صفات جيدة كثيرة أُطلقت على شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوى منذ وفاته. فقد حدث ما هو معتاد عندما يرحل أحد الأعلام، إذ يتبارى الجميع فى الإشادة بمناقبه. ويشارك فى هذه «الحفلة» خصوم له يجدونها فرصة ليؤكدوا أو يزعموا أن خلافهم معه لم يكن شخصيا. وهم، في ذلك، يقصدون الإيحاء بحسن أخلاقهم عندما يشاركون فى الإشادة بمحاسنه.
ولكن صفة واحدة من بين هذه الصفات، التى أُطلقت على الراحل الكبير، غفر الله له، تعتبر صحيحة وهى أنه كان شجاعا لا يخشى نقدا يوجه ضده أو هجوما يُشن عليه مهما كانت حدة النقد أو ضراوة الهجوم.
أما الصفات الأخرى التى خُلعت عليه فلم يكن له فيها نصيب كبير، وخصوصاً ما قيل – ويقال – عن اجتهاده واستنارته واعتداله. والعلاقة وثيقة بين هذه الصفات الثلاث عندما يتعلق الأمر بعالم دين أصبح شيخاً للأزهر. فلم يكن الراحل العزيز فقيهاً متبحرا، ولم يقدم اجتهادات عميقة فى أى من القضايا المثيرة للجدل فى عصرنا هذا. ويعنى ذلك أنه لم يجدد فى لحظة تشتد فيها الحاجة إلى الاجتهاد.
لقد كان شيخنا الراحل مقَلداً فى الأغلب الأعم، وليس مجدداً، الأمر الذى ينفى عنه صفة الاجتهاد الخلاَّق. وهو، والحال هكذا، لا يعتبر مستنيراً أو معتدلاً بالمعنى الدينى – الفقهى، وإن اعتبره البعض كذلك على المستوى السياسى.
وهذا هو ما ينبغى أن ننتبه إليه. فقد يوصف هذا الشخص أو ذاك بأنه مستنير لمجرد تبنيه موقفا أو إدلائه برأى فى قضية عامة يجوز تصنيف الناس فيها إلى اتجاهات مختلفة. ولكن شيخ الأزهر ليس واحداً من عامة الناس كى نعتبره مستنيراً لا لشىء إلا لأنه أبدى رأياً فى قضية ما. فلا يمكن الحكم على استنارة من هم فى مستوى شيخ الأزهر إلا إذا قدموا اجتهادات جديدة حقاً. وفى هذه الحالة تكون المقارنة بينهم، وليس بين أحدهم وآخرين من عامة الناس.
وقل مثل ذلك عن صفة الاعتدال. فيكفى أن يكون أى مواطن بسيط معتدلاً لمجرد أنه ليس متطرفاً. ولكن مقام شيخ الأزهر لا يسمح بتصنيفه على هذا الأساس، وإنما حسب ما يقدمه من اجتهادات جديدة.
ولكن هذا لا يمنع أنه كان شجاعاً فى إعلان مواقفه والدفاع عنها ومواجهة المعترضين عليها. وقد يقال، هنا، إن المعارك التى بدت فيها شجاعته هذه إنما خاضها دفاعاً عن سلطة الدولة، وليس عن اقتناع حقيقى، غير أن هذا حكم قيمى لأننا لا نملك وسيلة للتحقق من نيته.
وليس صحيحاً، بهذه المناسبة، أنه لم يتخذ موقفاً واحداً اختلف فيه مع الدولة. ولكنها نادرة هذه المواقف مثل تأييده أن يكون اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب عندما قدم أحد النواب مشروع قانون بهذا المعنى فى مجلس الشعب فى دورته الماضية.
لقد كان رحمه الله مثيراً للجدل إلى أبعد مدى. ولكن بمنأى عن هذا الجدل، فقد حفلت تجربته بدروس صادمة ينبغى استيعابها إذا أردنا استعادة مكانة الأزهر التى فقدها ودوره الذى كان