اغضب كما تشاء.. وارفض كما تشاء، لكن لا تحطم أوانى الزهر والمرايا، وإنما انظر فيها جيدا، تأمل حالك، فكر قبل أن تقرر، لأنك فى الأول وفى الآخر لست نعامة دافنة رأسها فى الرمل..
أنت يا صديقى لا تنتمى لهذا الجنس من الطيور، لأنك إنسان كرمه الله بالعقل، وطالبته الشرائع السماوية بأن يستخدمه ويعمله حتى قبل أن يؤمن بما أنزل الله من أديان..
ما مناسبة هذا الكلام الآن؟
أقول لك: من حوالى سنتين قامت الدنيا ولم تقعد على الكاتب أسامة أنور عكاشة بين معترض ومؤيد لموقفه من فكرة القومية العربية، وضرورة مراجعتها ومراجعة أنفسنا لتكون الهوية المصرية بديلا لهذا الشعار القديم المتهالك.. المعترضون رأوا أن العرب والعروبة وبقاء مصر فى أسرهما هو الطريق الصحيح الذى يجب أن نسير فيه حتى النهاية – لا أعرف نهاية مَن - مهما كانت النتائج..
والمؤيدون بدوا لى كما النعام الذى قرر أن يثور على موروثاته التى يمكن اختصارها فى أن يدفن رأسه طول الوقت فى الرمل خجلا، ربما من أفعال لم يرتكبها، لكن هذه طبيعته.. أو بتعبير أدق: هذا ما وجد عليه النعام آباءه وأجداده..
المعترضون والمؤيدون كلهم من المثقفين وأصحاب الفكر الذين يملكون وسائل التعبير عن آرائهم من مساحات فى الصحف وبرامج على الفضائيات..
أما أنت، فلا هلال لك ولا جمل، بعد أن احتفظ بهما الحزب الوطنى رمزين لمرشحيه فى الانتخابات، ووزيرين للتعليم فى الحكومة، وبالتالى لم تشارك بأى شكل من الأشكال فى هذا الحوار المصيرى المهم، برغم أن هذا حقك بما أنك صاحب البلد الحقيقى، ولذلك فكرت أن أطرح عليك الأمر لتحاول بدورك أن تخرج رأسك من الرمل، وتتنفس بعمق وحرية، وتفكر فى حالك وحال أبناء جنسك من النعام الذى لم يعد له ريش ولا بيض..
ثم فجأة فعل الجزائريون ما فعلوا فى مباراة منتخبهم أمام منتخب مصر على أرض السودان..
شوية قطاع طرق وبلطجية وكلاب سكك لاتزال تنبح حتى الآن.. ويصل صوت نباحها إلى العالم عبر قنوات بعضها عربى، هدفها الوحيد أن تشطب اسم مصر من كتاب التاريخ.. فى هذه اللحظة التاريخية المهمة اتفق المعارضون مع المؤيدين وصنعوا لأول مرة منذ زمن طويل نسيجا واحدا بلون علم مصر، جميل جدا.. ولكن: فى رأى حضرتك إلى أى مدى سوف تستمر هذه الروح ؟
إلى أى مدى سنصمد حتى يخرج من بيننا من يتكلم من جديد عن العرب والعروبة ووطنى حبيبى الوطن الأكبر؟
ونتكلم بصراحة..
فالمواطن المصرى غريب فى كل بلد عربى يذهب إليه، مضطهد فى كل بلد عربى يذهب إليه، بل مكروه فى كل بلد عربى يذهب إليه، ينظرون له على أنه الأجير الذى اشتروه بثمن بخس دراهم معدودة.. وبعد أن كان مدرسا وطبيبا وعالما.. أصبح سائقا أو طباخا أو "لامؤاخذة خدّامة"
والمعنى أنه أصبح رخيصا.. أليس كذلك؟!
وفى أى بلد عربى لو سألتك أنت مصرى تقولى إيه؟
طبعا حتقولى أيوه مصرى وأبويا مصرى وملعون أبو الفقر إللى حوجنى وغربنى.. أليس كذلك؟!
وفى المقابل وبعيدا عن التصريحات الرسمية والكلمات المحفوظة التى يرددها البعض على هواء الفضائيات لا نرى ـ نحن المصريين ـ فى كثير من العرب نموذجا ولا قدوة، ولا نشعر بأنهم يشكلون لنا ظهرا نستند إليه فى وقت الشدة، بل ظللنا نردد بسخرية غبية وغير واعية الجملة الشهيرة التى تقول: إنهم سيحاربون حتى آخر جندى مصرى.. أليس كذلك؟!
أنا – يا جماعة – لا أتكلم فى السياسة، ولا أحكى عن المؤتمرات التى ينظمها
(الأشقاء) فى قطر وغيرها للنيل من سمعة مصر.. وإنما أتكلم عن أمور بسيطة تضايقنى أنا شخصيا، يعنى مثلا لما المنتخب، أو أى فريق مصرى يلاعب فريقا عربيا فى بطولة أفريقية أو دولية، يزعجنى جدا أن أجد معلقا متفزلكا يقول: مش مهم مين يكسب.. المهم إن إللى حيوصل للمباراة النهائية أو يفوز بالبطولة فريق عربى!!
يا سلام.. لأ طبعا، مهم بالنسبة لى ولك ولكل مصرى ان مصر هى التى تكسب، وتوصل، وتعلى، على الأقل لكى لا يتعرض المصريون المغتربون فى البلد العربى الذى فاز للذل والبهدلة التى يتعرضون لها الآن من كلاب السكك!!
أيضا يضايقنى ويؤسفنى ويحزننى ما تتعرض له جماعة (الإخوان المصريين) من بعض العرب، سواء المقيمون فى مصر مثل أسرة الأمير ترك، أو القادمون للسياحة فيها، متصورين أنها عزبة أهاليهم وأن المصريين عبيد مناكيد.. وأظن أنه يضايقك أيضا.. أليس كذلك؟!
طيب وبعدين؟!
أقول لك دون أن أطيل عليك: إنها فرصة مهمة لفتح ملف شائك، فرصة لاحتضان ثورة النعام، وحمايتها، وتأمينها، ومساعدة باقى أفراده على أن يخرجوا رؤوسهم من رمل القومية، ليشربوا من ماء النيل، فرصة لعودة الوعى والروح والانتماء، فرصة لأن نسمع أغنية سيد درويش (أنا المصرى كريم العنصرين) ونفهم معانيها..
فرصة أرجو ألا نضيعها، ولهذا أدعوك لتشارك برأيك، فيما يشبه الاستفتاء، وممكن ندعو خبراء ومثقفين ومحللين وسياسيين لمناقشة نتائجه، وما تحمله من دلالات ومعان، أؤكد أنها ستكون مهمة.
وفى كل الأحوال.. وأيا كانت النتائج، هى فرصة سعيدة جدا، حتى لو كانت متأخرة جدا.. المهم أن تبدأ الآن وفورا، امسك القلم واكتب رأيك أو ابعت رسالة بريد إلكترونى وتعال نتكلم!!