عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
موضوع: القذافي عندما أجبر أمريكا على الاعتذار الثلاثاء 16 مارس 2010 - 23:19
يتأكد يوم بعد يوم أن الزعيم الليبي معمر القذافي يدرك جيدا عمق الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الغرب حاليا وحاجته الماسة للاستثمار في سوق النفط الليبي الواعد ولذا فإنه بدأ بالانتقام ممن قاموا في السابق بابتزازه غير عابيء بردود أفعالهم . والبداية في هذا الصدد كانت مع إطلاق سراح المدان بتفجير لوكيربي عبد الباسط المقراحي وما سببه ذلك من توتر بين لندن وواشنطن لدرجة دفعت الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرفض لقاء رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون حوالي ست مرات . وسرعان ما امتد الأمر إلى تصعيد الأزمة مع سويسرا على خلفية إلقاء القبض في 2008 على هانيبال نجل الزعيم الليبي وزوجته في جنيف بتهمة إساءة معاملة خدمهما ورغم الإفراج عنهما بعد يومين إلا أن ليبيا مضت قدما في الانتقام من سويسرا بل ونجحت أيضا في إثارة الخلافات بينها وبين شركائها الأوروبيين في منطقة التأشيرة الموحدة "شنجن" عبر إصدار قرار بوقف منح تأشيرات الدخول لأراضيها لجميع رعايا الدول الأوروبية الأعضاء في "شنجن" ردا على قيام سويسرا في 16 فبراير الماضي بوضع قائمة سوداء بأسماء 188 شخصية ليبية رفيعة المستوى لمنعهم من الحصول على تأشيرات دخول لأراضيها بما فيهم الزعيم الليبي معمر القذافي وأفراد عائلته . ولم يقف الأمر عند ما سبق ، ففي 22 فبراير ، فرضت الشرطة الليبية طوقا أمنيا مشددا على مقر السفارة السويسرية في طرابلس وحددت مهلة لتسليم اثنين من رجال الأعمال السويسريين كانا تحصنا بداخلها لمدة ستة أشهر بعد اتهامهما بانتهاك قوانين الإقامة في ليبيا . ومع أن ايطاليا وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى توسطت لدى القذافي لإنهاء حصار السفارة السويسرية ، إلا أنه لم يتراجع عن موقفه مما أجبر السفارة في نهاية الأمر على الرضوخ ، حيث قام رجل الأعمال السويسري ماكس جويلدي بتسليم نفسه للشرطة الليبية لتنفيذ عقوبة السجن الصادرة ضده ، فيما سمحت طرابلس لرجل الأعمال السويسري الآخر رشيد حمداني بمغادرة ليبيا بسيارة متجهة إلى تونس وذلك بعد أن قررت محكمة الاستئناف في طرابلس يوم الخميس الموافق 18 فبراير تخفيف عقوبة السجن الصادرة بحق جويلدي إلى أربعة أشهر بدلا من 16 شهرا بتهمة انتهاك قوانين الإقامة في البلاد ، فيما برأت مواطنه رشيد حمداني من تلك التهمة. ويبقى الأمر المثير في هذا الصدد ألا وهو ما حدث في 26 فبراير / شباط الماضي وتحديدا خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في بنغازي ، حيث شن القذافي أعنف هجوم من نوعه ضد سويسرا ، واصفا إياها بـ "الفاجرة" . ولم يكتف بما سبق ، حيث دعا أيضا أمام مجموعة من الدبلوماسيين والمسئولين في مدينة بنغازي إلى مقاطعة ما أسماها "الملة الكافرة الفاجرة المعتدية على بيوت الله" ، في إشارة إلى استفتاء سويسري أيد أواخر العام الماضي حظر بناء المآذن . وتابع " أي مسلم يتعامل مع سويسرا كافر ، لن نتخلى عن الجهاد لأنه فريضة" ، داعيا الدول الإسلامية إلى الجهاد وفرض حظر على الطيران السويسرى وعلى السلع السويسرية. تركيع واشنطن
استفتاء حظر بناء المآذن
ورغم أن دعوته للجهاد ضد سويسرا قوبلت بانتقاد من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ، حيث وصفت بالغريبة والمؤسفة ، إلا أن القذافي لم يأبه لهذا الأمر بل وقام أيضا بتركيع واشنطن وإجبارها على الاعتذار عن تعليقها "المهين" على تصريحاته . وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولي سخر في 26 فبراير من دعوة الزعيم الليبي معمر القذافي إلى إعلان الجهاد ضد سويسرا بسبب قرار حظر بناء المآذن ، مذكرا بخطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي. وقال كراولي وهو يضحك إن تلك الدعوة تذكره بكلمة الزعيم الليبي من على منبر الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي التي زعم أنها كانت بمثابة كثير من الكلام وكثير من الورق المتطاير في كل مكان وليس بالضرورة الكثير من المعنى وذلك في إشارة إلى إلقاء القذافي في 23 سبتمبر 2009 من على منبر الأمم المتحدة خطابا استمر 95 دقيقة بدلا من 15 دقيقة كما كان مقررا ، بالإضافة إلى قيامه بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة .وما أن أدلى المسئول الأمريكي بالتعليقات الساخرة السابقة إلا وشهد الشارع الليبي موجة غضب عارمة وجرت المطالبة باتخاذ خطوات رادعة إذا لم تعتذر الولايات المتحدة علناً وبصراحة. كما سارعت وزارة الخارجية الليبية إلى استدعاء القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا وأبلغتها تحذيرا بأن العلاقات بين البلدين ستتضرر إذا لم تعتذر واشنطن عن تصريحات كراولي واحتجت بشدة على ما وصفته بأنه تعليقات خاطئة بشأن الزعيم الليبي صدرت عن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية ، وانتهت إلى التأكيد على أن عدم اتخاد أي إجراء سيؤثر سلبيا على العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين خاصة وأن تلك العلاقات قطعت مؤخرا شوطا كبيرا وفي كافة المجالات. وسرعان ما قامت طرابلس بخطوات عقابية عملية ، حيث قام رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا باستدعاء مسئولين تنفيذيين من شركات اكسون موبيل وكونوكو فيلبس واوكسيدنتال وهيس وماراثون وتحذيرهم من أن عدم الاعتذار يمكن أن يضر بعمل تلك الشركات الأمريكية في سوق النفط الليبي . وبالنظر إلى أن شركات الطاقة الأمريكية مثل اكسون موبيل واوكسيدنتال وهيس كانت ضخت مؤخرا استثمارات كبيرة في ليبيا حيث توجد احتياطيات نفطية ضخمة ، فقد سارعت للضغط على إدارة أوباما لتقديم اعتذار رسمي للزعيم الليبي . وبالفعل وتحديدا في 9 مارس / آذار ، فوجىء العالم ببيان لوزارة الخارجية الأمريكية تعتذر فيه رسميا عن تعليقات تهكمية أدلى بها المتحدث باسمها بشأن دعوة الزعيم الليبي معمر القذافي للجهاد ضد سويسرا. وقال المتحدث باسم الوزارة فيليب كراولي الذي أدلى بتلك التعليقات التهكمية للصحفيين :" أدرك أن تعليقاتي الشخصية فهمت كهجوم شخصي على الزعيم الليبي ، تلك التعليقات لا تعكس السياسة الأمريكية ولم يقصد بها الإهانة ، أعتذر إذا كانت فهمت على هذا النحو ". وعلى الفور ، وصفت صحيفة "الفجر الجديد" الليبية الرسمية الاعتذار الأمريكي بأنه انتصار جديد لليبيا وتأكيد لقدرتها على حماية كرامتها. وأضافت "هكذا أثبتت الجماهيرية الليبية صلابة موقفها وقدرتها على حماية كرامتها ، بهذا الاعتذار الأمريكي تطوى صفحة خلاف كاد يهدد العلاقات الثنائية بين الجماهيرية العظمى والولايات المتحدة التي شهدت في الآونة الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات ". ويبدو أن ما ذهبت إليه الصحيفة الليبية لم يكن بعيدا عن حقيقة أن واشنطن غير مستعدة حاليا للتضحية بتحسن العلاقات مع طرابلس مقابل الإصرار على عدم الاعتذار عن تعليقات كراولي ، خاصة وأن الاقتصاد الأمريكي مازال يئن تحت وطأة الأزمة المالية وفي حاجة ماسة للاستثمار في سوق النفط الليبي الواعد . هذا بالإضافة إلى أن واشنطن أصبحت عاجزة عن ابتزاز ليبيا مثلما حدث سابقا في قضية لوكيربي وهذا يرجع لحقيقة بسيطة وهي أن القذافي بات في موقف أكثر قوة بعد انتهاء العزلة الدولية التي فرضت على ليبيا لعقود ولعل إلقاء نظرة على تاريخ العلاقات الأمريكية الليبية يؤكد صحة الفرضية السابقة . تاريخ من التوتر
حادث لوكيربي
فمعروف أن القذافى وصل إلى السلطة فى عام 1969 ، وبالنظر إلى موقفه المناهض لمخططات الاستعمار فى الدول العربية والإفريقية ، فقد نظر إليه الغرب بريبة وقلق ، وفي ديسمبر عام 1979 انسحب السلك الدبلوماسى الأمريكى من طرابلس بعد إقدام متظاهرين ناقمين على مساندة واشنطن لإسرائيل على اقتحام السفارة الأمريكية . ومنذ عام1980 ظلت بلجيكا تقوم بتمثيل المصالح الأمريكية فى ليبيا .وفي مايو 1981 قطعت رسميا العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد إغلاق السفارة الليبية فى واشنطن . وفرضت الولايات المتحدة فى ديسمبر 1981 حظرا على سفر مواطنيها إلى ليبيا بسبب مخاوف من احتمال تعرض المواطنين الأمريكيين لهجوم فى ليبيا بعد أن أسقطت مقاتلات أمريكية طائرتين ليبيتين أثناء مناورة للبحرية الأمريكية فى البحر المتوسط بالقرب من الحدود الليبية وفرضت واشنطن حظرا على تصدير النفط الليبى إلى الولايات المتحدة فى عام 1982 وجرى توسيع العقوبات عام 1986 لتشمل حظرا على التجارة المباشرة والعقود التجارية والأنشطة المتصلة بالسفر. وتصاعد العداء بين البلدين في 15 أبريل 1986 عندما قتل حوالي 40 شخصا ومن بينهم ابنة القذافي بالتبني "هنا" في غارات جوية شنها الطيران الأمريكى بناء على أوامر من الرئيس الأمريكي حينها رونالد ريجان على طرابلس وبنغازى بزعم تورط ليبيا في تفجير ملهى ليلي في برلين أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين وسيدة تركية وإصابة 230 آخرين. ولم تقف الاتهامات الأمريكية عند هذا الحد ، بل سارعت واشنطن إلى اتهام ليبيا بالتورط فى تفجير طائرة بان أمريكان فوق اسكتلندا فى ديسمبر عام 1988 التي أدت إلى مقتل 270 شخصا معظمهم من الأمريكيين ، وزادت المزاعم الأمريكية حول رعاية النظام الليبي للإرهاب وبعد 22 عاما من التوتر ، تحسنت العلاقات بين البلدين إثر الغزو الامريكى للعراق ، حيث وافقت ليبيا في أغسطس 2003 على طلب واشنطن المتكرر بتحمل مسئولية انفجار الطائرة الأمريكية فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية عام ثمانية وثمانين ودفع مبلغ 2,7 مليار دولار أمريكى كتعويضات لعائلات ضحايا الطائرة الأمريكية بقيمة عشرة ملايين دولار لكل عائلة من ذوي الضحايا وهو ما فتح الطريق أمام رفع العقوبات عنها وتجديد علاقاتها مع المجتمع الدولي. ورفع مجلس الأمن بالفعل في سبتمبر 2003 العقوبات التى فرضها على ليبيا في عام 1992 لرفضها تسليم المتهمين في قضية لوكيربى ، إلا أن واشنطن رفضت رفع العقوبات التي تفرضها على طرابلس بشكل منفرد ، حتى تنفذ ليبيا كافة شروطها وخاصة التخلى عن امتلاك برامج أسلحة الدمار الشامل . وكانت الأمم المتحدة قد فرضت عقوبات على ليبيا في أبريل 1992، وشددتها في نوفمبر 1993 لإرغام الزعيم الليبي معمر القذافي على تسليم المتهمين بتفجير لوكيربى ، وقد علقت هذه العقوبات (حظر جوي، وحظر على الأسلحة، وتجميد الحسابات الليبية) عند تسليم المتهمين الليبيين الأمين خليفة فحيمة وعبد الباسط المقراحى إلى القضاء الاسكتلندي في إبريل 1999. ووافقت ليبيا في 19 ديسمبر 2003 على إزالة برامج أسلحة الدمار الشامل والسماح بتفتيش دولى غير مشروط على منشآتها وقامت بتسليم معداتها النووية إلى أمريكا سرا . وبعد تلك الخطوات الإيجابية ، قام وفد من الكونجرس الأمريكى يضم أعضاء من الحزبين الجمهورى والديمقراطى بزيارة إلى ليبيا فى يناير 2004 تعد الأولى من نوعها منذ قطع العلاقات بين البلدين تلبية لدعوة من القيادة الليبية والتقى الوفد خلالها مع الزعيم الليبى العقيد معمر القذافى . وبدأ تطبيع العلاقات بين البلدين في يونيو عام 2004 حين افتتحت الولايات المتحدة مكتبا لرعاية مصالحها في طرابلس ، وأنهت واشنطن في سبتمبر 2005 حظرا تجاريا واسعا فرضته على ليبيا في عام 1986 . وللتأكيد على نمو علاقات الأعمال الأمريكية الليبية ، زارت أول بعثة تجارية أمريكية رسمية منذ سنوات طرابلس في فبراير 2010 وضم الوفد الأمريكي مديرين في شركات أمريكية كبيرة حريصة على دخول السوق الليبية