء و سمي آخر الشهر سرارا : لاسترار القمر فيه و ممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد و غيره من الأئمة و كذلك بوب عليه البخاري صيام آخر الشهر.
و أشكل هذا على كثير من العلماء، ففي الصحيحين أيضا [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه ] فقال كثير من العلماء كأبي عبيد و من تابعه كالخطابي و أكثر شراح الحديث : إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه و سلم كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره؛ فلذلك أمره بقضائه.
و قالت طائفة : حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك و آخر شعبان مطلقا سواء وافق عادة أو لم يوافق، و إنما ينهى عنه إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا و هذا مذهب مالك، و ذكر أنه القول الذي أدرك عليه أهل العلم حتى قال محمد بن مسلمة من أصحابه : يكره الأمر بفطره لئلا يعتقد وجوب الفطر قبل الشهر كما وجب بعده، و حكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار،و ذكر محمد بن ناصر الحافظ : إن هذا هو مذهب أحمد أيضا و غلط في نقله هذا عن أحمد.
و لكن يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه و قوله:" إلا من كان يصوم صوما فليصمه " و قد ذكر الشافعي في كتاب مختلف الحديث احتمالا في معنى قوله : [ إلا من كان يصوم صوما فليصمه ] و في رواية : [ إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم ] أن المراد بموافقة العادة صيامه على عادة الناس في التطوع بالصيام دون صيامه بنية الرمضانية للاحتياط .
و إنما يشكل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إلا من له عادة أو من كان يصوم صوما.
و أكثر العلماء على أنه نهى عن التقدم إلا من كانت له عادة بالتطوع فيه /و هو ظاهر الحديث و لم يذكر أكثر العلماء في تفسيره بذلك اختلافا ،و هو الذي اختاره الشافعي في تفسيره و لم يرجح ذلك الاحتمال المتقدم.
و على هذا فيرجح حديث أبي هريرة على حديث عمران؛ فإن حديث أبي هريرة فيه نهي عام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة فيعمل به، وأما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدم به جمعا بين الحدثين.
وأحسن ما حمل عليه : أن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه و سلم كان قد علم منه صلى الله عليه و سلم أنه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبي صلى الله عليه و سلم ،و كان قد أفطر فيه بعضه فسأله عن صيام آخره فلما أخبره أنه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر لأن صيام أول شوال كصيام آخر شعبان و كلاهما حريم لرمضان، و فيه دليل على استحباب قضاء ما فات من التطوع بالصيام و أن يكون في أيام مشابهة للأيام التي فات فيها الصيام في الفضل، و فيه دليل على أنه يجوز لمن صام شعبان أو أكثره أن يصله برمضان من غير فصل بينهما .
فصيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال :
أحدها :أن يصوم بنية الرمضانية احتياطا لرمضان فهذا منهي عنه، و قد فعله بعض الصحابة و كأنهم لم يبلغهم النهي عنه ،و فرق ابن عمر بين يوم الغيم و الصحو في يوم الثلاثين من شعبان و تبعه الإمام أحمد .
و الثاني :أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة و نحو ذلك فجوزه الجمهور، ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان و رمضان بفطر يوم مطلقا، وهم طائفة من السلف، و حكي كراهته أيضا عن أبي حنيفة و الشافعي و فيه نظر .
و الثالث :أن يصام بنية التطوع المطلق ،فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان و رمضان بالفطر- منهم الحسن -و إن وافق صوما كان يصومه، ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرق الشافعي و الأوزاعى و أحمد و غيرهم بين أن يوافق عادة أولا.
وكذلك يفرق بين صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضا إلا عند من كره الإبتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان فإنه ينهى عنه إلا أن يبتدىء الصيام قبل النصف ثم يصله برمضان.
و في الجملة فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء وأنهيكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره .
والله أعلم.