ناصر نوِّم الشعب ولم يكن يستدعيه إلا كأجير لكننا لم نعرف قيمته إلا لما رأينا خلفاءه والعرب سينقرضون
مخطئ من يظن أن الحديث مع الأبنودى من الممكن أن ينتهى، جلسنا ساعات وساعات ناسين أننا «على سفر» لكن ماذا نفعل أمام هذا النهر الذى لا يقدر أحد على الوقوف أمام عذوبته ورشاقته وخفة ظله وعفويته، وماذا نستطيع أن نأخذ من البحر الممتد إلا ما تستطيع راحة اليد أن تحمل، ساعة تجر الأخرى، ولم ينته استئناسنا وونسنا بـ«الخال».. كان يضحك «ويقفى» ويغنى «مافيش شاعر حقيقى إلا وجواه مغنى خفى»، هكذا قال وهكذا فعل، يقول: أنا لست مؤلفا، ولا أستحق أن أكون مؤلفا لأن كل ما كتبته كان من الناس وللناس، ولم أكتب إلا من معايشتى للناس وللحياة، فالشاعر وهو فى لحظة الإبداع لا يفكر فيما يكتبه، لأنه «لو فعَّصتها تبرد» هذا هو الأبنودى الشاعر الذى يحب الحياة ويكره أن يحرمه أحد منها، أثناء جلستنا معه جاءته رسالة على تليفونه المحمول ففتحها و«كشَّر» ثم قال أنا بتضايق أوى من الرسايل اللى بتجى لى دى، فقلت له لماذا فقال: شوف كده كاتبين إيه، فشوفت وابتسمت فازدادت تكشيرته حدة.
قرأ الرسالة بصوت عال وقال: ليه كل التشدد ده وليه الروح الدينية المبالغ فيها دى؟ كل شوية تجينى رسالة من دول تجننى، بص يا سيدى: والتفت إلى زميلى المصور عمرو دياب وقرأ له الرسالة: يا أخى إذا ذكرتنى ادع لى وإذا ذكرتك سأدعو لك فإذا لم نلتق فكأنما التقينا حفظك الله وشرح صدرك وأزال همك ويسر أمرك وأطال عمرك، انتهى من قراءة الرسالة ورفع وجهه قائلا: إيه كل التمثيل والادعاء ده؟ قلت له: إيه فى الرسالة ضايقك كده، الرسالة بتدعى لك بالخير فقال: أنا متضايق لأن عمر مصر ما كانت كده، العقل المصرى تم اختراقه بطريقة لا إنسانية، لم نعد نتحدث عن مشاكلنا على الإطلاق، هؤلاء المشايخ المتأسلمين يريدون أن يقولوا لنا لا تفعلوا شيئا.. ربنا سيحقق لكم كل شىء، أوعوا تتحركوا أوعوا تناضلوا أوعوا تفكروا، وكأن ربنا هايبعت لنا كل شىء مع السفرجى، هو احنا ناقصين كساح؟ هذه الغزوة الدينية الوهابية التى لا صلة لها بالدين أعتبرها أسوأ غزوة فى تاريخ مصر، لأننا لما كنا مستعمرين من انجلترا أو من فرنسا كنا بنقاوم، وكان الاستعمار محفزا لنا لنحب بلدنا ونغنى لها ونعتلى بها، لكن هذا «الجهل» الذى يسمونه «دين» يزيد من تمبلتنا وكسلنا وخيبتنا، ولو استمعت لكلام المشايخ فى القرى ستسمع كلاما عجبا بتاع ناس مدهولين وفاقدين العقول والرؤية والقدرة على التفكير السليم، والمشكلة أننا لا نستطيع أن نقاوم هذا الذى يسمى بالدين، لأن شوية الأجراء دول أخدوا قشرة الدين وعبثوا بها وصوروا لنا الدين وكأنه غارق فى الشكليات والأمور التافهة، ومشايخ القرى هم تلامذة لمشايخ الفضائيات الوهابية، وكأن الدين أتى ليقول لنا كيف ننام مع زوجاتنا بالطريقة «الصحيحة» وأن المرأة رجس من عمل الشيطان، وسبب كل المصايب اللى بتحصل لنا، وهى الذنب المتحرك على الأرض، وهى النار المتحركة اللى لو لمسوها سيحرقون وهما نفسهم يمدوا إيدهم ويلمسوها، وهل هذا هو الدين؟، هل الله أنزل رسله وأنبياءه للعن المرأة ووصمها بالنجاسة؟، طبعا لا، هؤلاء لا يعرفون أن الله كرم المرأة التى لعبت دورا عظيما فى بداية الإسلام، شوف سيدنا محمد كان بيتكلم إزاى عن النساء، مش زى إخوانا المخابيل دول، وأعتقد أن كل هذا الهوس من المرأة يعكس شبقهم فيها ورغباتهم الجنسية المكبوتة وعقدهم النفسية المزمنة، كما يعكس عدم فهم لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، وأنا أريد أن أقول لهم ما دمتم «متعقدين» من المرأة كده فانسوها بقى وابعدوا عنها، وأريحوا واستريحوا، هؤلاء المتأسلمون جعلوا الدين عبئا وقوة مانعة للحركة وأدخلونا فى عهد الكساح، وهؤلاء يلعبون هذا الدور بذكاء أو بغباء، والنتيجة أن مجموعات كبيرة من الجاهلين أصبحوا هم الأكثر تأثيرا فى الناس، وهذا ما يشعرنا بالضيق، ويجعلنا نعتزلهم ويجعلوننا متأرجحين بين الانتماء للوطن أم للقوم أم للدين، وأنا لدى إحساس أن الأمة العربية ستنقرض ولا أحلم لها بمستقبل طويل.
ثورة الأبنودى على الأوضاع الحالية لم تنته عند حد إعلان «القرف» من المتأسلمين، لكن الأوضاع السياسية الحالية وما تنبئ به من «ظلام دامس»، هى التى تعكر صفاء وجه الأبنودى، قلت له: العام القادم سيشهد انتخابات مجلس الشعب التى ستتم بلا إشراف قضائى، والعام الذى بعده سيشهد انتخابات الرئاسة، فكيف ترى مستقبل مصر؟ فقال: كل ما أقدر أن أقوله إن اللى عايزينه الجماعة اللى حاكمنا هو اللى هايكون، وكل شىء سيتم كما يريدون مثلما حدث سابقا، وأنا يائس من التغيير، وأشعر بالحزن وأنا أقول لك هذا، لأن من واجب المغيِّر ألا ييأس، لكنى لا أقدر أن أكذب عليك وأقول لك عكس ما أشعر به، وبادرنى قائلا: أوعى تقولى ان المثقفين هايعملوا حاجة، نحن بلا جيش، تفننا فى معاداة بعض حتى أصبح جيشى هو الذى يمزقنى ويهزمنى، وأنا متأكد أن الناس اللى قبلنا كانوا بيتمزقوا زيى كده وواثق برضه ان كل المبدعين والشعراء والمبشرين طعنوا وتعرضوا للكثير من الاضطهاد والتسخيف، وهذه هى مصر، هى مصر كده.
سألته: كيف وصلنا إلى هذا الوضع، فقال: لا يمكن حساب الخطأ إلا إذا عدنا إلى بدايات الثورة، وكان ثمة خطأ فادح فى علاقتنا مع الثورة، وساعد على هذا أن الضباط لم يثقوا بنا الثقة الكاملة، سألته من تقصد بكلمة «بنا» الشعب أم المثقفين؟ فقال: سيب الشعب فى حاله الشعب غلبان، ونظام عبدالناصر أعطى الشعب المصرى ما جعله الآن فى مأساة لأن كل شىء حصل عليه تمت سرقته منه مرة واحدة، ووقع فى مأساة التناقض بين ماضيه القريب الذى كان يتمتع فيه بالأمان، والأمل فى الغد، فخطأ عبدالناصر أنه كان يخوض المعارك بنفسه ويحقق الانتصارات ثم يعود بها لنا، ونحن جالسون فى أماكننا، وكأن عبدالناصر كان لا يريد أن يشرك القوى الشعبية معه، ولم يكن يريد أن يعلمنا الثورة لكى لا نصبح شركاء فى المستقبل، وما إن ذهب عبدالناصر حتى أتى السادات وغير الصورة تماما من الأبيض للأسود، ودون مقاومة حقيقية تكون اتجاه معارض يستطيع أن يقف ضده بقوة، ووقتها كان الأوان فات على أن يتعلم الشعب أن يقود نفسه بنفسه، وعبدالناصر هو المسئول الأول عن هذا لأنه لم يعوِّد الشعب على القيام بدوره، وحتى فى بناء السد العالى اشتغلنا كأجراء، وهذا هو المصير الذى كتبه علينا «ناصر» والثورة هى اللى خلت بين المنابر والمصلين انفصال موصول أو اتصال مفصول، وكان فيه درجة من الحذر من الشعب المصرى، واتكال الناس وانتظارهم لمكاسب النظام هو الذى جعلهم يتحملون ذهاب أولادهم إلى سينا بلا عودة، وهم صامتون، والآن سلبونا كل ذلك ولم نعد نرى أى شىء من أيام الثورة، حتى السجن الذى كنا نعتبره «متعة» وشرفا وحوارا بيننا وبين النظام وشكلا من أشكال الاعتراف بنا أخذوه منا، والآن السجن تكتيكى فى مواسم معلومة قبل الانتخابات أو التعديلات الدستورية.. قوى معينة تدخل السجن بتهم ملفقة، سرعان ما يكتشفها القضاء الذى يفرج عنهم لأنه عارف لعبة الدولة تجاه القوى المعارضة، والغلط فينا لأننا استسلمنا لفكرة أن عبدالناصر هو المخلص، الذى نومِّ الشعب ولم يكن يستدعيه إلا بوقت محسوب، وحينما ينتهى دوره يصرفه، وما نعانيه الآن جراء هذا، لكن مع كل ما نأخذه على الفترة الناصرية، لم نعرف قيمة عبدالناصر إلا حينما رأينا خلفاءه.
مصر خلاص أصبحت جثة هامدة، حتى لما قامت الأحزاب وبقى فيه تعددية كنا خلاص، زى الفرخة اللى حطوها فى الفريزر، نصلح لأن نكون أكلا لا لأن نعيش، وحتى لما بيقوم حزب، بيفشل تانى يوم زى حزب الجبهة الديمقراطى، والسبب فى ده أننا كلنا عايزين نبقى رؤساء وأمناء لجان ومسئولين، وكأن مصر دى بلد التمانين مليون زعيم، كلنا عايزين نبقى زعما، أما نحن كمثقفين فإيدك منا والقبر، إحنا مجموعة من مدعى الشرف المتناثرين، ما نكتبه هو دفاع عن الذات، ولم تر مصر منذ قيام ثورة يوليو هذه المجموعة الكبيرة من الناس الذين يحللون وينظرون ويفكرون فقط، ولا يوجد قوى تربط بين هذه «التحاليل» والناس، نريح ضمائرنا بأن نقول كلاما وننام، وكأن هذه غاية الثورة كلنا مجموعة من الأفنديات المتضخمين الذين يكتبون بهمٍّ حقيقى لكن منعزلين، لا يوجد رابط ولا مودة ولا رفقة، نكتب كلاما حقيقيا لكن فى الهواء، فنحن الذين نقرأ لبعضنا ونتابع بعضنا بانفصال عن الناس الحقيقيين أصحاب الحق فى المعرفة والتحليل، والدولة ماتحلمش بأكتر من كده.
«مصر اللى كانت حتة واحدة بقت هلاهيل، وأعتقد قضية الولاء والانتماء التى نطالب أبناءها بها قضية يشوبها الكثير من عدم المصداقية» كان صعبا علىَّ أن أسمع هذا الكلام من الأبنودى أحد الذين علمونا أن نحب مصر فسألته: كيف تقول هذا؟ فقال: هو فيه أكتر من الأسمر ينظر إليه أنه مواطن درجة تالتة وأن النوبيين ينظر إليهم بهذه النظرة العنصرية، مع أنك لو دورت فى الحقيقة هاتلاقى إن النوبيين هم الوحيدون الذين لا يمكن الشك فى أصولهم وانتمائهم إلى مصر، ومع ذلك فهم مضطهدون، وأنا شوفت بعينى ده وعشت معاهم فى بلاد التهجير فى جورته والجنينة والشباك ومركز نصر الجديد، وشوفت الأحوال المزرية اللى عايشين فيها، شفت المسئولين رافضين يسكنوهم، فى العلن بيقولوا إنهم بيسكنوهم وفى الحقيقة بيدوسوا عليهم ناس من بحرى عشان يبقوا جواسيس عليهم قال إيه يعنى عشان مايعملوش حركة كده ولا كده ويستقلوا، وهمَّا مش عارفين انهم بالتصرفات دى بيحرَّضوهم أكتر على الاستقلال، ما كانوا طول عمرهم قاعدين ومستحملين غباوتنا وقلة أدبنا عليهم وبنطلعهم فى الأفلام خدَّامين وبوابين وبنتريق عليهم وهمَّا ناس طيبين وظراف، ولا كان فى دماغهم استقلال ولا حركات نص كم، كذلك الأمر فى سينا، تقدر تقول لى ليه احنا ودينا ترعة «السلام عليكم» فى قلب الصحرا؟، المفروض أننا عملناها عشان تخضرها ونعمرها لكن اللى ينظر ليها بجد يكتشف أنها رايحة لإسرائيل، وإلا لماذا لم تتم زراعة حتى فدان هناك ولماذا لم يتم تعميرها ومنح أهل الوادى مميزات لتحفيزهم على الذهاب إلى هناك، الحقيقة أنهم مانعين حد ياخد أرض هناك، ولن يحدث هذا فى المستقبل القريب، لتبقى ترعة السلام هذه كعلامة استفهام وسط سينا التى ينضرب فيها اللى ينضرب، وتستباح زى ما تستباح ومانقدرش ندافع عنها ولا كأنها بتاعتنا ولا كأننا حاربنا كل الحروب دى عشانها، ولا رجعت كاملة لينا ولا حاجة، هى البلاد تراب وحدود وأرض؟، لا، البلاد بشر وناس وحرية واعتزاز بأن الشهداء ما ماتوش أونطة، ولما كتبت قصيدة «عبدالعاطى» صائد الدبابات، متحسرا على موته بفيروس سى، حصلت لى مشاكل مع الدولة، وكأن أولادنا اللى ماتوا فى الحروب كانوا بيموتوا عشان شوية الجراد اللى بيحكمونا يتسلطنوا وياكلوا منا الخيرات، ودلوقتى مهما قلت فى الفساد ما يبقاش سر، هو إحنا عملنا الثورة ليه مش عشان الفساد!، هو الفساد كان كده برضه؟ والله لو نقارن الفساد قبل الثورة بالفساد اللى بيحصل دلوقتى لحسينا أننا كنا فى جنة، ده كان فيه طلعت حرب وأبو رجيلة ورأسمالية وطنية لو تطورت فى مجراها الطبيعى لكنا عشقنا الرأسمالية، ده غير الرأسمالية الطفيلية التى سطت علينا وزاوجت بين رأس المال والسلطة، وأصبحت مصر مش مصر.
قلت للأبنودى ألهذه الدرجة ترى المستقبل غائما؟، رد: وأكتر كمان وأنا متأكد أننا ها نعود للتوريث وللملكية، وكأن فترة الجمهورية كانت جملة اعتراضية فى تاريخ مصر، وكأننا فى جمهورية زفتى التى استمرت لأيام، ولو حسبنا فترة الحكم الجمهورى بالنسبة لعمر التاريخ سنكتشف أيضا أنها كانت شوية أيام، وسنرجع «كما كنا».
قلت له: سمعتك تقول ذات يوم فى القناة الأولى بالتليفزيون إننا نعيش فى ديمقراطية لم نشهدها من قبل.. كيف؟ فقال: هذا الكلام قلته بمناسبة أكتوبر وأكتوبر بتاعنا مش بتاعهم، ومن صنعه هم شباب مصر، ولن نترك حقنا فيه، فى الحقيقة هذا صحيح لكننا الآن مش فى ديمقراطية بل فى «تخفيف قرصة اللجام» مسموح لنا بالأنين والشكوى وشوية قلة حيا، وهذا درجة من درجات الإراحة بالديمقراطية وليس ديمقراطية هذا شبه الديمقراطية، والكثيرون لاموا على أنى عملت أوبريتات غنائية لكنى أفتخر بما عملت، وهم يهاجموننى بمناسبة وبدون، ويكتبون فى أكثر الجرائد صفرة فى أكثر الفترات بوليسية، ونحن متجاوزون هذا الآن لأن هناك منابر تسمح لنا بذلك.
الحديث عن الراحلين يكسو وجه الأبنودى بالأسى والطمأنينة والحنين، سألته عن موقفه من النزاع الآن حول إمارة الشعر بعد وفاة محمود درويش فقال: موت درويش أثبت أن إمارة الشعر فى القصيدة وليس خارجها، وهذا البعث لشعر محمود درويش بعد موته يثبت صحة هذه المقولة، ولا أظن أن هناك شاعرا فى الأمة العربية يستطيع أن يصل إلى ما وصل إليه درويش، والذين يتحدثون عن إمارة الشعر دون كتابته فى العادة هم شعراء عاطلون.
سألته هل فعلا هاجمت مرشح مصر فى انتخابات اتحاد الكتاب العرب؟ فقال: لا. أنا لم أهاجم مرشحا مصريا لمنصب خارجى أبدا، وأنا ذهبت إلى اتحاد الكتاب بضغط وعتاب من سعد الدين وهبة، رحمة الله عليه، وخرجت منه حينما ذهب وأحسست بأن لا مكان لى هناك فهم يصدرون نشرة يلمعون بها أنفسهم، ويلصقون بها صورهم فسألت نفسى لماذا أظل معهم؟ فأرسلت بتلغراف استقالة، واعتبروا أن هذا الأمر حرب منى ضد الاتحاد، سألته ألم يكن هذا فى وقت رئاسة «محمد سلماوى» للاتحاد وخوضه للانتخابات؟ فقال نعم، وأنا لى ملاحظات كثيرة حول سلماوى أهمها أنه يكتب كلاما كثيرا وينسبه لنجيب محفوظ ومحفوظ لم يقله أبدا، وهذا ما صدقت عليه بنات عمنا محفوظ، لكنى لم أهاجمه أثناء انتخابات اتحاد الكتاب العرب، وأنا رجل رشيد أفرق بين مواقفى داخل مصر ومواقفى خارجها، وأنا مع أى مصرى فى ترشيحه لأى منصب دولى.
قلت له أنت من الشعراء القليلين الذين يحظون بنجومية على المستوى العربى وتعتبر من أهم الشعراء المعبرين عن وجه مصر العروبى، فكيف ترى هجوم بعض الدول العربية على مصر؟ ضحك كثيرا وقال: الذين يهاجمون مصر من العرب أقول لهم: أمامكم 1000 سنة لكى تكونوا مثل مصر فى أحط أحوالها، ومهما بلغت أحوال المصرى من سوء فهى أفضل منكم، وليس معنى شوية العمارات والشاليهات أنهم أصبحوا مثلنا، قلت له فى هذا الصخب والمراجعات التى يشهدها المجتمع المصرى، مثلا ما رأيك فى «الدعوة للمصرية» كبديل عن الدعوة للقومية العربية؟ فقال: أنا مصرى تماما ولكن القضايا العربية هى الجزء الأكبر من إبداعى ومن تكوينى، ولن نستطيع أن نتخلص من العالم العربى حتى فى هذا الوقت الذى يشهد أسوأ حالات معاداة العرب لمصر، لأن لدى إحساس بأننا نشهد مؤامرات كثيرة سواء فى العلن أو الخفاء، بما فى ذلك الفلسطينيون، لكن فى النهاية نحن نعى دورنا لأن مصر هى أم المنطقة شاءوا أم أبوا، ومن غير الطبيعى أن نكون دولة درجة تانية، وبمناسبة كلامك عن القومية العربية أحب أن أقول لك إنها لم تكن موجودة أصلا حتى فى أيام عبدالناصر، ولم يزد دورها عن كونها شعارا مطروحا يهيئ الوجدان العربى للاقتراب.
قلت له: بمناسبة حديثك عن محمود درويش كيف ترى هجوم جماعة حماس عليه؟ فقال: هذا هو الغباء بعينه، فمحمود درويش رمز للأمة العربية ولفلسطين شاءوا أم أبوا، وبعدين هو خلاص اليهود خلصوا لما يهاجموا محمود؟ للأسف هذا ما يشعرنى بالحزن، انظر لخريطة العالم سترى أن الحروب انتهت بين الدول ولم تعد هناك حرب إلا بين المسلمين وبعضهم، ولدى إحساس أن الجماعات السلفية تلعب لصالح الجماعات الصهيونية وأمريكا، حتى فى فلسطين يكفرون من تلبس بنطلونا أو تخلع حجابها، وبالأمر لازم تلبس الست الزى اللى بيقولوا عليه إسلامى، وكأن دماغهم صبة جبس وأسمنت وكأن كل الهموم والمشاكل والحروب خلصت عشان تحبس واحدة ضحكت بصوت عال أو كشفت شعرها، أليس من حق الغرب أن يقول علينا متخلفين وإرهابيين؟ ومن ينظر إلى كل هذا العنف بتاع حماس والجماعات السلفية سيكتشف أحد أمرين: إما إن النا