لم أجد وجهاً للمقارنة بين متوسط دخل المواطن الإسبانى، ومتوسط دخل المواطن فى مصر، فالأول عشرون ضعف الثانى تقريباً، وربما أكثر قليلاً، وأرجو ألا يطلع علينا أحد لينصحنا بأن نختار دولة على قدنا، لنقارن أنفسنا بها لأنه فى حقيقة الأمر لا يوجد سبب معقول يجعل متوسط دخل المواطن هنا فى حدود واحد على عشرين مثيله هناك، وإذا كان هناك سبب لهذا التفاوت الهائل، بينهم هناك وبيننا هنا، فهو سوء إدارة موارد الدولة عندنا، ولا سبب آخر سواه يمكن أن ينطلى على العقل!
وبما أن هذه هى المشكلة التى أعرفها، وتعرفها أنت، فالطبيعى أن تسألنى عن الحل، لأن مشاكلنا دوماً معروفة بل ومحفوظة لنا جميعاً، ليبقى البحث عن حل عملى هو التحدى الحقيقى فى النهاية لكل من يتصدى لها!
وقد ظللت، وأنا هناك طوال الأيام الماضية، أبحث عن حل إلى أن قرأت أن نظام الحكم فى إسبانيا ملكى برلمانى، وأن الملك هو رمز وحدة وبقاء الدولة، وهو الممثل الأعلى لها فى العلاقات الخارجية والقائد العام للقوات المسلحة، ولكن منصبه فخرى، ورئيس الوزراء هو الحاكم الفعلى للبلاد!
إلى هنا نتوقف لنقول إن هذا هو الحل الذى نبحث عنه مع رفع كلمة ملكى، ووضع كلمة رئاسى مكانها، ومع رفع كلمة «الملك» ووضع «الرئيس» فى محلها، ليكتمل السياق بعد ذلك، ثم يكون هذا هو الحل الذى يمكن أن يؤدى، خلال فترة قصيرة، إلى وصول متوسط دخل المواطن لدينا إلى مستوى مثيله هناك أو اقترابه منه على الأقل!
وسوف تقول: كيف؟!.. وسوف أقول إن «الوفد» كان قد انقطع صوته، من طول الدعوة إلى أن يكون نظام الحكم فى البلد، نظاماً رئاسياً برلمانياً، وهو كلام موجود فى برنامج الحزب الذى لا يمل من الدعوة إليه فى كل موقف يجده مناسباً.
وسوف تعود وتقول: وما علاقة أن يكون نظام الحكم رئاسياً برلمانياً، وبين ارتفاع متوسط دخل المواطن؟!.. وسوف يكون الجواب أن نظام حكم من هذا النوع، يجعل رئيس الوزراء مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن سياسة حكومته، وعن إدارته لموارد البلد أمام البرلمان، وليس أمام الرئيس، كما هو الحال الآن، بحيث إذا أحس البرلمان، فى أى وقت، بأن رئيس الحكومة قد قصّر فى إدارته لموارد بلده، أو أساء توزيع الدخل بين المواطنين فإنه، أى البرلمان، يسحب الثقة من رئيس الوزراء على الفور، وقبل سحب الثقة سوف يكون قد أخضعه لمساءلة حقيقية، عما فعله طوال وجوده على رأس الحكومة!
ومن طبيعة مساءلة كهذه، أن تؤدى تلقائياً إلى أن يتجه كل قرش من المال العام إلى مكانه الصحيح، فإذا لم يحدث كان هناك حساب، وكانت هناك مساءلة لا تتلكأ ولا تتباطأ!
الآن.. الوضع معكوس، لأن رئيس الوزراء مسؤول مسؤولية شكلية أمام البرلمان، ولكن مسؤوليته الفعلية تظل أمام الرئيس، بدليل أنه لم يحدث من قبل أن اجترأ البرلمان على سحب الثقة من رئيس الوزراء، ولا حتى من أحد الوزراء، وإنما يأتى سحب الثقة فى صورة الإقالة من الرئيس دائماً حين لا يرضى عن الحكومة، وهو وضع مقلوب، فضلاً عن أنه يضع الذين يريدون انتقاد رئيس الحكومة انتقاداً حقيقياً فى حرج بالغ، لأنهم يعلمون أن الانتقاد، ثم المحاسبة البرلمانية فى حالة تقصير الحكومة، يجب أن تتوجه - والحال هكذا - إلى الرئيس، لا إلى رئيس الوزراء!!
فكيف يمكن أن نفعل ذلك مع الرئيس، ونحن نعلم أنه رمز الدولة، وأن الرمز يجب ألا يتعرض لما يسىء إليه؟!
فسفقو ايها العمال للرئيس فى عيد العمال المشكلة معروفة.. والحل أيضاً معروف، وكل ما نفعله، الآن، إنما هو دوران حول المشكلة وليس اقتحاماً له ا!