تعالوا نتفق ابتداءً، على أن مصر ليست عزبة، وإنما هى دولة، وأنها بهذا المنطق فى حاجة إلى رجال يخدمونها، لا أن تخدمهم هى، وأن الدكتور محمد البرادعى يريد أن يخدمها، وأننا نصدقه طبعاً!
ولكن.. تعالوا أيضاً نعد إلى الوراء قليلاً، ثم نتذكر أن الرئيس مبارك كان نائباً للرئيس السادات، لست سنوات، من عام ١٩٧٥، إلى عام ١٩٨١، وأن الرئيس السادات كان قد عهد إليه بعدة ملفات فى الدولة يشرف عليها، خصوصاً فى سنوات السادات الأخيرة، وأن مبارك، كنائب للرئيس، كان يشرف على قطاعات مهمة فى الدولة، من بينها الجيش - مثلاً - ثم الأمن، ومعهما المخابرات!
كانت هذه القطاعات الثلاثة، على وجه التحديد، هى تقريباً التى خدم مبارك بلده من خلالها، فى أثناء أغلب الفترة التى قضاها بجوار الرئيس نائباً.
وعلينا أن نلاحظ، فى الوقت ذاته، أن الدكتور البرادعى حين يتكلم الآن، عن القطاعات التى يريد من خلالها أن يقدم خدمة لبلده، فإنه يتكلم عن أشياء مختلفة، ويريد، كما أعلن أكثر من مرة، أن يقدم شيئاً حقيقياً للمصريين، فى مجالات التعليم، والطاقة، والصحة، ومكافحة الفقر، ثم فى مجالات أخرى غيرها طبعاً، ولكن هذه هى الميادين الأربعة التى فى الغالب تحظى باهتمامه، فى كل مناسبة يتاح له فيها أن يخاطبنا!
والسؤال الآن هو: كيف يمكن تحويل ما يريده الرجل لبلده، من مجرد رغبة شفوية يبديها ويدور حولها، إلى فعل حقيقى يكون له رصيد يتجسد على الأرض بين الناس؟!
ولو أن أحداً راح يفكر فى السؤال، ثم يبحث له عن إجابة عملية، فسوف يكتشف فى لحظة، أن إجابة من هذا النوع تكاد تكون مستحيلة، فى ظل ثبات كل وضع فى الواقت الراهن على حاله، وأننا بالتالى إذا كنا نريد حقاً أن نتكلم بشكل عملى فى الموضوع، فلابد أن نتطلع إليه بشكل مختلف، وأن ننظر إليه من زاوية لم يحدث أن أحداً نظر إليه، عن طريقها، من قبل!
وسوف تكون مفاجأة للجميع، أن نكتشف فى لحظة من اللحظات، أن الإجابة عن السؤال يملكها - الآن - شخص واحد هو الرئيس مبارك، الذى يستطيع أن يتخذ قراراً يكون بمثابة مفاجأة العمر من جانبه لنا، وللبلد فى وقت واحد!
والقرار سوف يكون باستقبال «مبارك» للبرادعى، وجلوسهما معاً، ثم تعيين الرجل نائباً للرئيس، ليتفرغ البرادعى وقتها للإشراف على قطاعات الصحة، والتعليم، والطاقة، كما كان الرئيس يشرف على قطاعاته وقت أن كان نائباً!
إن الرئيس مبارك، أو أى رئيس، ليس «سوبرمان» يستطيع أن يحل كل مشكلة، ويتابع كل أزمة، ويشارك فى كل اجتماع، وليس معقولاً أن نطالبه بأن يهتم بأنبوبة البوتاجاز، وأن يتابع مشروعات الصرف الصحى فى القرى.. وإذا كان هناك مثل البرادعى من يريد بصدق أن «يشيل» هذه الهموم عن الرئيس، فلماذا لا يقول له الرئيس: «اتفضل شيل».
وقتها.. وقتها فقط.. سوف نكون قد تجاوزنا العقبات الدستورية التى تعترض طريق البرادعى، إذا فكر فى ترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة، وسوف نكون قد كرسنا الاحترام الواجب للرئيس، ومكانته، والموقع الذى يشغله، وسوف نكون قد حققنا التغيير الذى يريده المصريون على يد البرادعى، أو بدأنا فيه على الأقل!
الموضوع، بهذه الصورة، ليس فى حاجة إلى شىء، لتحقيق ثلاثة أهداف بقرار واحد، قدر حاجته إلى خيال سياسى!