شكر الله لكم حرصكم على السؤال عن أحوال أبنائكم الأحباب، واجتهادكم في تنشئتهم ورعايتهم ومتابعتهم.
أما عن شكواكِ؛ فهي تتعلق بموضوع مهم جدًّا ومنعطف خطير في حياته وحياة الأسرة كلها وهو آلام ومعاناة مرحلة ما بعد الفطام. فالأسرة تعاني؛ لأنها تفاجأ بسلوكيات الطفل الغريبة في هذه المرحلة، خاصة إذا كان هناك تقصير في معرفة سمات الطفل في هذه المرحلة، وتتولد الحيرة الشديدة في فهم سبب بكاء وعصبية الصغير، ويتساءل الوالدان: أيها الصغير لِمَ كل هذا البكاء؟.. وما هو سبب هذه العصبية؟.. هل صغيرنا طبيعي؟.. هل يعاني من مكروه؟. والصغير يعاني؛ فهو لا يفهم سر تلك القسوة التي يعاملونه بها، ويبدأ في التساؤل: لِمَ يحرمونني من هذا المصدر الحبيب للحنان والغذاء؟.. ما هذا الغذاء الغريب وغير المستساغ، والصعب في الهضم؟.. إن هذا الغذاء الجديد يؤلمني كثيراً، ويزعج معدتي، فلِمَ يقسو عليَّ أحب الناس إليَّ؟ ثم يبدأ الصغير في بث رسائل الغضب والمعاناة والرفض والتمرد ضد الوضع الجديد والمر: لا لن أقبل بهذا الوضع، لا.. لن أذوق هذا الغذاء القاسي والمؤلم لمعدتي المسكينة.. سأظل أبكي وأصرخ حتى أنتصر فيتراجعوا عما ينون عمله بي.. لن أسكت حتى أحقق مرادي.. لعلهم الآن بدءوا يفهمون معاناتي؛ فأراهم حائرين، وأراهم يبكون، وأراهم قلقين لا ينامون مثلي.. ليتهم تعاملوا بسنة التدرج في المنع منذ زمن حتى أتعود على هذا الغذاء القاسي والمتعب.. إنهم لا يعلمون أن غذائي الجديد ينقصه الكالسيوم الذي يسبب نقصه عندي مزيداً من الأرق والعرق الشديد من رأسي ليلاً.. يا إلهي إنهم لا يفهمونني!.. الفطام إذن منعطف كبير في حياة الطفل، وقد يشعر الوالدان خاصة الأم بالألم لبكاء الطفل من أجل ثدي أمه، أو لعدم تقبله الغذاء الجديد البديل. ولكن يجب أن يكون في ذهنهما أن هذه مرحلة أساسية وضرورية في حياة الطفل، وأن الفطام في معناه التربوي البعيد رسالة للطفل والوالدين بأنه الخطوة الأولى في طريق استقلالية الطفل، وتكوين شخصيته الخاصة المستقلة وبداية للاعتماد على نفسه في معركة الحياة. والطفل في هذه المرحلة يشعر أنه قد ظُلِم بمنعه من الرضاعة؛ وسيرفض ويقاوم فيختبر جدية وقوة قرار الوالدين؛ فإذا استشعر بعض التردد والضعف؛ نشأ عنده حاسة التمرد؛ واكتسب خبرة تعطيه تجربة بأنه يستطيع مواجهة القرارات الوالدية الضعيفة وينتصر في صراعه معهما. ولذا على الوالدين: - معرفة خصائص هذه المرحلة وآثارها على الطفل والأسرة، كما أشرنا إلى ذلك. - تفهم رسائل المعاناة والغضب من الطفل الغالي والتزام الصبر على الطفل وعلى ما يصدر منه من سلوكيات. - الحزم في قضية الفطام وعدم التراجع؛ لأنه من الخطر أن تتراجع الأم عن خطوات فطامها لصغيرها شفقةً عليه، وهروباً من هذه المعاناة. - إذا كانت حالة الطفل طبيعية، أي لا يعاني من قيء أو زكام أو إسهال أو ارتفاع في درجة الحرارة؛ فلا ننس بعد استشارة طبيب الطفل أن يهتم بنقص الكالسيوم الذي قد يسبب بعض الأرق فوق آلام المعدة نتيجة لاعتماد الطفل على غذاء خارجي بعيد عن ثدي أمه. - الدعاء الخاشع بأن يهون الله عز وجل عليه وعليكم كل صعب ويزيل كل مكروه. أسأل الله تعالى أن يعينك على كل خير.
|