هكذا فالحركة الصهيونية تنجح في كل اتجاه والحركة الوطنية الفلسطينية تفشل في غالبية اتجاهاتها .
نجحت الحركة الوطنية الفلسطينية بتحالفاتها مع النظام العربي الرسمي ، في تقزيم القضية الفلسطينية ، من قضية العرب والمسلمين الأولى ، إلى قضية عربية إسرائيلية، ثم إلى قضية فلسطينية إسرائيلية ، ومن صراع وجود إلى صراع حدود ، ومن تقرير المصير بدلا من العودة والتحرير، وتلاعبت في استخدام مفردات التعبئة والقنال ، فالنزاع العربي الإسرائيلي بدل الصراع ، ومشكلة الشرق الأوسط بدل مشكلة فلسطين ، وكلمة الثوابت وكأن هناك لا ثوابت للفلسطينيين ، و حقوق شرعية وكأن هناك حقوق للفلسطينيين هي غير شرعية، ومن حق العودة الإنساني بدلا من حقنا التاريخي في تحرير فلسطين ، وتناولوا حق العودة في تفسيرات تخدم الكيان ، فحق العودة الفردي أم الجماعي أم الإنساني أم القانوني؟
لقد مهدت الحركة الوطنية الفلسطينية قبل ذلك للعملية السياسية المزعومة من خلال عملية برمجة مدروسة ، تمثلت في إقالة المقاتلين الضباط ، وتسريح القادة ، وتقليص الرواتب ، ومن ثم شطبها وإغلاق مواقع تدريب كثيرة ، وتهيئة مؤسسات منظمة التحرير للانخراط بعملية التسوية ثم البرنامج المرحلي 1974 والنقاط العشر.
تدحرج خطير من مربع سيء إلى مربع أسوأ منه ثم طرح الدولة الديمقراطية ومرورا بغزة وأريحا أولا . إلى المطالبة بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انتفاضة الأقصى وانتهاءً بالمطالبة بإزالة حاجز من هنا أو هناك .
الأمر الذي مثل تخليا واضحا لمنظمة التحرير الفلسطينية عن إستراتيجيتها في التحرير الكامل والعودة ؛ لإطلاق رصاصة الموت على الوطنية ، هذا الأمر أدى بحركات تحرر أخرى للبروز على الساحة والتمسك بالأهداف التي انطلقت من اجلها منظمة التحرير الفلسطينية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي ..
ولم يتعلم قادة الحركة الوطنية الفلسطينية العبر والدروس من الشرك الذي تم نصبه وإحكامه لهم جيدا ، فتوهموا وأوهموا غيرهم بأنهم أمام إنجاز وطني كبير ، ومشروع سياسي وليد لا يُسمح بوأده !!! ، وما إلى ذلك من مصطلحات ، فتبددت أوهامهم ، ولم يعد هناك من وليد ولا مولود، ولا زالوا يتمسكون بعملية سلام لا معنى لها أمام الوقائع التي تؤكد على صحة نهج المقاومة في جميع أشكالها ، وأن العدو لا يفهم غير لغة النار ، وأن الضربات المتلاحقة للعدو هي الكفيلة بإجبار مشروعه على الانكفاء فمشروعه القائم على العنصرية وإلغاء الآخر ونظريات الإبادة والترانسفير وتهجير وطرد الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم لا يمكن مقابلته بمشروع تسوية هزيل فاشل في كل شيء ، ناجح في الاستجداء والمعانقة والتقبيل .
فبدلا من أن تتبنى الحركة الوطنية الفلسطينية مشروع الوحدة والمقاومة ضرب قادتها مقومات الصمود ، وجعلوا الوطن والقضية بقرة حلوبا وشركة استثمار وأرباح ، وعاشوا حالة من الاسترخاء وصلت بهم إلى مزيد من الفشل ، ونشروا الفساد والإفساد ، وتعاونوا مع العدو ومع النظام العربي الرسمي بأستار من الواقعية بحُجة غياب البديل ، كل ذلك كان باسم الوطنية والمشروع السياسي المزعوم ، فقمعوا المناضلين وانحرفت بوصلة النضال تمشيا مع رؤيتهم السياسية ، فهل تتعلم الحركة الوطنية الفلسطينية مجددا من الدروس ؟ وهل تتمكن من استعادة زمام المبادرة من جديد ، فتؤمن بأن الكفاح بكل أشكاله خاصة المسلح منها هو الطريق الأقصر لحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية في النصر والتحرير ؟