بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
الزكاة عبادة مالية ، فرضت في السنة الثانية من الهجرة، وقيل في السنة الرابعة، وهي إحدى دعائم الإسلام الخمس، جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله ، ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشروعيتها ، وغالبها مقرون بالصلاة وبالجهاد وبالصبر ، دفعها مظهر لشكر الله تعالى على كرمه وتكرمه وفضله وتفضله . دافعها حري بمرضاة الله ورحمته ومغفرته ، ومنعها سبب من أقوى الأسباب لغضب الله ومحق المال .
الزكاة في اللغة: من زكا يزكو إذا نما ، قال تعالى : سورة الروم الآية 39 (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) وقال تعالى : سورة التوبة الآية 103 (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) وقال تعالى : سورة الشمس الآية 9 (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) وقال تعالى : سورة النجم الآية 32 (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فهي بما ذكر تدل على معان مشتركة هي : الطهارة والنماء والبركة والمدح .
فهي تزكية للمال بنمائه بإخراجها منه ، وتطهير لدافعها من الآثام وسوء الأخلاق ، من شح وبخل وحسد واستعلاء وطغيان . وفيها إغناء للفقراء والمساكين عن مذلة الفاقة والمسكنة والمتربة وتكفف الناس .
قال في شرح المنتهى في ذكر معاني دفعها : لأنها تطهر مؤديها من الإثم ، أي تنزهه عنه ، وتنمي أجره ، أو تنمي المال أو الفقراء شرح المنتهى ج1 ص363 . ومعناها في الاصطلاح الشرعي : حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص ، وهذه القيود في هذا التعريف مقصودة لإخراج ما قد يظن دخوله فيها باعتبار الزكاة حقا واجبا وأنها ليست تفضلا وتكرما من دافعها ، وإنما هي حق تعلقت ملكيته بغير من هي بيده من ملاك الأموال الزكوية ، فمنعها منع حق يلزم أداؤه لمستحقه .
وكون الزكاة واجبة في مال مخصوص يعني أن بعض الأموال لا تجب فيها الزكاة فهل المال الحرام من هذه الأموال غير الزكوية ؟ .
مما تقدم يتضح أن للزكاة أهدافا أهمها :
1- تطهير دافعها من الآثام وسوء الأخلاق .
2- تنمية المال وازدياده بالعناية بإخراجها منه ودفعها إلى مستحقيها .
3- إغناء الفقراء والمساكين عن العوز والحاجة ومذلة السؤال ، وذلك بأدائها لهم على سبيل الاستحقاق .
وقد اشترط أهل العلم لوجوبها أن تكون في مال مملوك لصاحبه ملكا تاما مستقرا ، فلا زكاة في وقف ، ولا زكاة على سيد مكاتب في دين كتابة لعدم استقراره ، ولا في صداق قبل الدخول ، ولا في حصة مضارب من الربح قبل القسمة .
كما اشترطوا أن يكون المالك مسلما لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ بن جبل : "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوك لذلك ، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" صحيح البخاري المغازي (4347) ، صحيح مسلم الإيمان (19) ، سنن الترمذي الزكاة (625) ، سنن النسائي الزكاة (2522) ، سنن أبو داود الزكاة (1584) ، سنن ابن ماجه الزكاة (1783) ، مسند أحمد بن حنبل (1/233) ، سنن الدارمي الزكاة (1614).
فقد جعل وجوب الزكاة عليهم بعد استجابتهم إلى الشهادتين : شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله .
والله أعلم.