سبق صحفى
عدد الرسائل : 2092 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 13/02/2009
| موضوع: بمناسبة ضريبة العقارات المبنية الأحد 27 ديسمبر 2009 - 0:38 | |
| آثار البدء في تطبيق قانون ضريبة العقارات المبنية الجديد( رقم196 لسنة2008) العديد من ردود الفعل علي صفحات الجرائد وذلك بمناسبة مطالبة وزارة المالية ملاك العقارات بتقديم إقرارات بالعقارات المملوكة لهم قبل نهاية شهر ديسمبر الحالي. | وأبدي العديد من القراء شكواهم عن عدم وجود نماذج الاقرارات لدي مصلحة الضرائب حتي بداية نفس الشهر, كما أبدي بعض الكتاب الصحفيين دهشتهم من عدم الإعداد الكافي للتعامل مع أعداد قد تبلغ مايقرب من ثلاثين مليون ممول في هذه الفترة القصيرة, مع احتمال فرض غرامات علي المتخلفين عن ذلك والذين يقدرون بعشرات الملايين, وماقد يفرضه ذلك من أعباء علي المواطنين ومن صعوبات إدارية علي القائمين بهذا العمل في وزارة المالية. وأقر للإنصاف, بأنني ـ شخصيا ـ قد استخرجت هذه النماذج من موقع وزارة المالية علي الانترنت في منتصف هذا الشهر, وإن كنت لا أدري لمن أقدمها ـ حيث أقيم في الخارج ـ فهل ارسلها الي القنصلية المصرية ؟ أم ماذا ؟( بعد كتابة هذا المقال وقبل النشر مد وزير المالية فترة تقديم الإقرارات لثلاثة أشهر). وليس القصد من هذا المقال الاشارة الي حالتي الخاصة, بقدر ما أريد أن أتعرض لموضوع الثروة العقارية من خلال نظرة عامة للتنمية الاقتصادية الشاملة. لعل أحد أهم الاسهامات في نظريات التنمية الاقتصادية للدول النامية خلال نصف القرن المنصرم جاءت علي أيدي الاقتصادي دي سوتوDesoto من بيرو في أمريكا اللاتينية, حين أصدر كتابه عن أسرار رأس المالTheMysteryofcapital والذي حاول فيه تفسير أسباب نجاح الرأسمالية في دول الغرب ـ بعكس دول العالم الثالث ـ وذلك لقدرتها علي إدماج كل الثروات في الحياة الاقتصادية. وتتلخص الفكرة الأساسية للمفكر اللاتيني في أن مشكلة الدول النامية والتي تتركز في فقرها, إنما ترجع ـ الي حد بعيد ـ الي تجاهلها لمصدر مهم للثروة القومية الموجودة تحت تصرفها وانها لم تنجح في وضعها في خدمة التنمية حيث ظلت خارج دائرة التعامل الاقتصادي. وقد أدي ذلك الي حرمان اقتصادات هذه الدول من الإفادة من ثروة هائلة كان يمكن ان تدفع التنمية الاقتصادية قدما. وهذه الثروة المهملة ـ في نظر دي سوتو ـ هي الثروة العقارية المملوكة للطبقات الفقيرة من أفراد الشعب, فمهما بلغ مستوي الفقر للشعوب, فإن الغالبية الكبري منهم يعيشون في مساكن ـ غالبا متواضعة ـ ولكنها في أي الأحوال تمثل في مجموعها ثروة هائلة. وبالنظر الي ضعف النظام القانوني للملكية تظل هذه الثروة نائمة ومعطلة بعيدة عن دائرة التعامل الاقتصادي. ومن هنا فإن عملية التنمية تبدأ ـ عند دي سوتو ـ بالاعتراف بالملكية العقارية للمباني والمساكن الشعبية, وتنظيمها وتسجيلها وإحاطتها بكل أنواع الحماية القانونية بما يساعد علي التصرف فيها بسهولة وكفاءة. وبذلك تتحول هذه الملكيات الي نوع من الثروة الاقتصادية القادرة علي المساهمة في الحياة الاقتصادية وتحريكها. وأشار دي سوتو الي أن ذلك يوفر لأصحاب هذه الملكيات مصدرا مناسبا للحصول علي التمويل اللازم من البنوك وبما يتيح للعناصر الديناميكية منهم الدخول الي معترك الحياة الاقتصادية والقيام بالعديد من الأنشطة النافعة والاعتماد علي النفس. ومن هنا فإن عملية التنمية تحتاج ـ عند دي سوتو ـ الي إدماج أكبر عدد ممكن من الطبقات الفقيرة في دائرة النشاط الاقتصادي استنادا الي ملكيتهم لهذه الثروة العقارية القائمة والخاملة. وكل هذا يتطلب القيام بثورة تشريعية لتوفير الحماية القانونية الكافية لهذه الملكيات العشوائية, والاعتراف بها وتنظيمها, وضمان تسجيلها في الشهر العقاري, وتسهيل التعامل بها والاقتراض بضمانها, وإصلاح النظام القضائي لتوفير الحماية الكاملة والسريعة للمنازعات حولها. وبذلك تصبح الثروة العقارية جزءا من النشاط الاقتصادي وتعطي دفعة مهمة للدورة الاقتصادية. ونظرية دي سوتو علي هذا النحو لا تعدو أن تكون تطويرا وتطبيقا للأفكار التي نادي بها الاقتصادي الأمريكي دوجلاس نورث الحائز علي جائزة نوبل, بأن ظهور مفهوم الملكية والحقوق العينية كان أحد أسباب التقدم الاقتصادي للمجتمعات البشرية. وكانت الحكومة المصرية قد استضافت ـ فيمن استدعت من الخبراء الأجانب ـ الأستاذ دي سوتو, وأعتقد أنه لابد وأن قدم أفكاره للمسئولين عن ضرورة تنظيم الملكيات العقارية وتحديد حقوق الملاك وحمايتها مع توفير المرونة الكافية لإمكان إدماج هذه الثروة في الاقتصاد الوطني. ولا يبدو أن نصائح السيد سوتو قد أسفرت عن شيء ملموس في الارتقاء بأوضاع الملكيات العقارية, فما زال الحديث دائرا منذ سنين حول المناطق العشوائية, وهي ليست فقط عشوائية في أساليب البناء وانعدام أو نقص خدمات البنية الأساسية اللازمة للحياة من مياه وصرف وكهرباء, ولكن ينقصها في الغالب وضوح في حقوق الملكية لأصحابها. فهذه الأبنية هي عقارات بلا سندات للملكية وبلا تسجيل, والأراضي القائمة عليها هي غالبا محل نزاع. وبذلك تظل هذه المساكن العشوائية مجرد كتل من الأسمنت والطوب الأحمر بلا قيمة سوقية معروفة, ولا يحكمها قانون واضح للملكية, فهي في الغالب عقارات خارج القانون, وبالتالي, خارج الاقتصاد أيضا. وهكذا تهدر الدولة أحد أهم مقومات الثروة القومية بالنظر الي قصور التنظيم القانوني والإداري والقضائي للملكيات العشوائية. وليس الأمرمقصورا علي المناطق العشوائية بل ان كثيرا من المباني الحديثة في المناطق الجديدة خاصة في العديد من المنتجعات السياحية لاتزال غير واضحة الملكية. وقد كان توزيع أراضي الدولة علي معظم هذه المنتجعات مصدرا للعديد من الثروات التي تكونت من خلال المضاربة. والكثير من هذه المنتجعات أقيم بمعرفة شركات أو جمعيات تعاونية أو هيئات حكومية وتباع للأفراد بعقود غير مسجلة, بحيث إن ملكية معظم المباني في هذه المنتجعات غير واضحة من الناحية القانونية. فأشك اذا كان مالكو فيلات وشاليهات مارينا ـ مثلا ـ قد سجلت ملكياتهم, والتي مازالت ـ أغلب الظن ـ باسم هيئات المجمعات العمرانية. وملكية معظم هذه الأراضي ملتبسة بين مطالبات للوزارات المختلفة والمحافظات المتعددة. ونظرا لأن الملكية ـ كما الحقوق العينية ـ لا تنتقل إلا بالتسجيل, فإنه سوف يكون من الصعب قانونا مطالبة ساكني ومشتري هذه العقارات بأداء الضريبة لأنهم ليسوا ملاكا من الناحية القانونية, وذلك لعدم تسجيل هذه الملكيات في الشهر العقاري. فالمادة الثانية من قانون هذه الضريبة تعرف المكلف بأداء الضريبة الجديدة بأنه مالك العقار المبني أو من له عليه حق عيني بالانتفاع أو بالاستغلال. ووفقا للقانون المصري فإن الملكية والحقوق العينية لا تنتقل الا بالتسجيل في الشهر العقاري. وأكاد أقطع بأن الغالبية من المباني علي الساحل الشمالي من المنتجعات غير مسجلة في الشهر العقاري بأسماء المنتفعين بها. ولذلك فليس من المستبعد أن تظهر منازعات عمن يسأل عن دفع هذه الضريبة ؟ وهكذا فإن قضية الثروة العقارية تحتاج الي مراجعة شاملة لأوضاع الملكية العقارية وتسوية وضع الملكيات علي نحو واضح. وكانت مصر قد بدأت منذ أكثر من نصف قرن الحديث عن مشروعات للأخذ بنظام السجل العيني, ومازال هذا النظام غير مكتمل حتي الآن. وهكذا فالملكية العقارية في المباني تحتاج في مصر الي مراجعة شاملة, وليس من المؤكد أن تكون البداية السليمة هي بفرض ضريبة علي وعاء مازال غير واضح المعالم القانونية في كثير من الأحوال. لست أشك في أن وزير المالية ـ وهو حريص علي توفير الموارد اللازمة للموازنة ـ قد وجد من المنطقي إعادة النظر في ضرائب العقارات بعد أن تم تعديل ضرائب الدخل والجمارك.ومع ذلك, فإن الثروة العقارية ليست مجرد مصدر لإيرادات الدولة, بل هي ثروة قومية وتحتاج الي نظرة عامة وشاملة ليس فقط نقصد زيادة مساهمتها في تمويل الموازنة, وإنما باصلاحها وتهيئتها لكي تسهم في جهود التنمية الاقتصادية بأن تصبح جزءا فاعلا في دائرة النشاط الاقتصادي, وفي وقت توسعت فيه الأحياء العشوائية ولم تزل نصف الثروة العقارية من المباني الأخري خاضعة لأحكام قوانين الايجارات القديمة, مما أدي الي تدهور قيمتها الاقتصادية, واستبعادها تقريبا من دائرة النشاط الاقتصادي, فإن الحديث عن الثروة العقارية وفرض الضرائب عليها يبدو قاصرا وسابقا لأوانه. فالجزء الأكبر من الثروة العقارية المصرية هو ثروة عقيمة لا تكاد تسهم في الحياة الاقتصادية إلا علي نحو مبتور. وقد سبق أن تعرضت لموضوع الايجارات القديمة علي صفحات هذه الجريدة بما لا محل له لإعادة ترديد ماورد بها. ويكفي أن أشير هنا الي أن استمرار هذه الأوضاع يعني إهدار جزء كبير من الثروة القومية بالنظر الي تدهور قيمة هذه العقارات, وبالتالي محدودية إمكانيات مساهمتها في النشاط الاقتصادي وليس معني ذلك ان قضية الإيجارات القديمة سهلة أو يمكن حلها بجرة قلم, بل إنها تحتاج إلي معالجة تدريجية خلال فترة انتقالية طويلة, ومع الاعتراف بصعوبة هذه المشكلة وتعقيدها, فإن أسوأ الحلول هو الانتظار وعدم القيام بأي شيء. وهو مايبدو أنه موقف الحكومة من هذه القضية. فإذا أضفنا الي ذلك عدم تقنين أوضاع المباني العشوائية وربما عدم وضوح المراكز القانونية للملكية في الكثير من المنتجعات الجديدة, فإن الثروة العقارية للمباني تحتاج الي مواجهة شاملة لجوهر المشكلة. الثروة العقارية المبنية ليست مجرد وعاء للضريبة أو مصدرا لتمويل الموازنة, الثروة العقارية هي أحد أهم مقومات الثروة الاقتصادية الوطنية, ودورها الأساسي يتحقق من خلال اندماجها في دائرة النشاط الاقتصادي بشكل كامل وفعال وكفء, وهذا أمر يحتاج الي إصلاحات في الإطار القانوني لحقوق الملكية بشكل عام, وتقنين أوضاع الملكيات العشوائية وأراضي الدولة بصفة عامة, وإعادة النظر في نظام الشهر العقاري بإدخال نظام السجلات العينية, وإعطاء الملكية ماتستحقه من رعاية وحماية قانونية والاسراع بالفصل في القضايا المتعلقة بها وتنفيذ الأحكام, والبحث عن إيجاد حلول عادلة ومنصفة للعقارات الخاضعة للايجارات القديمة بحيث تعود من جديد الي النشاط الاقتصادي بشكل فعال. لقد أحسن وزير المالية باعادة النظر في النظام الضريبي, وكنت أتمني أن يكون البحث في أوضاع الضرائب علي العقارات المبنية فرصة لاعادة الاعتبار لمفهوم الملكية العقارية بشكل عام, فهذه الملكية هي أحد أسس التنمية الاقتصادية بقدر ماهي مصدر مهم لتمويل الموازنة. ومسئولية الوزير ليست فقط في جباية الموارد المالية للموازنة بقدر ماهي في وضع الأسس السليمة لدفع عجلة النمو في الاقتصاد القومي ثم مالية الحكومة بالتبعية. إن مساهمة الثروة العقارية في النشاط الاقتصادي بكفاءة أهم بكثير من دورها في زيادة موارد الموازنة. وفرض الضرائب وحده, وقبل الاصلاح الشامل للملكية العقارية, ربما لا تكون البداية السليمة والمنطقية للأمور. والله أعلم.
|
| |
|