على مدى أكثر من ساعة ظللت أعيد مشاهدة اللقطة التى ظهر فيها رئيس وزراء إيطاليا سلفيو بيرلسكونى وهو يقبل يد الزعيم الليبى معمر القذافى بعد أن ألقى الأول كلمته أمام قمة سرت العربية التى دعاها إليها القذافى.
اللقطة رغم أنها لم تظهر على أجهزة الإعلام المرئية أو المقروءة ولم تأخذ حقها، إلا أنها حملت فى نفسى عدة معان، فرئيس وزراء إيطاليا التى كانت منذ وقت ليس ببعيد محتلة للأراضى الليبية، يقبل يد القذافى الذى حرر تراب وطنه من الاحتلال الإيطالى.
هذه القبلة التى رسمها بيرلسكونى على يد القذافى، أعادت إلى ذهنى مجموعة من الانتصارات الدبلوماسية التى استطاعت الشقيقة ليبيا تحقيقها على مدى الشهور الماضية، لم تكن قبلة بيرلسكونى إلا جزء من سلسلة طويلة فيها، بدأتها الجماهيرية بانتزاع اعتذار من الحكومة الإيطالية عن فترة الاستعمار، قدمه بيرلسكونى معترفا بالضرر الذى ألحقته تلك الحقبة بهذا البلد، معلنا تقديم تعويضات تبلغ قيمتها خمسة مليارات دولار فى شكل استثمارات تشمل شق طريق سريع عبر ليبيا من الحدود التونسية إلى مصر، ومشروعا لإزالة ألغام ترجع إلى عهد الاستعمار الإيطالى لليبيا.
اعتذار بيرلسكونى لم يكن الأول، وإنما تبعه اعتذار أخر قدمه الرئيس السويسرى هانز رودولف ميريز للحكومة الليبية عن احتجاز هانيبال ابن الزعيم الليبى معمر القذافى لفترة وجيزة العام الماضى، وقال "نحن نعتذر عما حدث لهانيبال القذافى واتفق الجانبان على تشكيل لجنة لمناقشة المسألة"، حتى عندما أعلنت الحكومة السويسرية وقف إصدار تأشيرات الدخول لها لمجموعة من الدبلوماسيين والسياسيين الليبيين وعلى رأسهم القذافى، ردت طرابلس بإجراء مماثل بمنع منح تأشيرات الدخول للأراضى الليبية لرعايا الدول الأوربية عدا البريطانيين، إلى أن تدخل الاتحاد الأوروبى وقام منذ أسبوعين بإلغاء القائمة التى تضم أسماء مواطنين ليبيين ممنوعين من دخول منطقة شنجن الأوروبية.
سلسلة طويلة من الانتصارات أظنها تفتح شهية مواطن عربى مثلى للحديث بقلب مفتوح عما يكمن فى صدره، والمطالبة بأن تكون الانتصارات الليبية ممتدة الى كل البلدان العربية، فما المانع فى أن تتحرك الدول العربية بشكل جماعى لتطالب الدول الأوربية باعتذار رسمى عن فترة الاحتلال مثلما فعلت ليبيا مع إيطاليا، وأعتقد أن هذا الأمر ليس صعبا لسببين، الأول أن إيطاليا تستطيع من خلال وجودها الفاعل فى المجتمع الأوربى أن تساعدنا فى الضغط على الدول الأوربية لتقدم اعتذارها باعتبار أن إيطاليا صاحبة واقعة فى هذا الأمر، والثانى أن ليبيا التى تتولى رئاسة القمة العربية لمدة عام هى الطرف الآخر فى الاعتذار الإيطالى، وبالتالى فإن ليبيا بمقدورها بتحرك جماعى من مصر وبقية الدول العربية التى عانت من الاحتلال الأوربى أن تنتزع اعتذارا، فنحن لسنا أقل من اسرائيل التى لازالت "تذل" الألمان على محرقة الهولوكوست التى حولتها الى وثقية عار فى وجه ألمانيا إلى يوم الدين.
نعم أن ما حدث مع الجماهيرية هو جزء من الانتصار العربى، لكنه انتصار ناقص طالما أنه لم يشمل كل الدول العربية، لكى يتحول إلى انكسار أوربى أمام المواطن العربى الذى لا يجب أن يترك حقوقه تضيع حتى وإن مرت عليها السنوات.