وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أشكرك سيدي على رغبتك الملحة في تربية وتوجيه أبنائك بأسلوب صحيح، كما أشكرك على عزمك على تعديل أسلوبك السابق معهم. والآن وكما اعتدنا على هذه الصفحة أن نبلور النقاط التي وردت في الرسالة حتى يسهل تناولها وعلاجها إن شاء الله: - أسلوب التدليل الذي سلكته مع ابنك وكيفية التراجع عنه؟ - عبد الله وتعلقه بولد عمه الذي يكبره بسبع سنوات. - حماية أبنائك من لؤم -على حد تعبيرك- أطفال أقاربهم الأكبر سنا. سأبدأ بما بدأت وأنهيت به رسالتك من كونك تسكن مع أهلك في مجمع سكني واحد ويبدو أنك نادم على هذا الأمر، وقد بدا ذلك واضحا من خلال رسالتك، لكن اسمح لي أن أسألك: ألم يكن أبناؤك معرضين لمثل هذه المواقف وغيرها مع غير الأقارب والأهل من جيران ومعارف وأصدقاء بالمدرسة وغيرهم في المجتمع؟ إن ما يحدث لأبنائك مع أطفال أقاربهم أمر طبيعي جدا بل يجعلهم أفضل من غيرهم ممن لا يجدون مثل هذا الجو العائلي ليتعلموا من خلاله التواصل مع الأهل والتعايش مع الآخر، ولكن ربما يكون الفرق بين أبناء أهلك وغيرهم من الأبناء هو تحرجك من أن تنزل بأحد هؤلاء الأولاد العقاب أو حتى تعامله بخشونة حينما يضايقون أبناءك فتضطرب علاقتك بأهلك نتيجة لهذا، ولكن الأمر لا يحتاج منك إلا حسن تصرف وحكمة وصبر في معالجة مثل هذه الأمور. ولا يحتاج منك أبدا أن تنوب عن أولادك في حل المشكلات التي تظهر أثناء تعاملهم مع أبناء أعمامهم، ولا يحتاج أن توبخ ابنك أو تلومه على تقليده ابن عمه أو لتنفيذ رغباته، ولا أن تحمي أبناءك من لؤم الكبار كما تقول، ولا يجعلك في النهاية تندم على سكنك مع أهلك بل هي مزية كبرى، وليتنا -كأمة إسلامية- نعود مرة أخرى لهذا التقليد الرائع نستثمر مزاياه ونعالج مساوئه. وكل الذي تحتاج إليه سيدي هو أن تتعرف على أمرين مهمين: أولهما طبيعة المرحلة العمرية التي يعيشها أبناؤك، والآخر أن تتصرف مع أبنائك وأبناء عائلتك بناء على هذه المعرفة. وإليك هذه الإرشادات التي تحقق لك الأمرين: الأطفال في سن عبد الله يحتاجون لقدوة وشخصية يحتذون بها وهو ما يسمى عملية التوحد، وفي الغالب تكون هذه الشخصية هي الأب بالنسبة للذكر والأم بالنسبة للأنثى، ولكن في حالة ابنك وجد أن الأقرب إليه قلبا وقالبا هو ولد عمه فاتخذه قدوة له، وكلما كبر الطفل بعد ذلك تغير معه شكل تقليد هذه القدوة، فلن يكون هذا التقليد في الحركات والسكنات والهيئة الخارجية، أو أن يكون له تابعا كما يحدث الآن لابنك مع ولد عمه، بل سيتمثل في تبني أفكار تلك الشخصية وأسلوبها في الحياة، وحتى تضمن لابنك قدوة صالحة يحتذي بها في المراحل التالية من حياته فيمكنك: - أن تقص عليه -بل على أبنائك كلهم- سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليتخذوه قدوة في مواقفه المختلفة. - أن تتمثل أخلاقيات الرسول في سلوكك وخاصة مع أهل بيتك وزوجك ليرى ابنك النموذج العملي لأقوال وأفعال الرسول فيحتذي به. - أن تتحدث عن عملك وأهميته بالنسبة للمجتمع بتواضع وفي نفس الوقت باعتزاز وفخر ليشعر أبناؤك بالفخر بك وبما تقدمه لرقي المجتمع. - أن تكف عن تدليلك لعبد الله، وليس معنى ذلك أن تقسو عليه بل خير الأمور الوسط، ويتحقق ذلك بألا تحقق له كل رغباته وحينما يخطئ يعاقب على خطئه بعقاب يتناسب مع ما اقترفه، وأن يكافأ على سلوكه الجيد بطريقة غير مبالغ فيها، وأن تتركه ليتحمل نتيجة أفعاله. أما كيف تحمي أبناءك من لؤم أطفال العائلة الأكبر سنا: - أن تعلم أنه ليس من واجبك أن تحمي أبناءك من كل شيء بل إن واجبك أن تعلمهم كيف يحمون أنفسهم، وأن تكف عن قلقك عليهم وعلى تصرفاتهم مع غيرهم، فهم أكثر قدرة ودبلوماسية على مواجهة المواقف مما نظن، وهم يتعلمون من هذه المواقف التكيف والتعايش مع الآخر بذكاء شديد، كما سبق أن ذكرت، فلا تحاول حمايتهم من غيرهم بل دعهم هم الذين يقومون بهذا بطريقتهم، وكل ما عليك أن تلاحظهم بطريقة غير مباشرة في كيفية التصرف ولا تتدخل إلا إذا أتوا لاستشارتك. - التدخل في شأن هؤلاء الأطفال لا يكون إلا في حالة الشجار الشديد الذي يؤدي إلى إيذاء بدني حدث لأحدهم أو حينما يأتون إليك يشكون بعضهم بعضا، ويمكن الاطلاع على الموضوعات التالية: - شِجار الصغار كيف يدار؟- تحصينات البيئة وحلم العائلة الكبيرة- الثلاثي الفعال لمواجهة البيئة السلبية- أن تخصص أنت وزوجك وقتا للعب الموجه مع أطفالك وقص القصص الهادف الذي من خلاله يمكن أن يعرف أطفالك كيف يحمون أنفسهم، وخاصة قصص البطولات، ويمكنك إدارة الحوار والنقاش معهم بأسلوب يتناسب مع سنهم، ودلهم على ما يشغل أوقاتهم من ألعاب وأنشطة، وأعني بكلمة "دلهم" أن تتركهم يبحثون بأنفسهم عن هذه الألعاب سواء من الإنترنت أو من أصدقاء ابنك بالمدرسة أو من أطفال العائلة. - أن تشرك أطفال العائلة في سماعهم القصص التي سترويها على أبنائك وأشركهم في بعض الأنشطة والألعاب التي ستقوم بها مع أبنائك فإن ذلك أدعى لعلاج الأخطاء بطريق غير مباشر إلى جانب مزيد من الترابط الصحي الذي يجمع بين أفراد العائلة. - أن توسع دائرة معارفكم، فإلى جانب مجتمع الأهل يكون مجتمع المعارف والأصدقاء، فكل هذه الدوائر تتيح الفرصة أمام أبنائك للنمو الاجتماعي الصحي السليم، شريطة أن توضح لأبنائك الصواب من الخطأ وتناقشهم في أهمية أن نسلك السلوك الصحيح وأهمية أن نعين غيرنا على ذلك، وأن هذا مما يدعونا إليه ديننا، "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". |