أصعب مرارة على الحلق هى مرارة «الموت» المجانى أو الموت فى أحضان الحكومة.. فالإهمال يقتل الأبرياء وفتات التعويضات يقتل أسرهم معنوياً وجسديا، وعندما وقع حادث اصطدام القطار 152 المتجه إلى أسيوط بالقطار رقم 188 فى مدينة العياط بمحافظة 6 أكتوبر السبت الماضى، وراح ضحيته مابين 34 قتيلا وعشرات الجرحى، شعرت أن دم الضحايا ضاع لأن تعويضات حكومة الدكتور نظيف لن تزيد على 40 ألف جنيه للقتيل و10 آلاف للمصاب.. وحتى أعلى قيمة تعويض إذا كان الفاعل أحد قطاعات الدولة..
والغريب أننا نجد من يكتب بالبنط العريض أن الحكومة صرفت تعويضات لأسر الضحايا، ونرى مسئولاً كبيراً يظهر على الفضائيات، ليفخر بأن حكومته فعلت ما عليها، بتقديم الأموال لأسر الضحايا، ولكن هذا المسئول لا يعرف أن قيمة التعويضات التى قدمها ممدوح إسماعيل لضحايا عبارة «السلام98»، والذى جرى معاقبته إعلامياً، يساوى 9 أضعاف ما دفعته حكومة نظيف فى حادث قطار العياط، وأن ما دفعته الشركة الفرنسية «إير فرانس» إلى كل أسرة من أسر الضحايا الذين ذهبوا جراء تحطم الطائرة التابعة لها، يساوى 4 أضعاف أموال الحكومة لضحايا قطار العياط.. ورغم أن أموال التعويضات قليلة، فلا تتم محاسبة المسئول وتزعم الحكومة أن المسئول عن حادث العياط هو «جاموسة»، وهو حديث مردود عليه، وستكشفه نتائج التحقيقات فى النهاية.. فالكارثة وراءها حكومة، تعلم أن دية الضحية لن تتجاوز الـ40 ألف جنيه وربما أقل، كما هو الحال فى حوادث قطارات أخرى وقعت فى عهد حكومة نظيف، ففى عام 2008 قتل 44 شخصاً على الأقل عندما اصطدم قطار بحافلة ركاب بالقرب من مدينة مرسى مطروح الساحلية على البحر المتوسط، وقبلها فى عام 2006 قتل 58 شخصاً على الأقل، وأصيب 144 فى اصطدام قطارين كانا يسيران على السكة نفسها، وبسبب الحادث حكم على 14 من موظفى هيئة السكك الحديدية بالسجن لمدة عام بعد إدانتهم بتهمة الإهمال.
تلك الحوادث جميعها مسئولية الحكومة، ولهذا فمن المنطقى أن يعترف د. نظيف بأن أى حادث قتل يقع فى قطاع السكك الحديدية، يجب أن تصل قيمة التعويضات فيه إلى مليون جنيه للضحية، أما الاكتفاء بحسنة المحصلة التأمينية وزكاة وزارة التضامن الاجتماعى وجنيهات المحافظة القليلة فتأكيد على أن المواطن بلا ثمن.
بالتأكيد فأموال التعويضات مهما بلغت لن تعوض قيمة الإنسان، لكن أسر الضحايا تنتظر هذه الجنيهات التى ربما تعوضهم جزءاً من ألمهم على فقدان ابنهم، وهو ما لم تلتفت إليه حكومة نظيف، ولهذا جاءت تعويضاتها ضئيلة فى كل كارثة كانت وراءها الحكومة.. فهى ترى أن القتلى من رعاياها وأن موتهم هو نوع من التضحية من أجلها، وهى التى تبرر لنفسها ما تحرمه على رجال الأعمال فى الكوارث، ففى حالة وقوع كارثة وراءها رجل أعمال مثل هانى سرور أو ممدوح إسماعيل وغيرهما، فإن الحكومة تقيم الدنيا ولا تقعدها، بينما إذا كان الحادث يقع تحت مسئوليتها المباشرة فمن السهل تقديم كبش من صغار الموظفين، أما الوزراء والقيادات فهم بعيدون عن المحاسبة أو المسئولية، حتى إننا لا نجد تصريحا من رئيس الحكومة يؤكد فيه مسئولية وزرائه عن الكارثة، ولم نجد مانحى التعويضات يتصارعون لرفع دعاوى على حكومتنا الرشيدة، كما فعلوا مع أسر ضحايا العبارة السلام، لأنهم على ثقة بأنهم لن يحصلوا على مليم واحد من حكومتنا الرشيدة على عكس شركات رجال الأعمال، كما أننا لم نجد فى قرارات النائب العام اسم وزير أو مسئول كبير، لأن كارثة الحكومة يتحملها صغار الموظفين أما كوارث شركات رجال الأعمال فإن الذى يتحملها هو صاحبها حتى ولو لم يكن هو المسئول الفنى عن هذه الكارثة، كما هو الحال مع كارثه العبارة السلام 98 والتى أحيل صاحبها إلى المحكمة رغم أنه قدم أعلى تعويض شهدته مصر فى تاريخ الكوارث، وتم التصالح بينه وبين أسر الضحايا الذين ذهبوا إلى مكتب المدعى العام الاشتراكى السابق للحصول على هذا التعويض الضخم، إلا انه لم يسلم من الهجوم من الجميع حكومة ومعارضة، فلماذا لا يطبق سيناريو الهجوم نفسه على حكومة نظيف حتى يشعر الجميع بأن دماء ضحايا القطارات والطرق لن تضيع هباء.. إذن الحل إما إعلان الحكومة الاعتذار وتقديم المسئولين الكبار إلى محاكمة عادلة.. أو الاستقالة ليرتاح ضحايا قطار العياط.