عقب أيام قليلة من إحياء حركة حماس، ذكري تأسيسها (الحادية والعشرين)، بدأ الكيان الصهيوني مجزرته الدموية، في رسالة واضحة استهدفت قطاع غزة وسكانه، إلي جانب كونها رسالة لحركة حماس، ومع تصاعد الأحداث وارتفاع الشهداء والجرحي، اكتشف الجميع أن الصوت الفلسطيني الرسمي غائب (علي الساحتين الإقليمية والدولية)، بينما الجهود العربية انخفض سقفها، لدرجة أن تركيا أصبحت الملاذ (الوحيد) لكل الأطراف،علٌ تدخلها يوقف عملية الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني.. وإذا كان السؤال عمن يحمل لواء القضية الفلسطينية قد تبدي بقوة عقب وفاة الرئيس ياسر عرفات (خريف 2004)، إلا أنه زاد منذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية (يناير 2006)، واستيلاء
</TD></TR>
<tr><td vAlign=top align=right>
الحركة علي قطاع غزة (يونيو 2007)، حيث تعقدت وتشابكت الأحداث والمواقف، وزادت حالة التناقض والانقسام الداخلي، وسط تردد عملية إصلاح السلطة ومؤسساتها، وتغييب واضح لدور منظمة التحرير الفلسطينية! مما لا شك فيه أن النزاع السياسي الداخلي (علي السلطة)، انعكس علي بنيان منظمة التحرير الفلسطينية، التي أسهم تغييب دورها في فشل جولات الحوار الوطني في محطاته المختلفة (من وإلي القاهرة، مرورا بمكة وصنعاء)، الأمر الذي يرجعه مراقبون إلي تمسك حماس بإزاحة المنظمة وتفكيكها، ورفضها لأن تكون مرجعية للسلطة، ودعوتها لإيجاد إطار بديل (تنظيمي ومرجعي وسياسي) للشعب الفلسطيني! ويري هذا الرأي أن مساعي الحركة تستهدف (عبر مشروعها البديل) ضم الحركات الإسلامية الفلسطينية إلي بنية المنظمة، وأن تصوغ ميثاقا جديدا لها، في مقابل التمثيل الفاعل للحركات العلمانية (علي حد وصف حماس)، ويرصد الدكتور عبد العليم محمد (الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام) ثلاث استراتيجيات، أعدتها حركة 'حماس' منذ بروز دورها علي الساحة الفلسطينية للتعامل مع منظمة التحرير: (1) دخول المنظمة ووراثة حركة 'فتح' في قيادتها، والعمل علي تغييرها من الداخل، وتطويعها لفكر وفلسفة حماس، (2) إنشاء وإيجاد بديل جديد للمنظمة، (3) البقاء خارجها مع استمرار الشد والجذب والجدل حول الشرعية والمرجعية. بدوره لا يزال التناقض بين فتح وحماس يسهم في حدة الأزمة السياسية، خاصة أن كلتا الحركتين تقدم برنامجا مختلفا، ففيما تستند 'فتح' إلي خيار التسوية، تتمسك 'حماس' بمشروعها المقاوم، وفي ظل تمسك كلتيهما برؤيتها الخاصة، وتفسيرها للقوانين المعمول بها في الاراضي الفلسطينية، حول الشرعية السياسية، تتبدي أهمية المأزق الذي يعيشه المشهد السياسي الفلسطيني حاليا، حيث تصر 'حماس' علي إعلان أحمد بحر (رئيس المجلس التشريعي بالإنابة) رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية، وإجراء انتخابات رئاسية (فقط)، عقب التاسع من يناير الجاري. وتستند حماس إلي أن القانون الأساسي (الدستور) ذكر في المادة '36' أن مدة ولاية رئيس السلطة الوطنية أربع سنوات، بما يعني انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس، الذي يصر بدوره علي الدعوة إلي انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة (علمت 'الأسبوع' أنها قد تكون في أبريل المقبل)، اعتمادا علي نص المادة الثانية من قانون الانتخابات الفلسطيني (تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية كل أربع سنوات). والواقع أن ما تشهده الساحة السياسية الفلسطينية، يعكس نوعا من التشوه، ويكفي إلقاء نظرة علي النظام السياسي الفلسطيني (قبل وبعد توقيع اتفاقية أوسلو) للوقوف علي أهمية وجود مرجعية للشعب الفلسطيني، علي الأقل في الفترة الممتدة ما بين إنشاء جامعة الدول العربية، ثم منظمة التحرير الفلسطينية. لكن ذاكرة الأحداث تؤكد أن هذا الاهتمام تم الانقلاب عليه عند تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية (بموجب اتفاق 'أوسلو' عام 1993)، إذ تم الاعتداء علي صلاحيات المنظمة، رغم تأكيد قادة السلطة وجود فروق جوهرية بين السلطة والمنظمة. من جانبها ظلت حماس متحجرة أمام أي موقف يعارض رؤيتها المطالبة بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية علي أسس جديدة، دون أن تبدي أي تنازلات سياسية، كتلك التي أبدتها الحركة للبقاء في السلطة، وتواجه رؤية حماس بخصوص إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية رفضا قاطعا، ويلعب خصومها علي التناقضات التي تعانيها الحركة في السلطة، ويطالبونها أولا بعلاج هذه التناقضات، لاسيما:(أولا) الخلافات مع خصومها السياسيين (خصوصا في رئاسة السلطة وفتح)، ونيل رضا الأطراف العربية والدولية، (وثانيا) إشكالية الجمع بين خطي السلطة والمقاومة، (وثالثا) عدم توفر أجواء محلية مستعدة لإشعال انتفاضة جديدة، وضرورة التعامل بواقعية مع الخيارات السياسية الحالية. علي أن هناك رأيين داخل حماس (القيادة السياسية.. المكتب السياسي)، أحدهما يؤكد أن الحركة لم تنجح في تقدير حجم التكاليف المحتملة وحجم الخصومة والعداء مع القوي والفصائل في الداخل الفلسطيني، فضلا عن الضغوط الإقليمية والدولية وهؤلاء يرون ضرورة بقاء حماس حركة مقاومة، والتخلي عن السلطة لأنها: (1) باستمرار المشاركة في سلطة تحت مظلة اتفاق 'أوسلو' سوف تنتقل تدريجيا من زمن الدعوة (الواجب الشرعي والوطني) لزمن الدولة (السلطة)، وهي مرحلة تحترق عندها المبادئ لصالح حسابات سياسية (2) أن هذه المشاركة يترتب عليها خطاب انهزامي، يدعو للاعتراف بالكيان الصهيوني والالتزام بالاتفاقات الموقعة معه، كما يدفع لاختلاط (وتناقض) المواقف، وتغيير الخطاب السياسي، (3) وجود حماس في السلطة يتطلب حسابات مختلفة، في التوافق والائتلاف مع كل الأطراف محليا واقليميا ودوليا. في المقابل هناك رأي آخر، يري أن حركة حماس حققت قفزات هائلة منذ مطلع عام 2006 بفوزها الكبير بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وأن هذه القفزات إذا كانت قد حملت قدرا من المخاطر السياسية، إلا أنها حققت للحركة (إلي جانب شرعيتها الثورية) شرعية شعبية ودستورية، وساهم فوزها في وقف الانزلاق الحاد في مسار التسوية، وقطع الطريق علي 'فريق أوسلو' الذي كان ينتظر أخذ شرعية شعبية، للمضي في نزع أسلحة المقاومة وعزل تياراتها والدخول في مفاوضات التسوية النهائية، ومن ثم، يجب التمسك بالسلطة، ل (1) عدم التنازل عن مكتسبات الحركة التي تحققت بفوزها في الانتخابات التشريعية، وممارسة حقها الديمقراطي في الحكم، (2) أن النتائج المترتبة علي محاولات إفشالها وإسقاط حكومتها أكبر بكثير مما ستواجهه في أثناء حكمها، وأن شرعيتها في السلطة، تمثل مصدر حماية، . مع تعدد الحلول والمبادرات لبناء جبهة وطنية فلسطينية قوية، يبدو أن القاسم المشترك بين الحلول المطروحة ضرورة: مبادرة حماس بتسليم مقرات السلطة في غزة إلي طرف عربي ضامن، والعمل علي إعادة صياغة وتشكيل المؤسسة الأمنية الفلسطينية، وبناء العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية علي أسس مهنية سليمة، إلي جانب الشروع في حوار جدي يشمل كافة الفصائل الفلسطينية لإرساء قواعد وطنية تصون وحدة الشعب والوطن والعمل بأسرع وقت علي تشكيل حكومة انتقالية، يعقبها توافق وطني بشأن إجراء انتخابات عامة مبكرة رئاسية وتشريعية بعد عام من تشكيلها، وتفعيل ملف الشراكة السياسية الحقيقية والمباشرة بخطوات ملموسة لانخراط حماس في منظمة التحرير والعمل علي إعادة تفعيلها، حتي يجد الشعب الفلسطيني من يتحدث باسمه!