جاء إعلان دكتور محمد البرادعي عن استعداده الترشح للرئاسة في حال ما تم تعديل الدستور المصري وضمان وجود انتخابات نزيهة، ليفتح باباً جديداً من الأمل الذي انتظره الملايين منذ سنوات طويلة، أملا في حدوث تغيير حقيقي في طبيعة النظام السياسي القائم منذ 1952، ومع إعلان البرادعي خرجت دعوات بجمع توكيلات باسمه تفوضه بإجراء التعديلات الدستورية التي تضمن إجراء الانتخابات في مناخ ديمقراطي حقيقي، وكان لهذا الحدث رد فعل قوي لدي الشارع المصري الذي أصبح مشغولاً الآن بالبحث عن إجابات لمجموعة من التساؤلات مثل:من هو رئيس مصر القادم؟ وهل سينجح فعلاً البرادعي في تلك المعركة التي تسانده فيها القوي الوطنية الراغبة في التغيير والتحول الديمقراطي؟ ومن هو مرشح الحزب الوطني للرئاسة؟!
كل هذه التساؤلات طرحناها علي دكتور أسامة الغزالي حرب - رئيس حزب الجبهة الديمقراطية - ورئيس تحرير مجلة السياسة الدولية الذي قدم لنا رؤيته وتحليله السياسي لما يحدث علي الساحة السياسية من خلال قراءته للأحداث:
> ما قراءتك لطرح اسم دكتور البرادعي كمرشح للرئاسة ومجموعة الشروط التي أطلقها مؤخرا ومن بينها تعديل الدستور؟
ـ منذ اليوم الأول نظرنا بشكل إيجابي لترشح البرادعي والظروف التي يمر بها النظام، حاليا خاصة أن الرئيس مبارك لم يحدد حتي الآن خليفة له فتح مما باب للتكهنات حول مستقبل النظام خاصة أن المصريين اعتادوا معرفة من هو الخليفة القادم الذي سيتولي السلطة؟ لكننا الآن لا نعلم من هو الرئيس القادم! في هذا التوقيت تحديداً يظهر اسم دكتور البرادعي كمرشح للرئاسة ...بعبارة أخري يظهر في اللحظة التي يفكر فيها المصريون في مستقبل النظام ومن يخلف مبارك، وما يخدم البرادعي ويعزز من طرحه كأحد الأسماء المرشحة للرئاسة ليس فقط مؤهلاته الذكية... لكن أيضاً اللحظة التي يظهر فيها مع الأخذ في الاعتبار لأمر مهم جداً ألا وهو أن البرادعي لم يرشح نفسه للرئاسة لكنه وضع شروطا يراها ملائمة كي تتم عملية الترشيح ليس فقط من جانبه، بل لكل من يريد الترشح لهذا المنصب.. لذلك فهو من الناحية الفعلية يدعو لإصلاح النظام السياسي وهو في الواقع يكرر كل ما طالبت به قوي الوطنية والسياسية المصرية.
من الأسباب الرئيسية في بروز اسمه بين كل الأسماء التي طرحت كمرشحين للرئاسة هو أنه ـ شخصيا ـ الوحيد الذي أعلن نيته الترشح صراحة، وقال إنه علي استعداد لهذا، فهذه خطوة مهمة جداً وتعكس روحاً ديمقراطية لديه علي عكس الآخرين مثل جمال مبارك الذي يتردد اسمه بقوة وكل الشواهد تؤكد أنه مرشح الحزب القادم، ومع ذلك لم يعلن صراحة ترشحه للرئاسة فهذا هو الفرق بينه وبين البرادعي.
> كيف تقرأ الزخم الذي تعيشه مصر الآن علي خلفية ظهور البرادعي والانتخابات الرئاسية المقبلة؟
ـ مصر تشهد حالة تحول، والمواطنون لديهم ملل وغضب شديد من سياسات النظام الحالي، لأنه فاشل ومتدهور والناس متشوقة لميلاد نظام جديد وهذه لحظة تحول حقيقي... تنتظر فيها مصر ميلاد فجر جديداً والبرادعي هو الذي يبشر بهذا الأمل الجديد.. وهذا لا يعني أنه المنقذ القادم لمصر لحل كل مشكلاتها، بالعكس هو نفسه طالب القوي الوطنية بمشاركته في هذا... ومن ثم الفترة المقبلة ستشهد تطورات مثيرة جداً ومفاجآت كثيرة أيضاً.
> إذن كيف سيكون المشهد العام في مصر في حال بقاء الوضع كما هو عليه؟
ـ الأوضاع ستزداد تدهوراً يوماً بعد الآخر والمشاكل ستزداد وهنا لا يستبعد أن تدخل مصر في حالة من الفوضي والانفجار الذي لن تكون عواقبه جيدة علي الإطلاق.
> وكيف سيتم نقل السلطة في حالة بقاء الوضع كما هو عليه؟
ـ المتفائلون من أنصار الحزب الوطني يرون أن الأمور ستسير بشكل عادي، وأن الحزب سيقدم مرشحه، وفي النهاية سيحصل علي كرسي الرئاسة، لكن في رأيي أنه وإذا حدث فراغ في السلطة في أي وقت فمن المؤكد أنه لن يكون هناك سيناريو واحد لانتقال السلطة في مصر، بمعني أنه ممكن حدوث انفجار شعبي هائل، وممكن أيضاً تدخل الأجهزة الأمنية السيادية ..لذلك فإذا كان النظام لديه حد أدني من الرؤية السديدة وحريص فعلاً علي مستقبل هذا البلد فلابد أن يبادر هو نفسه إجراء الإصلاحات السياسية التي تضمن انتقالا آمنا للسلطة وإلا سيدفع الجميع الثمن وإن كنت غير متفائل كثيراً نظرا لأن هناك بالتأكيد صراعات داخل السلطة والحزب الوطني، وهناك تنافسات بين قوي سياسية كبيرة علي رأس الدولة.
> هل هذا انعكس علي طبيعة اختيار الوزراء الجدد ؟
ـ في مصر الأمور أكثر تعقيدا، حيث لا يوجد مركز واحد يقوم باختيار الوزراء، فهناك من يأتي بدعم من الرئيس أومن خلال السيدة حرمه التي لها مواقف حاسمة في هذا.. إذن ليست هناك قاعدة واحدة تحكم عملية اختيار الوزراء في مصر، حيث تحكمها المصالح والعشوائية.
> بين تلك الأجنحة المتصارعة من منهم الذي يدعم جمال مبارك بشدة، وما الجناح المعادي لهذا الاتجاه؟
ـ ليس سراً ن جمال مبارك تدعمه مجموعة من رجال الأعمال، وبالتأكيد بعض أجهزة الدولة تقف معه، لكن من المؤكد أيضاً أن هناك من يرفضونه وبالتالي هذا يجعلني أضع احتمالا لا أقلل من شأنه، وهو أنه إذا حدث مكروه للرئيس مبارك وغاب عن الحياة فربما يختفي معه أيضاً جمال مبارك.
> أتقصد أن نقل السلطة إلي جمال مبارك مرتبط ارتباطاً شرطياً ببقاء ووجود الرئيس مبارك علي قيد الحياة ؟
ـ إلي حد بعيد .. لكني لا أتصور أن الرئيس مبارك سيترك الحكم وهو علي قيد الحياة... وهذا ما أعلن عنه حينما قال: سأبقي في الحكم حتي آخر نفس صدري.
> هل هذا يعني أن الرئيس مبارك سيكون مرشح الحزب الوطني في الانتخابات الرئاسية؟
ـ مليون في المائة هذا ما سيحدث، لأنه لن يترك السلطة حتي آخر نفس في عمره .
> من الشخص الذي عمل علي تأهيل وتدريب جمال وتقديمه كوجهة سياسية جديدة للحزب ؟
ـ لدي انطباع أن الاسم المؤكد أنه لعب دوراً مهماً في هذا الـتأهيل لجمال هو دكتور أسامة الباز، الذي كان له دور لا يمكن التغافل عنه، ولكن السؤال الذي أطرحه وأحاول البحث عن إجابة له، هو من هذا الشخص العبقري الذي اخترع فكرة المجلس الأعلي للسياسات من الأساس لكي يهبط من خلالها جمال مبارك ؟!
> هل نجح هذا المجلس في تأدية دوره بجدارة وتقديم جمال مبارك؟
ـ بالطبع نجحت نجاحا كبيرا، حيث أصبح ظهوره علي الساحة السياسية شبه منتظم وله أيضا ظهور دوري في الحزب، والأهم من ذلك أنه نجح في تكوين مجموعات لنفسه، تضم نوعيات من البشر تتميز بالانتهازية والتملق وهذه أحد أسوأ مظاهر ظاهرة جمال مبارك الآن .. حيث تقوم تلك المجموعات بتقديم جمال والدفاع عنه، بل الهجوم علي كل من يحاول الاقتراب أو المساس به، وهذا ما تجلي بوضوح في قضية البرادعي الذي تعرض للهجوم من قبل رجال جمال في الصحف مجرد إعلانه استعداده للترشح للرئاسة.
> وماذا عن أحمد عز؟
ـ علي عكس ما يبدو أو ما يتم محاولة تسريبه للناس هو أن عز يعبر عن الفكر الجديد ويدافع عنه، لكنه في الحقيقة من أكثر المدافعين عن الوضع الراهن وهو أكثر من يواجهه أي فكر جديد، فهو يدافع عن الفكر القديم لكن بأساليب جديدة، لذلك عز يعتبر استمراراً للدفاع عن الفكر القديم .. وفي النهاية المجلس الأعلي للسياسات هو مجلس مصطنع وليس هناك فكر جديد، لكن هناك فكراً قديماً ومصالح قديمة موجودة لكن في إطار شعارات وأشكال جديدة ومن ثم لا يوجد أي تغيير حقيقي.
> كيف تقرأ ما يحدث في الإخوان المسلمين الأيام الأخيرة؟
ـ أمر إيجابي أن يحدث ما حدث في الجماعة مؤخراً بشكل معلن وبالتالي تعطي لنفسها بشكل غير مباشر نوعاً من الشرعية المتزايدة إنما قطعاً هذا الصراع العلني له عيوب كثيرة منها إدخال الرأي العام طرفاً وكذلك القوي الموجودة خارج الجماعة، خاصة أن الانطباع العام يوحي بأنه سوف يظل الاتجاه الغالب في الجماعة هو الاتجاه المحافظ وغير القادر علي الانفتاح وتقديم صياغة عصرية جديدة لفكر الجماعة، بحيث تتسق مع التطوير الديمقراطي وتجعل من الجماعة لاعباً شرعياً في إطار التحول الديمقراطي.
> لكن من المتوقع مناهضة النظام لهذا التحول، لأنها تعتبر من أقوي القوي السياسية الموجودة في الشارع؟
ـ أعتقد أنه في الظروف العادية إذا أتيحت لتلك الجماعة الشرعية فلن تحظي بالأغلبية، وأعتقد أن مناخ التضييق عليها واللا شرعية التي تعمل في إطارها هو الذي يضخم وجودها ومناخ العلنية والإتاحة هو الذي سيظهر حجمها الحقيقي.
> إذن المرحلة المقبلة للإخوان تشهد قوة أم ضعفاً للجماعة ؟
ـ أعتقد أنه ممكن أن تكون مرحلة اضطراب وضعف، لأن علي الجماعة أن تحسم أمرها وتحدد مواقفها هل هي حزب سياسي يلتزم بالقانون والدستور؟ أعتقد أن الوصول لحسم هذا الأمر ليس عملية سهلة، خاصة في ظل سيطرة التيار المحافظ.
> كيف تقرأ وتقيّم دور الصحافة القومية الآن ؟
ـ وضع الصحافة القومية في مصر يمثل واحداً من المعضلات الكبري المطروحة علي النظام السياسي، والصحافة القومية قادرة فقط علي الاستمرار في ظل المناخ السياسي الحالي غير المحدد طبيعته السياسية لا هو ديمقراطي ولا شمولي، فهو نظام مرتبك ومتداخل وبالتالي فالصحافة القومية مستمرة بالقصور الذاتي ومن ثم لا أتصور بقاءها إلي الأبد هكذا .. ولابد من إعادة صياغة وضع الصحافة القومية في مصر، لأن العالم لم يعد يعرف شيئاً اسمه الصحافة القومية ولا ينبغي استمرارها لذلك فلابد من التفكير الجاد والمسئول لتطويرها، خاصة في ظل ظهور الصحف الخاصة التي تلتزم بالحرفية والمهنية وهذا بالطبع يضعف بقوة وضع الصحافة القومية، فأنا لم أكن سعيدا أبداً بالطريقة التي تعاملت بها الصحافة القومية مع حادث نجع حمادي الذي يعكس قصوراً ذهنياً واضحاً وحالة من التوتر الطائفي، فالصحافة القومية تصرفت بمنطق أنه إذا أخفت أو تجاهلت النبأ فإنها سوف تقلل من المشكلة الموجودة، لذلك لم يكن غريباً أن الصحافة المستقلة تعاملت مع الحدث وأهميته وفق معايير العمل الصحفي وتسليط الضوء عليه حتي يشعر القارئ بوجود خدمة صحفية حقيقية وليست خدمة صحفية مدجنة وتحت الرقابة ويتم التلاعب بها لأغراض سياسية.