بينما تتوجه أنظار الشعب المصري للخطوات العملية التي قد يقدم عليها د. محمد البرادعي لترجمة مشروعه الإصلاحي للتغيير في مصر، قالت صحيفة الشروق المصرية السبت نقلا عن مصادر مقربة من الرئاسة أن مبارك يتجه لإعادة ترشيح نفسه لدورة رئاسية سادسة مدتها 6 سنوات كما نعرف جميعا.
وإن صح هذا فإن مبارك الذي سيكمل العام القادم عامه الثلاثين على قلب مصر، حيث سيصل عمره الرسمي لـ 83 عاما يظن أن بمقدوره الاستمرار لستة أعوام أخرى حتى أيصل عمره لاعتاب التسعين، وكل هذا يكشف عن نوع من الغرور وعبادة النفس والطغيان والديكتاتورية والتكبر على سنن الحياة، والنتيجة تدفعها مصر الدولة والشعب من تراجع الدور، والمزيد من الضياع والتخلف، وفتح كل الأبواب أمام تنامي مراكز القوى أكثر مما هي عليها الآن.
أما من يهللون للرئيس الطاغية مهما كانت مناصبهم أو الألقاب والدرجات التي يحملونها فهم للأسف ليسوا سوى جوقة للنفاق ولا يعنيهم حقيقة الحال الذي وصلت وستصل إليه مصر إذا ما استمر هذا الحال، وهؤلاء لم يعد يعنيهم إلا مكاسبهم وحساباتهم الخاصة.
الحزب الوطني في مأزق كبير لأنه مضطر للدفاع عن هذا التخلف وتبرير الاستبداد وعبادة الفرد، والتطبيل إما لرجل عجوز هرم تجاوز المنطق والسنن ويريد الاحتفاظ بالمنصب حتى يموت على الكرسي، أو تبرير توريث الابن الذي سمحوا لأنفسهم أن يمارس الحكم بالفعل لأنه ابن الزعيم.
إصرار مبارك على إعادة ترشيح نفسه أو توريث ابنه وجعل هذه هي الخيارات المتاحة أمام شعب تخطى عدد سكانه الـ 80 مليون أورثهم التخلف والتراجع على كل الأصعدة حتى بتنا دولة تستورد معظم غذائها ومنتجاتها من الخارج، ولم يعد لها وزن لا عربي ولا إقليمي ولا دولي اللهم إلا الوزن الذي تسمح به أعمال السمسرة التي يقتات عليها النظام الآن.
مصر تستحق أفضل من ذلك ويجب أن يفهم نستمع لما طرحه الدكتور محمد البرادعي الذي يسعى بعض أزلام النظام في التشكيك في خبرته، وهو أمر شاذ فرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأربعيني لم تكن له خبرة إلا أربع سنوات قضاها كنائب في مجلس الشيوخ ولكنه رجل ملك الحلم واجتهد ووصل لرئاسة أكبر دولة في العالم، ومعظم رؤساء الدول الكبرى من الشباب، فما بالنا رجل ترأس واحدة من أكبر المنظمات الدولية لـ 12 عاما وعمل كموظف دولي لأكثر من 30 عاما.
مصر تمتلك الآلاف من الكفاءات والخبراء الذين يصلح كل واحد منهم أن يكون رئيسا أفضل من مبارك الذي لم يكن يمتلك أي خبرة تذكر، واختاره السادات بموافقة الولايات المتحدة، ورجح سهمه لقرابة جمعت جيهان السادات وسوزان مبارك من جهة والدتيهما الانجليزيتان المنحدرتان من أصول مالطية. فكان للجناح المالطي في الحكم الساداتي المباركي العامل الحاسم في الاختيار.
إننا نطالب الشعب وكل القوى السياسية بالانخراط في المشروع الذي طرحه د. البرادعي لتوفير الإصلاحات الدستورية والضمانات التي تفضي لإجراء انتخابات حرة وأن تعود مصر تتسع لكل ابنائها بدلا من الحكم ألإقصائي القمعي الفاسد لمبارك الذي دمر مصر.
القضية هنا ليست قضية التعصب لشخص د. البرادعي أو أيمن نور أو حمدين صباحي أو عبدالمنعم أبو الفتوح فكلهم وغيرهم جديرين، ولكن الالتفاف ينبغي أن يكون في البداية حول برنامج للمستقبل يرسخ لدولة القانون والحقوق والحرية، ولا مجال اليوم لطرح برامج جزئية قد يتفق عليها البعض أو يختلف إذا ما اتيح للشعب حرية للاختيار، وهي الحرية المقموعة الآن بقوانين الطوارئ والتعذيب وزوار الفجر وأساطين الفساد الذين يضربون القوى السياسية بعضها ببعض وسيحاولون إرهاب البرادعي وتخويفه وإثارة الفتن والإشاعات حوله كما هي عادتهم دائما لتكريس عبادة الطاغية العجوز الذي يريد أن يحتكر مصر ويحكمها حتى من قبره لو تمكن