[img]
https://alomah.yoo7.com/[/img]
عندما يحل الرئيس حسنى مبارك ضيفا صباح الثلاثاء ــ بتوقيت واشنطن ــ على البيت الأبيض سينهى قطيعة استمرت خمسة أعوام لتقليد كان سنويا منذ توليه الحكم فى مصر عام 1981. ولكن ما لن تنهيه زيارة الرئيس هو لعبة التكهنات التى تزايدت وتأثرها فى الآونة الأخيرة فى العاصمة الأمريكية، كما فى عواصم أخرى دولية وإقليمية، حول مستقبل الحكم فى مصر خلال السنوات المقبلة. وهو ما دأبت الصحافة والمؤسسات الأكاديمية المعنية فى أمريكا وغيرها من البلدان فى تناوله تحت عنوان: «مصر بعد مبارك».
وفى مقدمة الأسئلة المطروحة فى هذا الشأن سؤال جمال مبارك، الابن الأصغر للرئيس والقيادى البارز فى الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم. وكما يقول أحد المقربين من الدوائر المحيطة بجمال مبارك «لقد تم تجاوز الحساسية المتعلقة بالمستقبل السياسى للأستاذ جمال، فهو يعمل بالسياسة من خلال الحزب (الوطنى الحاكم) وله دور معلن ومقبول فى الحياة السياسية اليومية». ويضيف «إن الأستاذ جمال يعمل أكثر من 18 ساعة يوميا، ويبذل جهدا كبيرا فى متابعة جميع الملفات، وهو مستحق للترشح (للرئاسة) بوصفه عضو الهيئة العليا للحزب (الوطنى)، شأنه شأن أى عضو لهيئة عليا لأى حزب سياسى آخر، ولا يوجد نص دستورى يمنع ابنا لرئيس الجمهورية أو أى مسئول حزبى آخر من الترشح للرئاسة».
ويرفض المقربون من جمال مبارك، الأمين العام المساعد للحزب الوطنى، وأمين لجنة السياسات، التعليق عن الكيفية التى تتعامل بها الصحافة والإعلام فى الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، مع جمال مبارك بوصفه «الرئيس المنتظر» لمصر. كما يرفضون وصف الزيارات التى يقوم بها جمال مبارك منفردا إلى واشنطن ــ سواء معلنة أو غير معلنة ــ واللقاءات التى يجريها فى العاصمة الأمريكية مع مفاتيح صناعة القرار سواء داخل الإدارة الأمريكية أو فى الكونجرس على أنها جزء من عملية ترتبط بشكل أو آخر بمستقبل الرئاسة فى مصر. والرد المعتاد على مثل هذه الأسئلة هو أن «الأستاذ جمال يمارس النشاط المكلف به من قبل الحزب».
وفى نفس الوقت لا ينفى دبلوماسيون أمريكيون سبق لهم العمل فى مصر «أهمية مصر بالنسبة للمصالح الأمريكية فى المنطقة». ويقول أحدهم: «إنكم فى مصر تتحدثون كثيرا عن تراجع الدور الإقليمى للقاهرة، ونحن لا ننكر أن هناك عواصم عربية أخرى تتحرك للعب دور مهم فى المنطقة، ولكننا مازلنا نرى أن مصر أساسية فى تشكيل الرأى العام العربى، خاصة فى القضايا المتعلقة بالصراع العربى الإسرائيلى».
وحسب المصادر الدبلوماسية ــ أمريكية وأخرى ــ فإن متابعة نشاط الرئيس المصرى قد تجاوز بالنسبة للعديد من السفارات الأجنبية فى مصر الحد التقليدى لعناوين الأخبار، وبدأت تلك المتابعات تشمل مشاهدة اللقطات التليفزيونية التى يبثها التليفزيون الرسمى للدولة، وغيره من القنوات الإخبارية.. كما لا يخفى هؤلاء متابعتهم «لأخبار جمال»، وتبادلهم الآراء حول حظه «فى وصول سهل» لسدة الحكم فى مصر «وبقاء غير معرقل» فيه.
وتقول دبلوماسية أوروبية أنهت عملها فى سفارة بلدها فى القاهرة منذ أسابيع قليلة «إننا كنا نفعل ذلك بصورة متزايدة خلال العامين الماضيين، ولكن وتيرة اهتمامنا تزايدت مع الظروف الصعبة التى أحاطت بالرئيس مبارك عندما فقد حفيده فى مايو الماضى فى ظروف بالغة القسوة».
وأصبح من المعتاد أن تشمل تقارير وكالات الأنباء، كما فى تقرير وكالة الاسوشيتد برس أمس، ملاحظات ــ لا تخلو من أوصاف درامية ــ حول صحة الرئيس مبارك، الذى مازال حريصا على بدء يومه فى ساعة مبكرة من الصباح، والاستماع إلى تقارير معاونيه حول القضايا الداخلية والخارجية، وذلك وفقا للمصادر المقربة من الرئاسة المصرية.
ولا يخفى الدبلوماسيون الغربيون فى القاهرة اهتمامهم بما يصفونه «بالدور المتنامى لجمال مبارك». كما أنهم لا يعبرون عن نفور من فكرة خلافة مبارك الابن لمبارك الأب. وفى واشنطن كما فى الدوائر الدبلوماسية فى القاهرة تتردد العبارات بصورة أو أخرى: إن حرص الولايات المتحدة بالأساس هو على استقرار مصر السياسى، ويضيف البعض أولوية أخرى، وهى الحيلولة دون وقوع السلطة المصرية فى أيدى تنظيم الإخوان المسلمين، وهو ما قد يدفع فى رأيهم إلى انتشار سريع للفكر الراديكالى فى المشرق والمغرب العربيين على حد سواء.
وفيما يتعلق باحتمالات تولى جمال مبارك الرئاسة فى مصر خلفا لأبيه، فإجابات الدبلوماسيين الأمريكيين عادة ما تتخذ شكل تنويعات على الصيغة التالية: لو أن جمال استطاع أن يحصل على الدعم الكافى من الدوائر المختلفة للحكم فى مصر، وأمكنه أن يمرر انتخابه بصورة دستورية ــ بعيدا عن النسب المئوية المبالغ فيها ــ وبدأ حكمه بإعلان تحديد مدة حكم أى رئيس بمدتين، فلماذا يجب استثناؤه من هؤلاء الذين لديهم فرصة لحكم مصر بما يفيد العلاقات المصرية الأمريكية، ودور مصر الإقليمى؟.
ولا ينكر المعنيون بمتابعة العلاقات المصرية ـ الأمريكية، سواء فى القاهرة أو واشنطن، أن تشعب قضايا المصالح الحاكمة للعلاقات المصرية ــ الأمريكية تدفع بالعاصمة الأمريكية، فى التحليل النهائى، للتعامل البرجماتى مع القاهرة، بما يعنى تفادى شخصنة علاقات هى بالتأكيد إستراتيجية، أو اختزال هذه العلاقات فى الرهان على فريق أو شخص ضد أخر.
البراجماتية، كما تقول المصادر الأمريكية، سواء فى الإدارة أو فى الكونجرس، هى أساس تعامل واشنطن مع مستقبل الحكم فى مصر. وفى هذا الإطار يؤكد الكثير من المسئولين الأمريكيين أن واشنطن لم ولن تتدخل فى اختيار الرئيس القادم لمصر، ولن تساعد أو تشارك فى ترجيح كفة اسم مرشح أو فريق على آخر. بل إن بعضهم يضيف أن واشنطن لا تستطيع ذلك حتى إن أرادت. ولكنهم سرعان ما يضيفون أن واشنطن لن تتردد فى بذل كل ما بوسعها لتأمين المصالح الأمريكية المباشرة فى مصر، وعلى رأسها مبنى السفارة الأمريكية، وأمن الجالية الأمريكية كبيرة العدد المتواجدة فى العاصمة المصرية وغيرها من المدن المصرية.
وتطرح واشنطن على زائريها المصريين تساؤلا مبررا عما سيحدث حال انتهاء حكم الرئيس مبارك، خاصة فى ظل عدم وجود نائب للرئيس، وتتلخص الردود المصرية فى نقطتين، الأولى أن هناك مؤسسات ودستورا يحكم هذه المسألة إجرائيا، وهو رد دبلوماسى لا يشفى غليل المسئولين أو الخبراء الأمريكيين المقربين من دوائر صناعة القرار. أكثر ما يهتم هؤلاء بتبيانه من خلال إجابات الزوار المصريين هو ما يفيد بأن الأمور ستبقى تحت السيطرة، وأنه لا يوجد ما يدعو للقلق على استقرار مصر، وهذا ما يريد المسئولون الأمريكيون سماعه والتأكد منه.
ويقول دبلوماسى أمريكى، رفض ذكر اسمه، «لو أن جمال سيحقق الاستقرار لمصر، وسيستطيع خلال الدفع بها نحو مزيد من الاستقرار ومزيد من الديمقراطية، وسيحافظ على دورها فى تحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة، دون أن يواجه بخصومة شديدة تتمثل فى اضطرابات واسعة يتم قمعها بوليسيا، فإن مصلحة الولايات المتحدة هى فى دعمه». ويضيف «الاختيار هو للشعب المصرى، واختيار أمريكا لتقديم الدعم سيبقى مرهونا بتفاعلات الشعب المصرى».