قال الدكتور «أحمد فتحي سرور» ـ رئيس مجلس الشعب ـ إن العلاقة بين الإعلام والقضاء يجب أن تكون تكاملية، فهما متشابهان من حيث إن كلاً منهما سلطة مستقلة، فكل منهما ركن من أركان الديمقراطية التي لا تقوم بغير احترام الحقوق والحريات واستقلال القضاء، والأصل أنه لا يجوز أن ينشأ تناقض بين الاثنين حرصاً علي الحرية والعدالة وسيادة القانون.
وأشار «سرور» خلال محاضرة مطولة ألقاها اليوم الخميس ضمن وقائع مؤتمر «الإعلام والقضاء» والذي تستضيفه كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ويشارك فيه نادي القضاة إلي أن الإشكالية التي تثيرها حرية الإعلام بالنسبة للقضاء، أنها تبدو في مدي تأثير الإعلام في القضاء والتدخل في حسن سير العدالة أمام المحكمة، حيث يؤدي الإعلام دوره مستخدماً المانشيتات الصاخبة ويلجأ إلي أساليب لا تعرفها المحاكم بما يجعل من تلك المانشيتات المضللة خطراً قد يؤدي إلي الإساءة للمجني عليه أو أسرته أو التأثير في الشهود والمحكمة، كما أن النشر الغامض وغير المتوازن أو المبالغة يشكل خطراً علي سير العدالة عند نشر الوقائع القضائية سواء قبل المحاكمة أو أثناها.
وانتقد «سرور» تنصيب أجهزة الإعلام نفسها محكمة تستمع إلي الخصوم والشهود وتجمع الأدلة وتقيمها ثم تنشرها علي نحو يحمل علي الاعتقاد بإدانة المتهم أو براءته، وقال إن هذا المسلك من شأنه التأثير في الرأي العام الذي يقع في حيرة من أمره إذا ما أصدرت المحكمة حكماً لا يتفق مع ما انتهت إليه المحاكمة الإعلامية، وهي نتيجة تسيء للعدالة وتؤدي إلي زعزعة ثقة الرأي العام فيها، وتسيء للقضاة الذين يتحولون من سند للعدالة إلي مدانين في نظر الرأي العام، طالما لم تصدر أحكامهم وفقاً لما ذهبت إليه وسائل الإعلام، حتي أصبحت لدينا محكمتان، الأولي إعلامية والأخري قضائية وهذا لا يستقيم في دولة تقوم علي القانون.
وأوضح «سرور» أن الأحكام القضائية لا يجب أن تكون بعيدة عن التعليق، إنما يجب أن يتم التعليق بشكل قانوني ونقد موضوعي، وطالما أن النشر لم يمتد للتطاول علي القضاة أو المساس بهيبتهم، ولم يبتعد عن المعاني القانونية، وأن التعليق الأمين الحريص من شأنه أن يثري ولا يضر حتي ولو كان من وجهة نظر الكاتب الشخصية، موضحاً أن أعمال القاضي القضائية ليست بمنجاة من النقد الإعلامي أو العلمي طالما كانت بمقاييس القانون وتقاليد القضاء.
وأضاف رئيس مجلس الشعب: إن القانون المصري وضع ضوابط للتوازن بين حرية الإعلام وقيم القضاء، وحددها في خمسة ضوابط وهي: تجريم إهانة المحكمة أو الإخلال بمكانة القاضي والتي يعاقب عليها قانون العقوبات بموجب المادتين «133» و«186»، وكذلك تجريم التأثير في القضاء، حيث لا يجب أن تؤثر حرية الإعلام في التدخل في عمل القاضي، والحيلولة دون التجاوز في علانية الإجراءات القضائية حماية لقرينة البراءة والمصلحة العامة والحق في الحياة الخاصة.
وتابع «سرور»: إن قانون العقوبات حدد بعض الاستثناءات علي مبدأ العلانية ونص علي العقاب في بعض الحالات، منها حظر نشر موضوع الشكوي أو نشر الحكم في الدعاوي التي لا يجوز إقامة الدليل علي الأمور المدعي بها، وهذه الدعاوي تتعلق بجريمة القذف، وكذلك حظر القانون في المادة «191» عقوبات النشر بإحدي طرق العلانية ما جري في المداولات السرية بالمحاكم أو نشر بغير أمانة وبسوء قصد ما جري في الجلسات العلنية بالمحاكم.
وأشار «سرور» إلي أن الصحف ترتكب تجاوزات كثيرة في تغطيتها للقضايا أو الحوادث أو التحقيقات، مما يوقعها تحت طائلة القانون، وتحدث «سرور» للصحفيين والإعلاميين قائلاً: للحد من هذه التجاوزات «نفسي أشتغل مستشار قانوني للصحف عشان أقولهم إيه الصح اللي ينشروه وإيه اللي غلط اللي مينفعش يتنشر»، وداعب «سرور» الصحفيين قائلاً: «أنا قلبي عليكو شغلوني مستشار قانوني ولو ببلاش عندكم»، وتابع «سرور» للصحفيين: «أنا لما بقرأ الجرايد بشوف بلاوي كلها تقع تحت جرائم السب والقذف»، وضرب مثالاً بذلك بقضية «أحمد شوبير» و«مرتضي منصور» قائلاً: «شتيمة كل واحد فيهم للتاني مصيبة والمباراة التي جرت بينهما إمبارح علي القناة الفضائية توديهم النيابة ومعاهم الصحف اللي بتنشر الكلام ده».
ودعا «سرور» إلي ضرورة الإسراع بخروج مشروع أكاديمية القضاء إلي النور، والذي كان مقدماً منذ أيام المستشار «فاروق سيف النصر» ـ وزير العدل الأسبق ـ وقال: إن التأخير في إنشاء هذه الأكاديمية الموجودة في جميع بلاد العالم يضر بحسن سير العدالة في مصر.
من جهته قال الدكتور «مصطفي الفقي» ـ رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب ـ إن الإعلام لابد أن يكون حذراً في نشر أي مواد تتعلق بأمور القضاء، ونحن نؤمن بشدة بدور الإعلام وأهميته، ولكن مع ذلك نقف ضد التجاوزات والمشاحنات والعمليات المنظمة من جانب بعض الإعلاميين في شحن الرأي العام، وبالتالي توجيهه بالتعاطف مع طرف ضد الطرف الآخر، ودعا «الفقي» إلي تأسيس أكاديمية لتدريب الصحفيين علي أصول مهنة الصحافة، وقال: إن معظم الصحفيين ينشرون بعض الأخبار دون الاستناد لمعلومات صحيحة.
ومن ناحية أخري قال «الفقي» إنه علي القضاة أن يؤمنوا بشكل حقيقي أنهم أصحاب مقام رفيع ويجب ألا يتلونوا بالتيارات السياسية، منتقداً خوض القضاة العمل السياسي ونزولهم إلي الشارع، مؤكداً أن ذلك قلل من هيبة القاضي، كما تحفظ «الفقي» علي إشراف القضاة علي الانتخابات وقال: إن إشراف القضاة علي الانتخابات مس هيبتهم وجعل القضاة يوجهون اتهامات لبعضهم البعض بالتزوير.
ودعا «كرم جبر» ـ رئيس مجلس إدارة روزاليوسف ـ إلي إقامة علاقة جديدة بين القضاة والإعلام، موجهاً طلباً إلي رئيس نادي القضاة المستشار «أحمد الزند» بتبني مشروع قانون يضعه النادي لتحديد العلاقة بين القضاة والإعلام، ووضع ضوابط وشروط لكيفية التغطية الإعلامية بكل ما يتعلق بالسلطة القضائية، وقال «جبر»: إن الولايات المتحدة أكثر البلاد حرية لا تسمح بدخول الكاميرات إلي قاعات المحاكم كما يحدث في مصر.
وتابع «جبر»: إن القضاة سواء في نادي القضاة أو مجلس الدولة بدأوا يتخلصون من المظاهر الكثيرة التي استهدفت توريط القضاة في السياسة والظهور في الفضائيات، مضيفاً: إن الفوضي التي عمت في الآونة الأخيرة يتحمل جزءاً منها القضاة أنفسهم.
وعقب المستشار «أحمد الزند» ـ رئيس نادي القضاة ـ علي كلام «كرم جبر» قائلاً: إن هناك حركة تصحيحية حدثت بنادي القضاة بعد الانتخابات الأخيرة، وهي حركة تمت بإرادة القضاة، لأن الخارجين عن الصف قلة، وأضاف أنه منذ حركة التصحيح بالنادي وهناك صحف لا تكف عن مهاجمتهم.