جثث فوق بعضها، وطالب يحتضن أجندته، وسيدة توشك رأسها أن تنفصل عن الجسد، وأشلاء بشرية مبعثرة هنا وهناك.. مشاهد مروعة تفطر القلب فى حادث تصادم القطارين بمدينة العياط ونحن فى نهاية العام 2009.
التحقيقات الأولية فى الحادث أكدت أن عامل التحويلة سيد عدلى محروس المنوط به تنظيم حركة القطارات أثناء تعطلها لقى مصرعه بعد أن استقل القطار رقم 152 وترك مكانه، مما تسبب فى الكارثة، وأوضحت التحقيقات أن العامل استقل القطار مبكراً عن موعده وترك عمله وكان من المفترض أن يبلغ عن تعطل القطار.
وتضاربت الأنباء حول الحصيلة النهائية لتصادم القطارين، حيث قالت وزارة الصحة إن الحادث أسفر عن مصرع 18 شخصاً وإصابة 39 آخرين فيما أكد شهود العيان والأهالى أن عدد القتلى وصل إلى 50 شخصاً بينما أصيب 56 آخرون.
وأكدت المعلومات أن أمير حليم سائق القطار رقم 188 المتجه إلى أسيوط قام بتحرير محضر بمحطة أبوالنمرس بتعطل جهاز التحكم الأتوماتيكى للقطار (a.t.c) المسئول عن التحكم فى سرعة القطار طبقا لإشارات السيمافورات والسرعات المقررة على الشبكة وتم إثبات الواقعة والسماح له بالسير، على الرغم من أن الهيئة أصدرت قراراً بعدم إغلاق جهاز التحكم a.t.c وتحويل أى سائق يقوم بإغلاقه إلى التحقيق وإيقافه عن العمل.
فى الوقت نفسه قام السائق بالمرور على 5 سيمافورات ولم ينتبه إلى لون السيمافور، ومنها النقطة 138 التى وجدها تشير للون الأخضر الصريح وهذا يسمح له بقيادة القطار على سرعة 120 كم، ومر السائق على نقطة 140 وأعطت الإشارة لونا أخضر متقطعا، ثم النقطة 142 ولون الإشارة أصفر ثابت ولم يهدأ السرعة واستكمل السير على سرعة 120 كم، والأدهى أن السائق رأى السيمافور عند نقطة 144 باللون الأحمر واستمر فى سرعته أيضاً، وعند النقطة 146 تأكد أن هناك خطرا داهما وعليه إيقاف القطار لوجود قطار أمامه، لكن السائق لم يستطع تهدئة السرعة، وقام بربط الفرامل قبل 800 متر كما هو محدد، مما أدى إلى الاصطدام بالقطار 152، ودهس ثلاث عربات مكدسة بالمواطنين.
السائق أمير حليم له سجل مخالفات بالهيئة، وقال مصدر بهيئة السكة الحديد إن السائق سبق له أن تسبب فى وقوع حادث بين منطقتى الواسطى والمنيا وكان يقود القطار رقم 960 وخرج من على قضبان السكة بسبب السرعة الجنونية الأسبوع الماضى وقام المفتش جرجس يعقوب بإثبات مخالفته، لكن مسئولاً آخر سجل الحادث على أنه راجع لأسباب فنية، وأضاف المصدر أن السائق لديه أرشيف من المخالفات وفور وقوع الحادث خرج الآلاف من أهالى القرية وساعدوا فى انتشال الجثث, حيث أكدوا أن عدد الجثث التى تم استخراجها لا تقل عن ثلاثين، ونحو 56 مصاباً، مشيرين إلى أن هناك نحو مائة سيارة إسعاف قامت بنقل الضحايا.
أوراق مبعثرة ومستندات خاصة ببعض الضحايا حصلنا عليها من خلال تفقدنا للضحايا فى ساعة مبكرة من وقوع الحادث وعثرنا على عدة إيصالات باسم الطالب أحمد جمال يحيى بجامعة الفيوم موقعة من الجامعة عليها ختم النسر، كما تم العثور على إيصالات سداد رسوم من نفس الجامعة باسم الطالب أحمد محمد مرسى، بالإضافة إلى إيصال تسليم أوراق مدنية جامعية مدون عليها اسم الطالب محمد جمال يحيى بكلية الهندسة الفرقة الرابعة مقيم بكفر عمار التابع لمدينة العياط، كما تم العثور على بعض المتعلقات الشخصية لضحايا القطار.
وفور وقوع الحادث شهدت مشرحة زينهم تدفقاً من الأهالى منذ فجر الأحد فى انتظار قرار النيابة بالتصريح بدفن الجثث.
«حسبنا الله ونعم الوكيل فى اللى كان السبب» بهذه الكلمات بدأت نوارة عبدالعزيز، 54 سنة، ربة منزل، توفيت شقيقتها فى الحادث. وأضافت وصوتها يختنق بالدموع أن أختها كانت ترعى أولاد ابنها. بعد وفاته تاركاً ثلاثة أطفال صغار، وقالت أن أختها كانت فى طريقها للعودة إلى منزلها من الجيزة إلى الواسطى ببنى سويف. وقال صابر مؤمن أبوالعوالى،62 سنة، ابن عم أحد الضحايا: «يا ناس مش عايزين تعويض إحنا عاوزين جثته علشان ندفنه».