الآن لم تعد القنوات المصرية الخاصة بردا وسلاما على وزير الإعلام المصرى.. الآن أصبحت مصالح صوت القاهرة وقياداتها أعز وأغلى على قلب أنس الفقى من القنوات المصرية الخاصة.. الآن خلق وزير الإعلام لنفسه حفنة من الوكالات الإعلانية الخاصة يقاسمها التربيطات ويجعل منها شريكا استراتيجيا للمال العام، عاصفا بكل صوت رقابى فى ساحة الرأى العام أو تحت قبة البرلمان.. تحولت الفضائيات المصرية الخاصة إلى خصم ومنافس، بل وعدو يجب سحقه نهائيا فى صراعات كعكة الإعلانات التى يحتكرها أصدقاء الوزير وحلفاؤه فى معركة القضاء على الفضائيات الخاصة، صارت قنوات الحياة ودريم ومودرن سبورت خصما فى ساحة للقتال فى معركة غير متكافئة مع الوزير الذى يسيطر على كل شىء، ويستخدم فى خصومته كل أنواع الأسلحة.
الحياة ومودرن ودريم قدمت مبادرة مبتكرة ومبهجة ومبدعة فى ضم البث الخاص للقنوات الثلاث للتوحد تحت علم مصر، دون النظر إلى المنافسة على كعكة إعلانية أو على شريحة من المشاهدة، فالحدث كان أكبر من ذلك، ومساندة منتخبنا الوطنى وإمتاع جماهير مصر احتل أولوية أكبر لدى هذه القنوات الثلاث، لكن الوزير هجر هذه الأولويات وتفرغ لاستغلال الحدث على طريقته الخاصة للبرهنة على قوته التى لا تقهر، وسطوته التى لا تنتهى، ومكانته السيادية والإعلانية التى تعلو على الجميع.
الوزير كشر عن أنيابه فى وجه قنوات مصر الخاصة.. أسقط الوزير من ضميره عمدا أن هذه القنوات المصرية كان سيفها يعمل لصالح هذا البلد لا ضده وضد أبنائه وضد سمعته فى الداخل والخارج.. وسقط من عقل السيد الوزير عمدا أن القنوات الخاصة هى التى استعادت وحدها وبإرادتها وبجهدها وبالروح الوطنية لإعلامييها وصناعها نفوذ مصر على الساحة الإعلامية العربية، بعد أن كانت أقدام السيد الوزير تتخبط ويداه ترتعشان من تأثير شبكة الجزيرة على نفوذ الإعلام المصرى على الساحة العربية.
استبدل الوزير ما هو أدنى بما هو خير.. فأظهر تساهلا عندما طلبت قناة الجزيرة وسائر القنوات القطرية (قناتا الكأس والدورى) الحصول على الإشارة فى حين تصلب وتعسف مع القنوات المصرية، صحيح أن الجزيرة تراجعت عن بث المباراة فى اللحظات الأخيرة لكنها استثمرت أجواء المبارة بصورة مختلفة حين بدأت منذ اللحظة الأولى فى استعداء الشارع الجزائرى على الشعب المصرى بالتسخين المبالغ فيه لواقعة أوتوبيس المنتخب الوطنى الجزائرى، وبالسعى (الحصرى) لإثارة البغضاء بين الجانبين فى الوقت الذى جاهدت فيه القنوات المصرية الخاصة فى تهدئة الأجواء المحتقنة وتعزيز وعى الجماهير بخطورة التطرف فى التشجيع لقطع الطريق على الجزائريين قبل أن ينتصروا فى المعركة بلا مباراة من الأساس، وبدلا من قيام وزير الإعلام بتوحيد الجهد الإعلامى المصرى للرد على ما يجرى، راح يطارد القنوات الخاصة ويفرض عليها شروطا تعجيزية فى البث لصالح الوكالات الإعلانية التى يعرف الوزير أنها تدير منظومة الإعلام المصرى لمصالحها أولا قبل مصلحة التليفزيون المصرى.
كانت قناة الجزيرة تعمل على تسييس المباراة واستفزاز الشارع وإدانة الجمهور المصرى والتشكيك فى قدرتنا على تأمين اللاعبين الجزائريين، بل واتهمت الجزيرة الإعلام الحكومى المصرى، الذى يترأسه الفقى بالصدفة، بتلفيق صور قيام اللاعبين الجزائريين بتحطيم الأوتوبيس، وتصوير الجماهير المصرية فى صورة المعتدى فى معالجة مستفزة وغير مهنية وغير أخلاقية لهذا الحدث الكبير، لكن السيد الوزير، الذى أدمن الارتجاف والتراجع فى مواجهة الجزيرة، تحول إلى شخصية وادعة ومتسامحة مع ما جرى، وطلب من الحكومية تجاهل هذا العدوان على سمعتنا وسمعة جماهيرنا المصرية، وفى المقابل قرر افتعال معركة داخلية مع القنوات الخاصة معتبرا نفسه الخصم والحكم فى آن واحد، ومعلنا سطوته على إشارة البث ليحرم ملايين المصريين من متعة هذه المباراة، ويحرم منافسيه المحليين من إسعاد الناس بما يقدمونه من معالجات رياضية تكسر ملل الأداء التليفزيونى المصرى، وتقدم منطقا مختلفا فى خدمة الناس.
وبدلا من الاحتفاظ بمكانته كرجل يتوج بموقعه منظومة كاملة من الإعلام الرسمى والخاص معا.. وبدلا من إدارة هذه التجربة بروح السياسى الذى يوحد بين الجميع، ويفصل فى المنازعات..
وبدلا من أن يضم لقوته فى التغطية قوة القنوات الخاصة لتأكيد روح وحدة الصف التى عاشها المصريون خلال هذه المباراة فى كل ربوع مصر.. فضل أن يجعل من نفسه عدوا للناس وعدوا لهذه القنوات وسخر جهده وجهد العاملين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى مطاردة حقوق البث، والعمل كمخبرين فى الشوارع لمراقبة الكاميرات وتحرير المحاضر فى المصنفات الفنية ضد الفضائيات المصرية.
أطاح الوزير بكل شىء، وبكل القيم المهنية والسياسية، حتى تلك القيم التى دعا إليها الرئيس مبارك فى علاقته مع القنوات الخاصة، وحتى تلك القواعد التى تبناها الحزب الوطنى نفسه فى مؤتمره الأخير، كان الحزب يدعو قناة المحور لتكون الناقل الرسمى لوقائع المؤتمر، وبادرت المحور عن قناعة مهنية بهذا العمل، ثم جاء الوزير ليعصف بكل هذا الجهد، وكل تلك القيم وقرر فجأة أن يتحول (عمدا) إلى وزير إعلام شيوعى فى دولة شيوعية معلنا الحرب على التليفزيونات الخاصة!!
يعرف الوزير، ويعرف كل أطراف هذا المشهد أن مصلحة مصر ومصلحة اتحاد الإذاعة والتليفزيون هى آخر ما يمكن استخدامه هنا للدفاع عن هذا الموقف المتعسف، الوزير يعرف أن الناس تعرف أن المصلحة هنا ليست للمحطات المصرية ولا للدولة المصرية، لكن التربيطات الإعلانية داخل وخارج صوت القاهرة (الوكيل الحصرى لإعلانات التليفزيون المصرى) هى السبب الأول فى الحرب على القنوات الخاصة.
لا يستطيع الوزير هنا خداع الناس بمزاعم حول الحقوق السيادية للبث، أو المصلحة العليا للتليفزيون الرسمى لأن كل من حوله من هؤلاء الذين سينظر فى أعينهم وهو يردد هذه المزاعم يعرفون أن هذه المصلحة هى آخر ما يفكر فيه الوزير، ويعرفون حجم الارتباطات والتربيطات، يعرف الوزير ويعرف الجميع من ذا الذى يدير صوت القاهرة، وما هى ارتباطاته الأخرى مع الوكالات الإعلانية الخاصة، وما هى مصالحه معها، وما هى الوكالات الأولى بالرعاية داخل صوت القاهرة؟
يعرف الوزير، ويعرف من هم حوله، أنه بهذا المنهج يحول هذا الكيان العملاق المتمثل فى وزارة الإعلام إلى (دكان خاص) يدار لمصالح محدودة من قبل الأطراف المسيطرة على صوت القاهرة، ويعرف الوزير أنه بهذا التعسف يحطم (عن عمد) مسيرة كبيرة من تطور الإعلام المصرى الذى أصبحت القنوات الفضائية الخاصة حاملة الراية الأولى فى تألقه وإزدهاره، ويعرف الوزير أنه بهذا الفكر المتصلب والمتحجر يعطل حركة نمو إعلامية خلاقة، يعتبرها الحزب الوطنى الذى ينتمى إليه السيد الوزير أنها (إنجاز رسمى للرئيس مبارك) من زوايا حرية الرأى والتعبير وحرية المنافسة.
الوزير يطيح بهذا الإنجاز، ويطيح بفكر القطاع الخاص، ويطيح بمصلحة مصر إعلاميا، ويوشك على السقوط تحت طائلة قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار.. الوزير يطلق النار على أطرافه.. وعلى اليد التى تحمل السيف إعلاميا من أجل مصر لا على حساب مصر.. إلا إن كان الوزير قد قرر طوعا أيضا أن يعمل ضد مصلحة مصر..
قرر الوزير أن يسقط فى شبهات الاحتكار متجاهلا النقد اللاذع الذى تعرض له داخل البرلمان المصرى وعلى لسان أحد أهم نواب الحزب الوطنى على الإطلاق وهو الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية الذى انتقد فى افتتاح الدورة البرلمانية حالة البذخ فى الإنتاج بلا مبرر وأبدى ملاحظات جادة وواقعية حول الأداء الرسمى للإعلام المصرى فى مناسبات مختلفة، وبدلا من مواجهة أنس الفقى لهذه الأسئلة البرلمانية للدكتور زكريا فى مكانها المناسب تحت قبة البرلمان، راح يبرر قراراته ويدافع عن نفسه أمام كاميرات التليفزيون (الذى يديره بنفسه) خلال افتتاح مهرجان الإعلام العربى، مستعليا على البرلمان ومستعصيا على الأسئلة!
الآن يدير الوزير ظهره لهذا الجهد الرقابى ويفتعل معركة جديدة كانت آخر ما تنتظره مصر فى هذه الحالة التى توحد فيها الجميع تحت علم مصر.. وتوحدت فيها القنوات الخاصة لإذكاء هذه الروح الوطنية الخلابة.. الوزير قطع الطريق على كل ذلك.. وقرر أن ينفرد بهذه السطوة السيادية على عكس كل المبادئ التى تعلنها الدولة ويعلنها الحزب ويعلنها الرئيس شخصيا.
لا يجوز أن تمارس وزارة الإعلام هذا الأداء الاحتكارى إلى الأبد.. كما لا يجوز أن تصمت الألسنة الرقابية عن التفتيش فى الأسباب الحقيقية والتربيطات الخاصة لوزارة الإعلام مع الوكالات الإعلانية الخاصة.. ولا يجوز أن تتحول هذه الوزارة من راعية للجميع إلى قاطع طريق يحتكر القوة ويمنع المنافسة ويدير بالأهواء الخاصة.
الإدارة الإعلامية فى مصر برمتها تحتاج إلى جهد رقابى من البرلمان بعد هذه الواقعة الخطرة من حرمان الفضائيات المصرية من المشاركة فى هذا الحدث الكبير.. ووزارة الإعلام بكاملها وعلى رأسها السيد الوزير يجب أن تخضع للمساءلة داخل البرلمان أو عبر الأجهزة الرقابية المصرية.. فلا ينبغى أن تذهب أسئلة الدكتور زكريا عزمى إلى أرشيف مجلس الشعب بلا محاسبة.. ولا يجوز أن تمضى هذه الواقعة الاحتكارية ضد الفضائيات المصرية بلا تحقيق.