◄◄ نشطاء مصريون يتهمون الكنيسة بالتواطؤ والحكومة بعدم الجدية فى مواجهة الفتن
كشفت أحداث نجع حمادى الأخيرة عن تحول خطير فى تحركات قطاع من الأقباط فى المهجر، بدا أنه الأعلى صوتاً، وربما تأثيراً على الرأى العام العالمى، فالمسيرات الضخمة التى جرت فى العديد من دول العالم أظهرت تحولا واضحا فى طبيعة المشاركين فيها، والرسائل الخطيرة التى يحاولون توصيلها للرأى العام العالمى، والمصرى أيضاً، وأبرز تلك الرسائل تقسيم الشرق الأوسط بين مسيحيين مضطهدين يستنجدون بالغرب من المسلمين القتلة، وهو ما وضح فى الشعارات التى رفعت فى عدد كبير من المسيرات القبطية بعواصم العالم، وهو ما دفع نشطاء أقباطا داخل مصر للتحذير من اتخاذ الملف الطائفى طابعاً أكثر دموية فى المستقبل، مشيرين إلى أن عملية الفرز الطائفية التى يقودها بعض أقباط المهجر رداً على أحداث نجع حمادى تهدد بظهور جماعات مسيحية مسلحة فى مصر للرد على عدم جدية الدولة فى معالجة جذور الأزمة، وفى ظل ما وصفوه بتواطؤ قيادات الكنيسة القبطية فى الداخل مع التكتيكات الطائفية لأقباط المهجر.
وتضم خريطة تحركات أقباط المهجر لأول مرة على سبيل المثال دولة مثل نيوزيلندا التى لم تكن من قبل مركزاً لنشطاء الأقباط، وقبرص التى كان الشأن القبطى فيها محصوراً فى علاقة الأقباط المصريين هناك بكنيستهم القبطية فى القاهرة.
وبينما حرص منظمو أغلب المسيرات إن لم يكن أغلبها على أن تكون الكنائس الأرثوذكسية هى نقطة انطلاقهم وأن تضم المسيرات جميع الطوائف المسيحية المختلفة بالإضافة إلى ممثلين لكنائس أجنبية بدا متسقاً تماماً مع شعارات من نوع «دفاعاً عن المسيحيين المضطهدين فى الشرق الأوسط» التى رفعت فى بعض المسيرات.
فالمسيرة التى دعا لها أقباط سويسرا على سبيل المثال ضمت ممثلين لكنائس إريترية، وصربية، ويونانية، وأرمنية، بالإضافة إلى كنائس الشرق الأوسط، واستخدمت الدعوة عبارة «الحركة القبطية فى الخارج» التى تقودها «روح المهندس عدلى أبادير»، مؤسسها الراحل.
أما مسيرة نيويورك فضمت ممثلين عن الهندوس، والسيخ، ومنظمات أمريكية «من مختلف الجنسيات والأديان».
وعلى نفس المنوال جرت مظاهرات هولندا التى نظمت فى »دى دام« وهو أكبر ميادين العاصمة أمستردام، بقيادة الكنيسة القبطية، ومندوبين من الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية والأرمنية والروسية.
وليس غريبا أن يقع اختيار أقباط المهجر باليونان على واحد من أكبر ميادين العاصمة أثينا للتجمع، ختاماً لمسيرة طويلة توقفت لعدة ساعات أمام البرلمان اليونانى، لكن الغريب أن يلقى أحد المطارنة اليونانيين بينما هو إلى جوار أحد قيادات الكنيسة القبطية المصرية خطبة يتحدث فيها عن غضب كنيسته من اضطهاد منظم يرتكبه المسلمون فى مصر بحق الأقباط «فى موطنهم الأصل».
ولم يقتصر تكتيك الحشد فى تلك المسيرات على تواجد ممثلى الطوائف والكنائس المسيحية المصرية والأجنبية، بل حرصت على حشد أكبر قدر ممكن من الأقباط المصريين من جميع الأنحاء، وفى بعض الأحيان على نفقة منظمى المسيرة، فمسيرات فرجينيا وواشنطن بأمريكا انضم لها الأقباط من مختلف الولايات الأمريكية، ومنها ولاية أريزونا التى تحركت فيها حافلات نقل المتظاهرين من أمام كنيسة مارمرقس، بينما تكفل منظمو مسيرة الأقباط بالمملكة المتحدة بتوفير حافلات خاصة لنقل المتظاهرين.
صليب متى
وفيما كان التوجه للكونجرس سبباً دائماً فى انقسام منظمات أقباط المهجر على نفسها، بل انقسام الكنيسة عليهم، بدت المناشدات التى وجهها أقباط المهجر لرؤساء، وحكومات، وبرلمانات الدول الغربية أمرا متفقا عليه من الجميع، إذ لم تسجل أدنى اعتراض من المشاركين فى المسيرات الاحتجاجية، بما فيهم رجال الكنيسة القبطية.
فدعا أقباط المملكة المتحدة إلى مسيرة حاشدة أمام مقر رئيس الحكومة البريطانية جوردن براون بقيادة الأنبا أنتونى أسقف أيرلندا واسكتلندا وشمال شرق إنجلترا، جنباً إلى جنب مع الدكتور إبراهيم حبيب رئيس منظمة أقباط متحدون، الذى أعد مذكرة لرئيس الوزراء البريطانى تشرح له ما يتعرضون له من «إذلال بتواطؤ أمنى، ومباركة حكومية». كما لم يعترض أحد من أقباط المهجر «كنيسة وأفرادا» على الرسالة التى تناشد الرئيس أوباما وإدارته بالتدخل لحماية أقباط مصر من العنف الطائفى، كما لاقى عتاب البرلمان الأوروبى للحكومة المصرية بشأن الأقباط هوى فى نفوسهم بلا استثناء.
وشهدت مسيرات أقباط المهجر اهتماماً كبيراً باستخدام تكنولوجيا الاتصالات للتأثير على جمهورهم، فاستخدمت فى أغلبها شاشات عرض ضخمة وسط الميادين العامة تصور «مآسى الأقباط فى مصر» وتستعرض صوراً دموية للضحايا بداية من أحداث الكشح وانتهاء بقتلى نجع حمادى التى تم التقاطها من قلب المشرحة، لتتولى بعد ذلك المواقع القبطية على الإنترنت عرض مقاطع كاملة لتفاصيل المظاهرات بالصوت والصورة، مرفقة بشروح وافية بالعربية وباللغات الأجنبية أيضاً.. فما الذى تعكسه تحركات أقباط المهجر الأخيرة على وجه التحديد؟
يعترف عماد عطية عضو جماعة «مصريون ضد التمييز» بتحولات طرأت على تحركات الأقباط فى الخارج لكن برأيه لا ينبغى إغفال دور الإعلام فى التركيز على هؤلاء أكثر من غيرهم من العقلانيين. وهو لا يعفى رجال الكنيسة القبطية فى الخارج من المسئولية، إذ يشير إلى أن تحركات بعضهم تعكس تمرداً على مواقف القيادات الكنسية بالداخل، لكنه لا يستبعد أيضاً أن بعضهم يتحرك مدفوعاً بأوامر مباشرة من قيادة الكنيسة القبطية فى مصر بهدف توصيل رسائل معينة للحكومة، لا يستطيعون توصيلها فى الداخل. وإجمالاً يرى عطية أن الصورة تعكس حالة من الغضب على عدم جدية الحكومة فى التعامل مع الملف الطائفى، خاصة بعد محاولات مجلس الشعب والعديد من القيادات السياسية تصوير الأحداث الطائفية على أنها فردية، وهو يقول «لا أستبعد وسط هذا المناخ أن تظهر جماعات مسيحية مسلحة بدعوى حماية المسيحيين، رداً على تطرف بعض المسلمين، خاصة إذا تكررت أحداث شبيهة بنجع حمادى» وهو يدعو المسئولين ورجال الدين للتعامل مع الملف الطائفى بمسئولية لوضعه فى إطار الوطن المصرى بعيداً عن التمييز على أساس اجتماعى أو دينى.
أما القمص صليب متى ساويرس الذى دعا مؤخراً إلى مؤتمر «المواجهة» بمشاركة أقباط الداخل والخارج ومسئولى الحكومة فرفض التعليق على تحركات الأقباط فى الخارج، مكتفياً بالقول بأنه يبارك جهود الجميع هنا وهناك، لكنه يحبذ أن تحل مشاكلهم داخل مصر، ويقول «لا أحاول احتواء أى تحركات لأنها ترد على المهازل التى تحدث، وأدعو لأن تضم الجميع طاولة واحدة للحوار».