فى معركة اليونسكو التى خسرها وزير الثقافة فاروق حسنى الكثير من الدروس والعبر التى يجب دراساتها جيداً، والاستفادة من دروسها، وفى اعتقادى ليس على رأسها الانحياز الأمريكى ضد المرشح المصرى، ولا التكاتف الغربى لإسقاطه، ولا الحملة اليهودية المستعرة ضد فاروق حسنى، فكل هذا أمر طبيعى ومعروف، ولا يجوز اعتباره شماعة نعلق عليها خسارة المنصب الدولى المهم.
وفى تصورى المتواضع أنه كان يمكننا الفوز بالمعركة الطاحنة فى ظل كل هذا العداء للمرشح المصرى لو حدث إجماع أفريقى خلف فاروق حسنى، فمراجعة دقيقة لنمط التصويت فى الجولات الخمس لاختيار أمين عام اليونسكو تكشف أن المرشح المصرى حصل على الأصوات العربية والدول الإسلامية، إضافة إلى ثلاث دول أوروبية مهمة هى فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، إضافة إلى روسيا، وحصل على نصف أصوات أمريكا الجنوبية، بينما لم يحصل سوى على خمسة أصوات من ثلاثة عشر صوتا لأفريقيا، مما يعنى خسارة ثمانية أصوات أفريقية لو حصل عليها المرشح المصرى لفاز من الجولة الأولى أو الثانية.
وهذه القراءة لنمط التصويت داخل اليونسكو يكشف أن فاروق حسنى خسر الموقع لأن مصر خسرت الصوت الأفريقى رغم صدور قرار من الاتحاد الأفريقى باعتبار المرشح المصرى هو مرشح القارة الوحيد، لكن هذا القرار يبدو أنه لم يكن ملزماً للدول الأفريقية التى حسمت التصويت لصالح المرشحة البلغارية.
ومن يعود بالذاكرة إلى صباح السادس من أكتوبر عام 1973 حينما قطعت 34 دولة أفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل مع بدء حرب أكتوبر المجيدة، سيصل بلا شك إلى قناعة مفادها أن الدور المصرى لم يعد فاعلا فى القارة الأفريقية كما كان.. ولهذا الغياب أو التراجع أسباب عديدة، لعل على رأسها أنه منذ انتخاب الدكتور بطرس غالى أميناً عاماً للأمم المتحدة تخلت الحكومة المصرية عن منصب وزارى مهم كان يشغله غالى، وهو وزير الدولة للشئون الخارجية كان كل عمله موجهاً للعلاقات المصرية الأفريقية، وحين عاد هذا المنصب من جديد أصبح موجهاً للتعاون الدولى أكثر منه للشئون الأفريقية.
ووقعت مصر فى خطيئة كبرى بعد حرب أكتوبر، حينما غيرت وبدلت فى دوائر العلاقات الخارجية الحيوية التى كانت تتحرك فيها، وهى العربية والإسلامية والأفريقية، فحين قطعت كل الدول العربية باستثناء عمان والسودان علاقاتها مع مصر عقب كامب ديفيد غابت الدائرة العربية، ومن بعدها الأفريقية، وأصبح التوجه الأساسى لمصر منذ تلك الفترة ناحية الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة إلى تركيا وإيران الإمبراطورية.
وبينما كانت مصر حاضرة بشكل مميز وفاعل فى القارة الأفريقية فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ودعمت كل حركات التحرر ضد الاستعمار الأجنبى، فإنها تركت الساحة الأفريقية خالية لعدد من القوى النامية مثل نيجيريا وأوغندا والعملاق العائد بعد انتهاء الفصل العنصرى جنوب أفريقيا.
وحين بدأ العقيد القذافى جهوده لإقامة الاتحاد الأفريقى تأخرت مصر كثيراً عن مواكبة هذا التحرك، لدرجة أن مصر التى أسست منظمة الوحدة الأفريقية لم تكن ضمن الدول المؤسسة للاتحاد الأفريقى، وبدا أن مصر تتجه شمالاً، بينما المفترض والأصح أن تتجه جنوباً لأن حياتها تنبع من نهر النيل أى من الجنوب.. الذى عادت إليه إسرائيل بقوة.. وأصبحنا أيضا نتحدث عن دور إيرانى ومخططات أمريكية وأوروبية وصينية وهندية فى القارة الأفريقية التى كانت أهم عمق استراتيجى لمصر.
الآن ليس علينا أن نلوم الآخرين، ولا أن نصب غضبنا على أمريكا وأوروبا والدوائر اليهودية التى تسيطر على القرار الدولى.. لكن علينا أن نلوم أنفسنا.. وأن نقف وقفة صريحة مع النفس ونحاول استعادة أفريقيا التى صوتت ضدنا فى اليونسكو قبل أن تصوت ضدنا فى أمور أكثر أهمية وحيوية من اختيار موظف دولى