يبدو واضحا من نشاط وزير التعليم الجديد د. أحمد زكى بدر أنه يريد أن يقدم صورة على قدرته على فرض الانضباط فى المدارس من خلال جولاته المختلفة فى المدارس الحكومية ومعاقبته لأغلب من قابلهم من المدرسين والمسئولين بسبب عدم انضباطهم فى أداء واجباتهم الوظيفية، بالطبع لا يمكن لأحد أن يشكك فى ضرورة عقاب أى مسئول أو مدرس يقصر فى أداء مهام وظيفته التى قبل أن يعمل فيها، ولكن من قال إن هذا الأسلوب الإعلامى الذى يتبعه وزير التعليم سوف يحقق إصلاح التعليم، ما الفائدة التى ستعود على التعليم عندما أنقل مدرسا من حلوان إلى الفيوم أو المنيا، هل نعاقب الطلاب فى الأماكن التى سينقل إليها المدرسون والمسئولون المعاقبون، وهل العقاب نفسه يخضع للقواعد القانونية المتبعة رسميا فى الوزارة، وهل لو قام هؤلاء المعاقبون برفع دعاوى بالقضاء الإدارى ضد هذا القرار وأعادتهم المحكمة وهو ما يحدث غالبا، هل سينفذ الوزير ما يقرره القضاء، وهل سيكون وقتها قد تحقق الانضباط فى المدارس.
بالتأكيد القضية أكبر وأخطر وأهم ولا يجب اختزالها فى جولات وزيارات وعقاب، التعليم فى أزمة حقيقية كبيرة، وكل شخص فى مصر لديه حد أدنى من الإمكانيات يبحث فورا عن تعليم خاص لأبنائه بعيدا عن مدارس الحكومة، وهذا هو الأساس فى بحث المشكلة ما الذى يجده الموطن فى مدرسة خاصة ولا يجده فى مدرسة حكومية، وما الذى يدفع المدرس لتقديم جهده وفكره بإخلاص فى المدارس الخاصة ولا يقدم نفس هذا الجهد للمدارس الحكومية.
قضى والدى أطال الله عمره أربعين عاما من عمره قبل خروجه للمعاش منذ عشر سنوات تقريبا فى العمل مدرسا، وبدأ حياته العملية فى منتصف الستينيات بعد تخرجه من معهد المعلمين، وكان راتبه الشهرى أثنى عشر جنيها، وقد مكنه هذا الراتب فى وقتها من أن يؤسس أسرة وبيتا ويتمكن من الوفاء بكافة التزاماته الحياتية دون حاجة لأن يحصل على دعم عائلى أو يضطر لتقسيم وقته بين المدرسة وجداول الدروس الخصوصية، بالطبع نسبة التضخم أهدرت قيمة الرواتب فى مصر وكانت العشرة جنيهات وقتها توازى ألف جنيها الآن، ولكن يبقى جوهر القصة وهو فى رأيى أن أساس المشكلة هو أجر المدرس فى مصر، المدرس الذى يحصل على عدة مئات من الجنيهات لا تكفيه وأسرته أسبوعا كيف سيتمكن من تقديم علمه للطلاب إذا كان أصلا لديه وقت ليطور من أدواته وثقافته فهو دائما يلهث وراء مصادر دخل متنوعة بحثا عن تأمين قوته وقوت أبنائه، الأساس بدلا من إهدار الوقت فى مسلسل الكادر الوهمى للمدرسين أن يحصل المعلم على ما يكفيه فعلا، وبعد ذلك نحاسبه بقوه، والمشكلة الجوهرية الأخرى هى مناهج التعليم ذاتها والإيقاع السريع للمعرفه والتكنولوجيا الحالى وغرس استخدام الكمبيوتر لدى الطلاب بشكل حقيقى كأداة للبحث والمعرفة، بالتأكيد هناك مشاكل أخرى كثيرة مرتبطة بالتكدس فى المدارس والمبانى المتهالكة ووهم مجانية التعليم الذى أرى أننا يجب أن نناقشه بدون حساسية وهو موضوع مقال آخر