لن يتحمل الشعب ما هو فوق طاقته وقدرته.. الكرامة المصرية التى أصبحت حديث الدولة المصرية الآن تفتقد أهم حلقة فى دائرتها وهى حلقة محظورة على الحملة الإعلامية «الموجهة» التى تبحث عن كرامة المواطن المصرى المفقودة ولن تعثر عليها وتعيدها إلا بانضمام هذه الحلقة المحظورة إلى بقية الحلقات..
لن يستردها الشعب بذراع «مبتورة» لا قدرة لها على أن تمتد لتنتزع شيئا يخصها ومن حقها.. المواطن الذى يخاف من زائر عربى أو أجنبى ويتنازل له عن حقوقه الإنسانية عندما يراه يتمتع بحماية لا يتمتع بها المواطن الذى يظن الآن أنه غريب فى بيته ومغترب فى وطنه.. لن يستطيع أن يستردها وهو يرى العرب والأجانب أحرارا فى الخطأ ولا يستطيع هو أن يرد عن نفسه الضرر.. لماذا؟.. لأن الكبار ارتبطوا بمصالح خاصة مع الشيوخ والأمراء وأثرياء العالم العربى، وليسوا على استعداد للتضحية بها من أجل كرامة المواطن المصرى.. وتذكروا ما فعله ويفعله الحرس الخاص للأمراء والشيوخ بمواطنين مصريين ولا يتحرك أحد للدفاع الشرعى عنهم أو مجرد التحقيق لمعرفة المخطئ، حتى لو اعتبرنا أن المصريين والأجانب سواسية وهم على الأرض المصرية..
كرامة المصريين المنتهكة لن تستردها استوديوهات التليفزيون ولا المداخلات الهاتفية ولا الغضب العارم الذى أصبح فى ثقافاتنا هدفا، وليس وسيلة لانتزاع الحقوق واستعادة الكرامة.. بل يستردها وعى الناس بالمتسببين الحقيقيين فى إهدارها.. الكرامة تعود إلى الشعب بعد أن يستردها أولا كبار هذا الشعب.. ولو أن سمير زاهر يقف على أرض صلبة أمام اتهامات محمد روراوة «مهندس» الإيقاع بالمنتخب الوطنى، لما فكر فى تقبيل رأسه ولما تجرأ روراوة أمام عدسات التليفزيون على إهانته وهو رمز للكرة المصرية.. ولو أننا نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلا وكيف تحالف اتحاد الكرة المصرى مع اتحاد الجزائر لقهر حسام وإبراهيم حسن ومطاردتهما بالعقوبات وتشويه صورتهما أمام الرأى العام، ونحن قد تأكدنا الآن أن التوأم كانا يدافعان عن كرامتهما التى هى من كرامة المصريين ولكن كانت الصورة مقلوبة وقتها أمامنا ولم ندرك أن المصالح كانت أقوى من الكرامة وهو المعنى نفسه الذى استخدمه روراوة بعد مباراة القاهرة والتى أوحت بجلاء بما فى بطن أصحاب المصالح من أسرار لم تتكشف جميعها حتى الآن.
الكرامة لن تعود بأوامر عليا لوسائل الإعلام بأن تشفى غليل المصريين بالكلام.. لأن هذه الأوامر سوف تتغير قريبا لتسير فى الاتجاه المعاكس ليصبح الكلام مدهونا بزبدة الروابط والتاريخ والعقلانية.. سوف نحرص اليوم على الاهتمام بالعلاقات الأخوية وكنا نلفظها بالأمس.. سوف تنجح وسائل الإعلام بامتياز فى إقناع الشعب بالشىء ونقيضه، سوف نقبل ما قاله خطباء المساجد يوم الجمعة الماضى عن «مهرجان» الإيمان الذى كان أولى وأنفع فى أيام الحج من مهرجان التفرقة بين الشعوب الإسلامية بسبب مباراة.. سوف ينجح الإعلام «الموجه دائما» فى إقناع الرأى العام بما سمعوه فى صلاة الجمعة وخطأ ما كانوا يسمعونه من السبت إلى الخميس.. رغم أن مهرجان الإيمان موجود فى وجدان كل أطراف «كابوس» يوم 18 نوفمبر.. موجود فى مصر والجزائر والسودان.. وليس له علاقة بحقوق يجب البحث عنها وعلاقات «سوية» بين شعوب من المفترض أنها مترابطة دينيا وثقافيا.. هناك حقوق وواجبات تفرضها حياة المسلمين وعلاقتهم ببعضهم البعض وإهدارها هو إهدار لمهرجان الإيمان..
لن يكون من الإسلام أن يمر المخطئ بخطئه وألا يبحث المظلوم عن حقه.. ولكم فى الحياة قصاص يا أولى الألباب.. قاعدة الإيمان أن يستقيم العدل والاعتدال..
والعدل فى «كابوس «18 نوفمبر.. أن نبحث عن كرامة ضائعة.. ولكن قبلها نحاسب أنفسنا.. نحاسب اتحاد الكرة الذى يدير أولا مصالحه، ثم يدير اللعبة فى أوقات الفراغ، لابد أن تحاسبه الدولة وتسأله لماذا لم ينبهها إلى ملامح هذا الكابوس فتتصرف، وبموضوعية شديدة يصعب على قيادات سياسية أن تتخيل كل تفاصيل حدث رياضى بملحقاته الحساسة وهى التى تنظر إلى الرياضة من الشرفة لتتفرج عليها، أو حتى تستخدمها لأغراض أخرى.. القادر على التخيل وقراءة المشهد جيدا هو اتحاد الكرة، وكان يجب أن يطلب المساعدة الأمنية لا أن ينشغل بزفة جماهيرية ذهبت وكأنها تحضر مهرجانا سينمائيا.. لماذا ذهبت كل هذه القيادات الرياضية وهى لم تصنع شيئا مفيدا.. هل كان كل دورها أن تلقى محاضرات حماسية على اللاعبين وهم لا يحتاجون ذلك لأنهم يشعرون جيدا بالأجواء الخاصة بالمباراة.
ها هو التأهل ضاع فى السودان.. وفجأة اكتشفنا أن لنا كرامة رغم أنها ضايعة من زمان.
وخلص الكلام بعد فوات الاوان ودة اخر مقال