ليست المسألة مباراة فى كرة القدم، كما أن النقاد الرياضيين ليسوا سوى نقادا رياضيين، كما أنهم مع الصحافة فى الجزائر لن يتحولوا بين عشية وضحاها إلى قادة للرأى العام يقودون العلاقة بين الشعب المصرى والشعب الجزائرى للهاوية، فنسير خلفهم جميعا إلى مصير لا يعلمه إلا الله، فلقد تعدى الأمر كرة القدم، كما تعدى كل النقاد الرياضيين والصحافة المأجورة فى الجزائر والفضائيات التى تقتات على إعلانات المياه الغازية، لقد مس الأمر روح الشعب المصرى الذى شعر بالإهانة، نعم شعر الشعب المصرى كله بإهانة حقيقية، كما أن حروبا أهلية فى كثير من بلاد العالم قد نشبت وقطعت أوصال شعوبها لسبب أقل تفاهة من مباراة فى كرة القدم لشعور هذه الشعوب بالإهانة، كما أن حروبا ضارية قد نشبت مخالبها فى لحم شعوب كثيرة وبين دول عديدة لسبب أقل تفاهة من كرة القدم، ففجأة تندلع الحرب بسبب تافه ظاهر للجميع لكن الأسباب الحقيقية تكون مختفية فى أعماق الشعوب وتنفجر بسبب هذا السبب التافه الذى طفا على السطح، لكن هذا السبب التافه، مثل مباراة فى كرة القدم، قد فجر كل الأسباب العميقة المختفية تحت السطح الظاهر للعيان، وهذا هو ما حدث بين مصر والجزائر، فلقد شعر جميع المصريين بالإهانة، حتى الذين عاشوا عمرهم يدافعون عن فكرة العروبة ودفعوا ثمنا غاليا لتمسكهم بعروبتهم، حتى هؤلاء أحسوا بالإهانة من تصرف "الحيطيست" و"المزاليط" الجزائريين الذين أرسلهم "أحمد أويحى" إلى الخرطوم لضرب أفراد من الشعب المصرى ذهبوا ليشجعوا فريق كرة القدم، تعدى الأمر كرة القدم إلى معايرة الشعب المصرى بأكل الفول والسكنى فى المقابر والفقر والفساد ومحاولة النظام الحاكم فى مصر توريث حكم المصريين لأحد أبناء رئيس الجمهورية، وكما تقول جريدة الشروق التى يرأسها منحرف بتكليف من "أحمد أويحى" فى جريدته: "العارفون بالسياسة وإدارة الصراعات يعلمون جيدا بأن الحقد المصرى للجزائر لا يمكن بأى حال من الأحوال تفسيره بمباراة فى كرة القدم، إنما هو ردة فعل منتظرة على دخول الجزائر بقوة فى حلبة السياسة الدولية رغم حداثة عهدها بالاستقلال، فكيف يمكن لزعيم عربى محترم بحجم جمال عبد الناصر، كان يجول وحده ويصول بين العرب والأفارقة، أن يقبل بظهور شاب صغير درس بالقاهرة مثل العقيد هوارى بومدين".
فالسبب فيما حدث أن مصر كلها تحقد على الجزائر كلها وجمال عبد الناصر كان يحقد على هوارى بومدين، لأن بومدين ظهر لكن هذا المنحرف الذى يعرف الجميع شذوذه الذى كتب هذا لم يستطع أن يخفى أن بومدين قد تعلم فى الجامعة المصرية وأن حذاء جمال عبد الناصر أنظف من رأسه ومن رأس "أويحى" الذى جمع "الحيطيست" و"المزاليط" ودفعهم فى طائرات الأمن العسكرى الجزائرى ليروعوا المشجعين المصريين فى شوارع الخرطوم، وهذا المنحرف يقول: "كيف للمصريين ألا يكرهونا وهم يعلمون بأنهم، وبالرغم من امتلاكهم لعشرات القامات الموسيقية والغنائية، لكنهم حيثما ساحوا فى هذا العالم الفسيح وسألوا عن الذى يعرفه البشر عن الموسيقى العربية فإن اسما واحدا سيسمعونه هو اسم "الشاب خالد"، فلا أم كلثوم ولا عبد الوهاب ولا عبد الحليم ولا رياض السنباطى ولا نجاة ولا هم يحزنون؟"، وعندما يقول هذا المنحرف مثل هذه التفاهات يعترف بالحقد الذى يملأه هو وأشباهه، هذا الذى يبارك توريث حكم الجزائر إلى "سعيد بوتفليقة" شقيق رئيس الجزائر الحالى، فيقول المناضل الجزائرى أحمد لخضر بن سعيد الأمين العام السابق للتنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء عن حزب سعيد بوتفليقة: "الحزب الذى سيركبه السعيد، بمباركة أخيه عبد العزيز وحاشيته التى عليها الطاعة فقط، ليخلف فخامة الرئيس على عرش الجمهورية المخطوفة"، وقد كشف أحمد لخضر بن سعيد أن اغتيال النقابى السابق عبد الحق بن حمودة على يد "أويحى" وعسكر بوتفليقة كان فعلا مدبرا، الغاية منه منعه من الوصول إلى رئاسة الدولة•
وقد اعتبر المناضل الجزائرى لخضر بن سعيد أن ''جبهة التحرير الوطنى هى حامية مصالح فرنسا الاستعمارية فى الجزائر''، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، حين يقول إن الأمين العام للأفالان يأتمر مباشرة بأوامر السفير الفرنسى السابق برنار باجولى• ويسرد بن سعيد واقعة حدثت يقول فيها "إن السفير الفرنسى باجولى نظم مأدبة عشاء لصالح مدراء جرائد، وأكد لهم أنه أعطى أوامر للأمين العام للأفالان عبد العزيز بلخادم و"أويحى" من أجل توقيف موجة من الغضب الشعبى"، هنا يكون الشاهد من أهلها على من يحكم الجزائر من مبنى السفارة الفرنسية فى الجزائر.
نحن ضد فكرة توريث الحكم فى مصر وأعلنا ذلك مرارا لا كراهية فى أبناء الرئيس ولكن ترسيخا لديمقراطية حقيقية، نحن نقاوم الفساد فى مصر، لكن هل يستطيع أى منحرف مثل مسئول جريدة الشروق أن يعلن أنه ضد الفساد فى الجزائر، أو أنه ضد توريث شقيق بوتفليقة؟ حيث يقول بالحرف الواحد أحمد لخضر بن سعيد، الأمين العام السابق للتنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء، أن "أويحى" قال له بالحرف الواحد: "إن الجزائر لن ترفع رأسها مع عبد العزيز بوتفليقة كرئيس للجمهورية وقد قال لى أويحى هذا الكلام، وهو يشير إلى صورة بوتفليقة معلقة على الجدار وأن من حقى الكلام عن هؤلاء فى هذا الوقت لأنهم، بحسب رأيى قادرون على فعل أى شىء وقال لى أويحى إنه لم يكن يتصور أبدا أن يصل بوتفليقة إلى الحكم فما بالك بوصول شقيقه سعيد إلى الحكم ولا يمكن أن يتم ذلك بدونى".
وسوف أدع الصديق الكاتب والصحفى الجزائرى الكبير "أنور مالك" المقيم فى باريس ينهى هذا المقال بأن أنقل كلامه بالحرف الواحد، حيث يقول: "تلقى الورقة الجديدة الصادرة عن مؤسسة كارنيغى الضوء على الخطر الذى يهدد الاستقرار الطويل الأمد فى الجزائر نتيجة لرفض الحكومة مناقشة ترسبات الحرب الأهلية العنيفة، حيث أدى قرار الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة بالمضى قدماً بـ"ميثاق السلام والمصالحة الوطنية" من دون مساهمة الشعب فى الوثيقة أو إجراء أى حوار ملموس بشأنها، أدى إلى تظليل آفاق حدوث مصالحة حقيقية بين الجزائريين لم ينجح بوتفليقة فى جهوده لقطع العلاقات المعهودة بين الحكومة والجيش إلا جزئياً، ذلك لأن الجهاز الأمنى الجزائرى الذى تعزز ثقله إثر مشاركته فى الحرب ضد المعارضة الجزائرية بقيادة الولايات المتحدة لا يزال يتمتع بنفوذ واسع فى مجال التعيينات الحكومية والسياسات الحزبية إلا أن المسئولين الجزائريين بقيادة الرئيس بوتفليقة تجاهلوا التجارب التى عرفتها الدول الأخرى فى هذا الصدد وقرروا منح عفو شامل والتعويض على عائلات الضحايا بالمال بدلاً من إعطائها المعلومات التى كانت بانتظارها على أمل طى الصفحة المظلمة للتاريخ الجزائرى بأسرع وقت ممكن. بيد أن هذا الاستعجال لن يؤدى إلا إلى تأجيل الأزمة، تلك الأزمة التى قد تنشب على الأرجح فى المستقبل القريب كون مسألة المفقودين أصبحت اليوم عالقة بين حبال توترات اقتصادية اجتماعية وتوترات بشأن الهوية فى الجزائر، وهو أمر سيجعل من آفاق المصالحة وتعزيز حقوق الإنسان فى البلاد قاتمة أكثر مما هى عليه اليوم".
وكما يقول المصريون فى الأمثال الشعبية المصرية "لا تعايرنى ولا أعايرك..الهم طايلنى وطايلك"، نحن لم نذكر الشعب الجزائرى بسوء فليس بيننا وبينه عداوة لكنا نحتقر من أوصل الجزائر إلى هذا المنحدر مثل "أويحى" قائد مذبحة الخرطوم كفوا ألسنتكم المدنسة الشاذة عن الشعب المصرى فقد بدأتم تدلون التاريخ من باب الخيانة فعن أى عروبة تتحدثون؟