كما كان متوقعا لم ينجح مؤتمر دول حوض النيل الذى انتهى أمس فى شرم الشيخ فى الوصول إلى نتيجة وحل للأزمات المتزايدة بين دول الحوض التى يربط بينها نهر النيل، دول حوض النيل عددها عشر دول وتنقسم لفريقين فريق يضم مصر والسودان وهى دول المصب، وفريق آخر يضم دول المنبع هى بوروندى ورواندا وتنزانيا وكينيا والكونغو وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا، ومنذ سنوات بدأت الفجوة تتسع بين الفريقين بسبب رغبة دول المنبع فى أن تحقق استفادة أكبر من مياه نهر النيل التى تنبع فى أراضيها وتستفيد منها دول أخرى لا تستحق من وجهة نظرها هى مصر والسودان.
ومنذ عام 1959 عندما وقعت مصر اتفاقية مع السودان تضمن لهما كمية من المياه تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب سنويا لمصر، و18.5 مليارا للسودان استقرت الأمور لسنوات طويلة وخاصة فى فترة الستينات التى كانت مصر تهتم فيها بإفريقيا، وتضع علاقتها مع دول حوض النيل على رأس اهتماماتها الأساسية، وللأسف الشديد خلال فترة السبعينات وما تلاها من اهتمام بالحرب والسلام خف الاهتمام المصرى بدول حوض النيل، فى الوقت الذى بدأت فيه هذه الدول التى تعانى اقتصاديا بشدة وتعيش فى مستويات متدنية أن تبحث عن أى فرص لاستغلال مياه الأمطار الكبيرة التى تتدفق عليها سنويا، وقد وجدت هذه الدول ما تبحث عنه فى الدعم المباشر وغير المباشر الذى بدأت تقدمه لها دول مثل إسرائيل وأمريكا والصين، وهو ما جعل دول المنبع تبدأ تدريجيا فى رفض حصول مصر والسودان على هذه الحصة من المياه، ثم بدأت دول حوض النيل بمساعدة الدول الغربية فى دراسة إنشاء سدود على منابع نهر النيل لمحاولة تحقيق أكبر استفادة وقد بدأت بشائر هذه الخطوات فى إنشاء سد تكيزى فى إثيوبيا وافتتح قبل عدة أشهر، وما سيتبعه من خطط لإنشاء عشرة سدود خلال العشرين عاما القادمة.
جمعتنى قبل أيام مناقشة مع خبراء متخصصين فى دول حوض النيل، وكانت المناقشة جادة ومقلقة، حيث أكد لى الخبراء أنه حتى الآن المشكلة قد لا تبدو مخيفة، ولكنها مع السنوات القليلة المقبلة ستتحول لمشكلة كبيرة فعلا، لأن هناك أياد تعبث فى هذه المنطقة فى ظل غياب مصرى لسنوات عن الساحة.
والحل فى نظر الخبراء والمتخصصين أن تعود مصر لأفريقيا وتخصص جانبا كبيرا من جهدها السياسى والاقتصادى والثقافى للتعاون مع هذه الدول، وتعود لإرسال البعثات فى المجالات المختلفة، وتفتتح الشركات والجامعات، وتخصص أسابيع ثقافية لهذه الدول، وتفتح أبوابها لاستقبال صناع القرار فى هذه الدول، وحتى لو كان ذلك فسوف يثقل كاهل الاقتصاد المصرى بمزيد من الأعباء حالياـ إلا أنه بالتأكيد سيحمى الأجيال المقبلة من كارثة محققة وهى انحسار حصة مصر من نهر النيل.