ثمة ما هو أخطر من تبدد الأمل في حل المسألة الفلسطينية، وهو تبدد الاهتمام بالنزاع كله. فعلى سبيل المثل، عندما أعلن إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، في أواخر 2008، مقترحاته في شأن تنشيط عملية السلام، استقبلت بصمت مطبق على رغم تقدمها. والأرجح أن مثل هذه المقترحات، لو صيغت من قبل، لبعثت مناقشة وردوداً، ويبدو اليوم أن الأمور تدور في فراغ ولا مبالاة عامة. والحال هذه، على أوباما، ربما قبل أي أمر آخر، النفخ في الرماد، وإحياء جذوة الحماسة والتعبئة. فالناس يتعلقون بالأمل حين يرون المسؤولين يبادرون. وهذا يفوق أهمية روحات وجيئات جورج ميتشل المكوكية، والباعثة على التشكك، ولا ريب في أن خطبة أوباما بالقاهرة، في 4 حزيران (يونيو)، كانت علامة فارقة، ولما لم تعقبه مبادرة، ترك انطباعاً بأنه يشبه خطوات سبقته، ولم ينجم عنها شيء.
والحق أن خطة أوباما تقتضي اجراءً أولياً هو تجميد المستوطنات الإسرائيلية. ولا تخلو الخطة من عيوب. فافتراض حكومة اسرائيلية، يمينية كانت أم يسارية، تُجمد المستوطنات، هو ضرب من الوهم. فمثل الإجراء هذا لا يعود على الإسرائيليين بأي مكسب. وإصرار أوباما عليه، في ما هو ليس في متناوله، لن يعود على البلدان العربية إلا بالخيبة. وحين يعد اسرائيل، لقاء تجميد المستوطنات، بتطبيع علاقاتها بالبلدان العربية، فهو يبالغ في التفاؤل. فالبلدان العربية لن تقدم على التطبيع في مقابل ما تراه مراوحة في المحل نفسه، وليس خطوة الى أمام.
وأنا أرى أن على المفاوضين الأميركيين التصدي مباشرة الى مسائل يتقدم خطرها مسألة تجميد المستوطنات، مثل تقديم ثمن سلام فعلي بين العرب والإسرائيليين، وسؤال الإسرائيليين عما يسعهم تسديده عن هذا الثمن. والسؤال نفسه تنبغي مناقشته مع الفلسطينيين. ولا مناص من توجه أوباما بالمخاطبة الى الطرفين، والتطرق مباشرة الى المسائل الجوهرية والحاسمة، والخوض في مناقشة تاريخية. وهذه عوامل أقوى حسماً من تجميد المستوطنات، وفرصة تستدعي مـن كلا الفلـسطـينيين والإسـرائـيلـيين الكـشـف عـن أوراقـهـم.
واستئناف عملية سلام مستحيل من غير وحدة فلسطينية. فمن غير هذه الوحدة يبقى السكان في معزل عن العملية السياسية، وإذا لم تبعث حركة وطنية فلسطينية، فقد يوقع اتفاق سلام من العسير تطبيقه والعمل به. فالحركة الوطنية الفلسطينية المتجددة هي شرط اتفاق سلام يضرب بجذوره في الأرض، ويقاوم امتحان الزمن. ويقتضي هذا محاورة «حماس».
ولعل في رأس أخطاء عملية السلام التاريخية النكوص عن بذل الجهد مع أقدر طرفين على عرقلة العملية، وحرفها عن طريقها، والطرفان هما: اليمين المتطرف الإسرائيلي والمستوطنون، من جهة، والإسلاميون و «حماس»، من جهة أخرى. والطرفان يستحيل اقناعهما بالانخراط في عملية السلام، ويستحيل كذلك تجاهلهما. ولا بد من اعتبار المصالح التي يمثلها الطرفان.
ومسألة اللاجئين جوهرية، ولا يجوز حلها بثمن بخس. فاللاجئون هم أصل الحركة الوطنية الفلسطينية، وقلبها الخفاق في السبعينات. وينبغي أن تكون المسألة مشروعة، ويُقر بها اقراراً لا لبس فيه. ويقال ان المسألة هذه قد تقايض بمسألة القدس الشرقية والاعتراف بها عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة. وأرى ان المعالجة هذه سيئة. وينبغي التطرق الى كل ملف من الملفات على حدة.