أدلى الرئيس الروسي دميتري مدفيديف بحديث لمجلة "دير شبيغيل" الألمانية. ونقدم لكم مقتطفات من الحديث:
حول الطموحات الايرانية النووية
لم يستبعد الرئيس الروسي دميتري مدفيديف فرض مزيد من العقوبات الدولية على إيران في حال اتخاذ طهران موقف غير بناء في المفاوضات حول برنامجها النووي. كما أكد أن موسكو لن تصدر الى إيران الا الاسلحة ذات الطابع الدفاعي الجلي للعيان، وليس في نيتها توريد اسلحة هجومية.
وقال مدفيديف حول طموحات إيران النووية: "يمكن ان تحقق هذه الطموحات ضمن اطار برنامج سلمي لاستخدام الذرة، تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وليس هناك من يعارض هذا الشئ. المطلوب فقط مراعاة القواعد المعمول بها وعدم محاولة اخفاء هذه او تلك من المواقع.
فاذا تم التوصل الى اتفاق حول تخصيب اليورانيوم واستخدامه اللاحق في الاغراض السلمية فنحن بكل سرور سنساهم في هذه البرامج.
اما اذا اتخذت القيادة الايرانية موقفا مغايرا فأنه نظريا يمكن كل شئ. حول هذا الموضوع تحدثنا وباراك اوباما خلال اللقاء في نيويورك وانا شخصيا لا ارغب ان ينتهي هذا الموضوع بفرض عقوبات دولية قانونية، لان هذه العقوبات تؤدي كقاعدة الى طريق معقد جدا وخطر. فاذا لم يحصل تقدم الى الامام فلا يستثني احد مثل هذا السيناريو.
نحن في سياستنا ( وكذلك أنا في القرارات التي اتخذها ) ننطلق من اننا سنورد الاسلحة ذات الطابع الدفاعي الجلي للعيان فقط وليس في نيتنا توريد اسلحة هجومية.
في موضوع أفغانستان
الرئيس مدفيديف لا يستبعد ان تعيد القوات الاجنبية المرابطة في افغانستان نفس مصير القوات السوفيتية في هذا البلد، حيث قال " اني ارى مثل هذا الخطر".
واستطرد الرئيس الروسي قائلا : "إذا لم تساعد قوات التحالف الموجودة في أفغانستان في كسب البلاد لكيان الدولة ستفشل أي محاولات لأستقرار الوضع هناك، تأتي من الخارج، ومهما كانت الآلاف المؤلفة من القوات الأجنبية المرابطة في أفغانستان لن تنجح إذا لم يرغب الشعب الأفغاني في إنشاء كيان دولته وادارة شؤونها بصفتها وحدة متكاملة.
والشيءالرئيسي اليوم هو أن يتحسس الشعب الأفغاني المذاق بأنه يشكل نظامه السياسي وأنه ينشئ دولته القائمة على تصوراته لسلطة الشعب ويتوجب ألا يفرض هذا النظام عليه بقوات أجنبية ( بقوة الحراب ) كما يستحسن أن تشعر بذلك كل محافظة أفغانية، مهما كانت القومية التي تقطن فيها. ومن المهم أن تتراجع القوى الراديكالية الناشطة هناك في نهاية الأمر وتندحر، حتى يسود في نهاية المطاف السلام في الأرض الأفغانية التي تعاني من المحن ".
ووصف مدفيديف قرار اللجنة الانتخابية بالاعتراف بحامد كرزاي كرئيس منتخب لافغانستان بانه " عنصر اضافي للاستقرار ".
في موضوع الأمن الأوروبي
وحول امكانية عقد معاهدة الأمن الأوروبي الجديدة قال مدفيديف إنه يجب على الأطراف إنشاء إطار مناسب للحوار حول أكثر الأوضاع صعوبة ومناقشة طرق تجاوز الخلافات الداخلية في أوروبا .
وقال: "لدي كلمتان حول معاهدة الأمن الأوروبي. ففكرتي تنحصر في ضرورة إنشاء قاعدة اساسية كي نكتسب جميعا إمكانية مناقشة أهم القضايا وباشتراك الدول الأعضاء في حلف الناتو والدول غير الاعضاء. وإذا لم يحدث ذلك فستشعر الدول غير الاعضاء في الناتو بلا شك بعدم الرضى أو عدم ارتياحها الكامل.
وعلينا مجرد إنشاء إطار مناسب للتواصل والحوار حول أكثر الأوضاع صعوبة ومناقشة طرق تجاوز الخلافات الأوروبية الداخلية بصددالملفات العالقة.
وحول تعزيز الأمن الأوروبي لا يوجد عندي شخصيا أدنى شك في اهمية التفكير بجدية لدعم قضيتنا المشتركة".
في موضوع العلاقات الروسية الأوروبية
أما العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي قال مدفيديف أن هذه العلاقات تعتبر أساسا يعتمد عليه تطور أوروبا عموما.
وقال: "أعتقد أن العلاقات بين روسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي هي حجر أساس يعتمد عليه تطور أوروبا عموما، لأن روسيا تمتلك مجموعة من القدرات والإمكانيات الاقتصادية المعروفة، بينما تتوفر لدى أوروبا التكنولوجيا المتطورة العالية والاسواق الاستهلاكية الضخمة. وإذا ما أردنا تنمية القارة الأوروبية برمتها، والتي نتصورها، كما هو معروف ممتدة من فانكوفر إلى فلاديفوستوك- فيجب علينا في هذه الحال أن نطور إلى أقصى حد التعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية وألا نترك، بالطبع، العلاقات الثنائية جانبا. أقصد بذلك على سبيل المثال العلاقات بين روسيا الاتحادية وألمانيا التي تعتبر مثالا حقيقيا للعلاقات بين الجهات الأوروبية، حيث يربط ما بيننا حجم التبادل التجاري الضخم وعدد كبير من المشاريع الاقتصادية.
أنا آمل في أن لا يوجد بيننا ما يفصلنا.. آمل في أن نكون قادرين أيضا على توطيد علاقاتنا مع جيراننا الأوروبيين.. وآمل في أن يرتقى مستوى التفاهم بيننا في غالبية المواقف. وأرجو أن يعالج كثير من مشاكل قارتنا الاوروبية التي لا يجوز تجاهل وجودها، وذلك بجهودنا النشطة المشتركة".
حول معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية
وبشأن المفاوضات الروسية الأمريكية الجارية حول عقد معاهدة جديدة لتقليص الأسلحة الاسراتيجية الهجومية، أشار الرئيس الروسي الى أن جهود روسيا والولايات المتحدة لن تكون ذات مردود الا في حال مشاركة دول العالم الأخرى في هذه الجهود. وأعاد الرئيس الروسي الى الأذهان أن هناك بعض الدول النووية التي لاتعترف بامتلاك الأسلحة النووية، مضيفا أن على المجتمع الدولي إقناع هذه الدول بالتخلي عنها.
وقال الرئيس الروسي: "فيما يتعلق بعالم خال من الأسلحة النووية فهذا مثلنا الأعلى المشترك ولا بد من السعي إليه غير أن الطريق صعبة جدا. وبناء مثل هذا العالم لايقتصر فقط على تخلي روسيا والولايات المتحدة عن الاسلحة النووية بل يجب على الدول الاخرى ان تحذو حذوهما ولكن هذا التوجه غير ملموس حتى بين شركائنا الأوروبيين ".
حول العلاقات الروسية - الاوكرانية
يرى الرئيس الروسي ان المشاكل التي ظهرت في اوكرانيا مجددا بخصوص تسديد قيمة الغاز الروسي مرتبطة بالحملة الانتخابية في البلاد.
وقال مدفيديف: "لنأخذ اوكرانيا مثلا، نعم يحصل بيننا جدل حاد، ولكن ليس بين الشعبين ناهيك عن الدولتين بشكل عام. ولو توخينا الصراحة البالغة فان هذا الجدل او كل هذه التعقيدات تمس شخصا واحدا فقط – هو رئيس اوكرانيا الحالي. وتحصل مثل هذه الامور في التاريخ. حقا انني شخصيا اعتقد ان الرئيس الاوكراني له موقف غير بناء من بلدنا حيث يغلب عليه مرض التخوف من روسيا، وكل ما قام به خلال السنوات الاخيرة كان موجها نحو تمزيق العلاقات التقليدية بين اوكرانيا وروسيا الاتحادية. ورافقت ذلك اشياء غير مريحة بل اقول مؤسفة مثل :الغاء الاتفاقيات الاقتصادية واعتبار اعوان الفاشية ابطالا، والرغبة في اعادة كتابة التاريخ. وان طرد هذا الدبلوماسي او ذلك هي بكل بساطة خطوة غير ودية ولابد من التعامل معها. وقريبا ستجري انتخابات رئاسية في اوكرانيا، وانا آمل ان تستلم السلطة في نهاية الامر في هذا البلد قوى ذات اتجاه تفكير براغماتي أكثر بالنسبة لعلاقاتنا. وطبعا سيصل السفيرالروسي الجديد الى اوكرانيا ويباشر مهام عمله. الا ان كل هذا يتم ضمن الاطار الدبلوماسي. ان مثل هذه الاحداث تحصل بين دول اخرى ايضا. وحقا كان هذا شكلا استثنائيا للتعامل. لقد كان علي ان اتوجه برسالة مفتوحة ومن خلال الموقع الالكتروني الى الرئيس الاوكراني لكي يعلم الجميع بواعث تصرفي. اعتقد ان هذه هي النزاهة وليست دبلوماسية اروقة حيث نبتسم لبعضنا البعض ونحاول ان نظهر ان كل شئ على مايرام ولكن في الواقع يسئ احدنا للاخر بعض الشئ.
لايوجد اي صراع بين اوكرانيا وروسيا. فهما بلدان شقيقان وتربطهما علاقات اقتصادية متينة، حيث يصل حجم التبادل التجاري بينهما بالرغم من الازمة الى مليارات الدولارات.
قبل يومين اخبرنا اصدقاؤنا في اوكرانيا بانه ليس لديهم ما يدفعونه مقابل الغاز. ونحن نتذكر النزاع الذي حصل في شهر يناير/كانون الثاني حيث اتفقنا على قواعد التعامل وبالذات اذا لن يكون بمقدورهم تسديد قيمة الغاز فعليهم ان يعملوا من اجل الحصول على قروض مسبقا. وبخلاف ذلك ننتقل الى تسديد قيمة الغاز مقدما، ومع ذلك وقعت المشكلة وبنظري ان هذا مرتبط بالحملة الانتخابية الجارية باوكرانيا حيث تحاول كل سلطة الحاق الأذى بغيرها من اجل الحصول على رصيد سياسي اكبر.
اني اتمنى لاصدقائنا في اوكرانيا بلوغ نقطة الاستقرار وسيكون من الاسهل لنا جميعا التعامل معهم سواء روسيا الاتحادية ام الاتحاد الاوروبي".
مدفيديف يقارن اعتماد الاقتصاد الروسي على تصدير الخامات بالادمان على المخدرات
قارن الرئيس الروسي دميتري مدفيديف اعتماد اقتصاد البلد على تصدير المواد الخام بالادمان على المخدرات وعبر عن امله باستخلاص دروس صحيحة من الازمة، والتي ستؤدي الى اصلاح النظام الاقتصادي. واشار مدفيديف الى ان الكثيرين يأملون من جديد الحصول على ارباح عالية، مؤكدا على خطورة مثل هذه المواقف.
وردا على سؤال لمراسل مجلة "دير شبيغل" حول اسباب عدم تمكن روسيا خلال 20 سنة من تخطي الاعتماد على تصدير الخامات قال مدفيديف انه " يتعود الانسان بسرعة على المخدرات وتجارة المواد الخام هي كالمخدر الذي يتطلب تقوية الجرعة اكثر فاكثر، خاصة عندما ترتفع الاسعار، لقد وصلت اسعار النفط في السنوات الاخيرة الى ارقام خيالية. فقبل 5 سنوات من كان يتوقع ارتفاع اسعار النفط الى 150 دولار؟ ".
وقال الرئيس الروسي ان التخلص من الاعتماد على تجارة الخامات مسألة مرضية، لانه بدون عمل اي شئ يمكن ان تتوهم بالاستقرار الاقتصادي. المداخيل المالية الضخمة هي التي بواسطتها تحل مشكلات مهمة، ولاحاجة لاصلاح الاقتصاد ولا لتنويع الانتاج. ولدينا من الامكانيات ما يسمح لنا باجتياز هذا الخمول الثقيل، اذا خرجنا باستنتاجات صحيحة من الازمة.
حول انهيار الاتحاد السوفيتي
قال الرئيس مدفيديف " فعلا لقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي هزة عنيفة تعرض لها كل الناس الذين كانوا يعيشون على اراضيه، بغض النظر عن كونهم اعتبروا انهيار الدولة كارثة شخصية ام نهاية حتمية لحكم البلاشفة. وتبقى هناك تقييمات مختلفة، وفي جميع الاحوال كان الانهيار حدثا دراميا، حيث اصبح الشعب الذي عاش لمدة عشرات السنين، لا بل مئات السنين، ضمن اطار دولة واحدة بنتيجته مقسما بين دول مختلفة. فمواطنونا السابقون يعيشون في عدد كبير من الدول، مما خلق مشاكل في المخالطة والتنقلات وظهرت صعوبات في التواصل بين الاقارب والاصدقاء. ولكن الحديث عن اعتبار هذه المسألة كارثة جيوسياسية رئيسية، او اي شئ اخر، هو من اختصاص المؤرخين. وارى ان الحرب العالمية الثانية كانت كارثة جدية في القرن 20 ايضا. واذا تحدثنا عن نتائجها فهي اكثر مآساوية. اما ثورة عام 17 في بلادنا فقد رافقتها الحرب الاهلية، حيث حارب الاقارب بعضهم البعض .. اليست هذه كارثة؟ ".