أدري ماذا تخبيء الأقدار لمصر هذا العام؟ هل كتب علي هذا البلد الأمين أن يتحمل التآمر بشقيه الخارجي والداخلي؟ هل التقافز حول استقرارنا ومحاولة زرع كمائن وخمائر للعكننة وتعكير الصفو أصبح هدف كثيرين من أبناء هذا الوطن الذي مازال بعضهم يستقوي بالخارج علي أبناء بلده؟..
لا أحد ينكر في مصر أن هناك أعداء متربصين بنا ومنافسين يسعون لإزاحة مصر عن دورها الاقليمي في المنطقة الذي رسمته عوامل كثيرة كالموقع الجغرافي والحضارة والموارد البشرية للسكان وغيرها من المعطيات التي تمنح لمصر مكانة رائدة تضايق كثيرين..
مصر يطعنها أبناؤها الكتاب في الصحف الخاصة. وينتقدها رجال الدين الإسلامي المتشددون علي المنابر ويهجوها رجال الدين المسيحي المتعصبون أمام مذابح الكنائس..
لا يوجد وطن يحظي بكل هذه الكراهية من الداخل والخارج مثل وطننا الغالي.. الهنود والباكستانيون فقراء لكنهم يقدسون أوطانهم ولا نجد منهم من يحرض ضد بلده حتي عندما تتحسن أحواله المادية إذا ما عملوا في الخليج..
الأسبوع القادم يصل إلي القاهرة وفد الحريات الدينية الأمريكي في توقيت يثير تساؤلات لا تملك دفعها وأعني تزامن الزيارة مع الأحداث المؤسفة التي وقعت في نجع حمادي وراح ضحيتها عدد من الاخوة الأقباط..
الوفد يصل القاهرة قادماً من السودان التي يعرف الجميع انها مهددة بانفصال بين جنوب مسيحي وشمال مسلم. أو لنكن أكثر تحديدا شمال عربي وجنوب زنجي.. الأنباء الواردة من السودان تؤكد ان هناك مخططاً لتقسيمه تسير فيه الدول الكبري وأمريكا سيراً حثيثاً لتنفيذه..
التوقيت الذي يصل فيه وفد الحريات الدينية الأمريكي لمصر يثير أكثر من علامة استفهام خصوصا لو عرفنا أن الوفد يأتي بناء علي رغبة وتقارير مغرضة وصلت لهم عن اضطهاد الأقباط في مصر..
ربما تكون زيارة الوفد الأمريكي للقاهرة قد اتفق عليها من قبل وحدد الموعد سلفاً. لكن ألم تكن أحداث نجع حمادي وماجري فيها كفيلة بأن تؤجل الموعد الي آخر حتي لايتم الربط بين الزيارة وبين الفتنة التي استيقظت؟.
ان إصرار وفد الحريات الدينية الأمريكي علي إتمام الزيارة إلي القاهرة هو بمثابة سكب للبنزين علي النار رغم أن الأفضل كان تأجيلها الي موعد آخر..
ومن ثم فإن الزيارة تعيد للاذهان محاولات عديدة جرت للاستقواء بالخارج علي نظام الحكم ومنها ماكان يقدم عليه د. سعد الدين ابراهيم مدير مركز ابن خلدون ود. ايمن نور مؤسس حزب الغد وغيرهم من الدعاة والناشطين والسياسيين الذين رأوا أن من حقهم حشد تأييد دولي ضد مصر الدولة والحكومة وذهبوا الي حد المطالبة بتوقيع عقوبات عليها والعمل علي ذلك بأقصي سرعة.
لقد طالب سعد الدين ابراهيم مثلا امريكا في عهد الإدارة السابقة للرئيس بوش بمنع المعونات عن مصر وتوقيع عقوبات اقتصادية عليها مالم تفرج عن أيمن نور وتطبق الديمقراطية الغربية.. ان خطورة زيارة هذا الوفد انها تجيء في وقت يحاول فيه كثيرون الاصطياد في الماء العكر سواء بالداخل أو الخارج.. فقد كان تصرف النائبه جورجيت قلليني في مجلس الشعب مستفزا للغاية وهي تؤكد أن الحادث طائفي ولم يكن نائب قنا عبدالرحيم الغول موفقا ايضا في عصبيته الزائدة تجاهها.. الأنبا كيرلس مطران نجع حمادي تحدث بحكمة وروية لكنه كان قد انزلق الي مشاحنات وتحريض في الأيام الأولي للحادث.
أما الذين يتصيدون في الخارج فأولهم البرلمان الأوروبي الذي يدرس النظر في تمرير مشروع قرار ضد مصر في مجال حقوق الانسان واحترام الاقليات وهو ماحاول بعض اقباط الخارج وبعض المنظمات المصرية أن يستغلوه. وانزلقت هيئات دولية كبري الي هذا الشرك وهي لاتدرك تعقيدات المجتمع المصري وتشابك مصالحه ونسيجه الفريد من مسلمين واقباط والذي ظل لعقود طويلة صامدا لمحاولات بذر الفتنة وبث عوامل الفرقة منذ ايام الاستعمار الانجليزي.
زيارة وفد الحريات الدينية الامريكي للقاهرة تجيء بعد زيارة طويلة للسودان الذي يتعرض لمحاولات مستميته لتقسيمه بعد استفتاء 2011 القادم وهو مايلوح بخطر مميت للامن القومي المصري.. المراقبون فسروا زيارة وفد الحريات الدينية للسودان علي أنه مقدمه للتقسيم ويعيد للذاكرة الزيارات التي قام بها من قبل وفد الجمعيات الكنسية الامريكية للسودان وانشقاق حركة جون قرنق عن الجيش السوداني ودعوته لانشاء منطقة مستقلة في الجنوب..
هناك تفسيرات كثيرة عن زيارة وفد الحريات الدينية الأمريكي للسودان منها انه ربما اعاد زراعة بذور الفتنة التي نجم عنها اطول حرب انفصالية في تاريخ القارة الافريقية بين الشمال والجنوب ونجم عنها سقوط عدد كبير من الضحايا عام 2009 يفوق بكثير ضحايا الصراع حول دارفور.. زيارة الوفد الامريكي للسودان فجر من جديد اخطار حرب الانفصال في الدولة الشقيقة التي تشاركنا مصب حوض النيل.
لا للتحريض
وتجيء زيارة الوفد الأمريكي لمصر أيضاً في أعقاب ما حدث من أعمال عنف طائفية في نيجيريا راح ضحيتها 26 شخصاً قتلوا في مصادمات بين المسلمين والمسيحيين.. المصادمات تمت بين من ينتمون لمحافظات الشمال المسلمة ومحافظات الجنوب المسيحية.. أحداث نيجيريا مثل أحداث السودان وأماكن أخري عديدة نكتشف بها أصابع أمريكية كل حين.. الأمر الذي يلقي بشبهات كثيرة علي زيارة الوفد الأمريكي للقاهرة في هذا التوقيت بالذات.. وربما تكون هذه الرؤية غير صحيحة لكن الانطباعات الخاطئة تحتاج لمن يفندها.. فهناك انطباع أن أمريكا تنحاز لأقباط مصر وهم أقلية ضد مسلميها الأغلبية.. وللأسف فإن هذا الإنحياز يتعارض مع ما أعلنه الرئيس الأمريكي أوباما في كلمته أمام جامعة القاهرة والتي أعلن فيها أنه ليس هناك حرب بين الإسلام والمسيحية. فإذا كان هناك سوء فهم فنحن الأمريكيين مسئولون عنه.
إن مصر كانت وستظل دولة مؤسسات وقانون.. وأهل مكة أدري بشعابها.. وبلدنا وقياداته ليسوا في حاجة لمحاضرات أو نصائح ممن لا يدركون تشابكات وتعقدات مجتمعنا.
دولة بحجم مصر وثقلها السياسي لا يمكن أن تساوم حول قانونها وقضائها العادل الذي يقف أمامه الجميع سواسية لا فضل لمسلم علي قبطي أو العكس.
إنني أتوجه بنصيحة للعقلاء من الأقباط أن يتعاملوا مع زيارة الوفد بنازع وطني وليس بوازع طائفي.. لقد سرت معلومات - ربما لا تكون دقيقة - أن هذا الوفد سيسعي لمقابلة عدد من أقباط مصر وتصوري أن إخواننا في الوطن أعقل من ذلك ولن يقدموا علي شيء من شأنه تهديد استقرار مصر.. لقد تذرعت واشنطن بالحرب علي الإرهاب في عهد الإدارة الأمريكية السابقة وغزت العراق وأفغانستان وأدت لاشتعال المنطقة وظهور تيارات إسلامية متطرفة تقابلها تنظيمات مسيحية متشددة وهو الوضع الطبيعي لمعادلة التطرف.. إن الإدارة الأمريكية مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضي أن تعمل علي استعادة أرضية جيدة في العالم العربي. وهو ما ظهرت بوادره بعد خطاب أوباما في جامعة القاهرة.. الآن واشنطن مهددة بفقد هذا التعاطف.
وفي هذا السياق وتزامناً مع زيارة وفد الحريات الدينية لمصر الأسبوع القادم يدعو عدد من أقباط المهجر مثل فايز خلة ويعقوب قرقاوص ويوحنا وليم ومجدي البير إلي تظاهرة أمام مبني الأمم المتحدة ومقر البعثة المصرية بالمنظمة الدولية.. تطالب المظاهرة بالثأر لدم شهداء نجع حمادي ومساندة دولية للأنبا كيرلس في مواجهة الحكومة ومحافظها العميل "اللواء مجدي أيوب المحافظ المسيحي"..
إن هذا التحريض من المسيحيين أو أقباط المهجر لا يفرق كثيرا عن احتجاجات المتشددين الإسلاميين ومظاهراتهم علي جانبي معبر رفح ضد مصر.. التحريض مرفوض من المسلمين أو المسيحيين علي حد سواء.. إننا نرفض أن يشعل المحرضون بلداً مستقراً وهادئاً ولا داعي للزج بنا في مخططات التقسيم الديني في القارة الأفريقية..