الحمد لله
وقفنا في هذه المسألة على أقوال ثلاثة :
القول الأول : أنه يُسأل باللغة السريانية .
قاله البلقيني – كما نقله عنه تلميذه السيوطي في رسالته "شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور" – ولم يذكر له أي دليل يمكن الاعتماد عليه .
القول الثاني : يُسأل باللغة العربية .
نص عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله : ويمكن الاستدلال له بظواهر الأحاديث الواردة ، فقد جاءت تصف ما يكون في البرزخ باللغة العربية ، ولا مانع من كونها على الحقيقة ، ويلهم الله جميع مَن يُفتن في قبره فهمَ هذه اللغة والجواب بها .
يقول ابن حجر رحمه الله :
" وأما سؤال الملكين فظاهر الحديث الصحيح أنه بالعربي ؛ لأن فيه أنهما يقولان له : ( ما علمك بهذا الرجل ) إلى آخر الحديث ، ويحتمل مع ذلك أن يكون خطاب كل أحد بلسانه " انتهى .
"الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع" (ص/122) .
القول الثالث : يسأل بلغة يفهمها .
ذكره ابن حجر احتمالا كما سبق في كلامه .
وبه تفتي اللجنة الدائمة ، والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعا .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/450) : " إذا مات الإنسان ودفن جاءه ملكان وسألاه عن ربه ونبيه ودينه بلغة يفهمها " انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال بعض العلماء : يُسأل بالسريانية ، سبحان الله ! السريانية لغة النصارى ، والظاهر - والله أعلم - أن هذا القول مأخوذٌ من النصارى ؛ لأجل أن يفتخروا ويقولوا لغتنا لغة السؤال في القبر لكل ميت .
والذي يظهر أنه يُسأل بما يفهم : إن كان من العرب فباللغة العربية ، إن كان من غير العرب فبلغته " انتهى .
"شرح العقيدة السفارينية" (ص/435) دار الوطن .
والأولى في نظرنا السكوت عن ذلك كله حيث لم يرد فيه نص صحيح ، والاشتغال بمثل هذه التفاصيل مما لا منفعة فيه للسائل في أمر دينه ودنياه ، ويكفيه من ذلك أن يؤمن أنه يُسأل في قبره ، وأن يسأل الله أن يوفقه للعمل بطاعته ، وأن يلهمه الجواب ، ويثبته عند السؤال .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله السؤال الآتي :
" بماذا يخاطب الناس يوم البعث ؟ وهل يخاطبهم اللّه تعالى بلسان العرب ؟ وهل صح أن لسان أهل النار الفارسية , وأن لسان أهل الجنة العربية ؟
فأجاب رحمه الله :
لا يعلم بأي لغة يتكلم الناس يومئذ , ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل وعلا ؛ لأن اللّه تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك , ولا رسوله عليه الصلاة والسلام ، ولم يصح أن الفارسية لغة الجهَنَّمِيِّين ، ولا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدي , ولا نعلم نزاعًا في ذلك بين الصحابة رضي اللّه عنهم ، بل كلهم يكفون عن ذلك ؛ لأن الكلام في مثل هذا من فضول القول , .. ولكن حدث في ذلك خلاف بين المتأخرين .
فقال ناس : يتخاطبون بالعربية . وقال آخرون : إلا أهل النار , فإنهم يجيبون بالفارسية , وهي لغتهم في النار . وقال آخرون : يتخاطبون بالسريانية ؛ لأنها لغة آدم , وعنها تفرعت اللغات . وقال آخرون : إلا أهل الجنة , فإنهم يتكلمون بالعربية .
وكل هذه الأقوال لا حجة لأربابها , لا من طريق عقل ولا نقل , بل هي دعاوى عارية عن الأدلة , واللّه سبحانه وتعالى أعلم وأحكم " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (4/300) .
والله أعلم .