الحكومة بتعريفها هى جهة الإدارة لشئون المجتمع وشئون مجتمعنا بشهادتنا جميعاً هى غير منضبطة بل عشوائية. السؤال هنا هو لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحال. ما لم نجاوب على هذا السؤال بعمق وتجرد لن نصل أبداً إلى بداية طريق النهضة.
إذا أمعنا النظر نجد الحكومة فاقدة لأدواتها إلى حد كبير فى ظل غياب عدة عناصر مهمة للنجاح. إن غياب المنظومة الإدارية الحديثة التى تبنى على الموظف الكفء الجاد الذى هو الجندى فى هذه المنظومة لهو مؤثر على أى فرص لنجاح الإدارة. لا تأتى كفاءة هذا الموظف من فراغ وإنما تنبنى على تعليم متميز تلقاه فغرس فيه القدرة على التفكير المنهجى بالإضافة لمجموعة القيم السليمة فى العمل والحياة. تبرز كفاءة هذا الموظف أيضاً فى ظل مناخ إدارى حديث ومنضبط يوصف له وظيفته ويدربه عليها ثم يراقبه ويقيمه ويطبق عليه بشفافية سياسية الثوا ب والعقاب كل ذلك فى ظل أجر يكفيه ويتناسب مع وظيفته، سيبقى الحال على ما هو عليه طالما بقيت نوعية هذا الجندى الكفء الجاد هى الأقلية فى جيش موظفى الحكومة المترهل وطالما لم نجد الطريقة التى تعطى لهؤلاء الموظفين المتميزين حقهم، قد يكون ذلك بالتصفية التدريجية لهذا الجيش المترهل سواء بالتدريب التحويلى أو بفتح باب القروض للمشروعات المتناهية الصغر ودعمها فنياً ثم استخدام الفائض فى المرتبات كموارد للكادر المالى الجديد للأكفاء من موظفى الحكومة.
لا شك أننا نحتاج للقيام بثورة جذرية لتحديث الإدارة وتطوير التعليم. إن رئيس الوزراء هو قائد ذلك الجيش المترهل من الموظفين وهو رأس السلطة التنفيذية وهو الذى يُسأل أمام البرلمان وبالرغم من ذلك لا نستطيع أن نطلب منه الإبداع والجذرية فى الإصلاح طالما يعمل رئيس الوزراء بسلطة منقوصة فى ظل غياب الإصلاح السياسى ونظام لا يعرف بالرئاسى ولا بالبرلمانى ولكنه نظام تم توفيقه لصالح تمديد سلطات رئيس الدولة، وفى الوقت نفسه إبعاده عن صداع المساءلة فيما يختص بمسئوليته عن صلاحياته التى يتدخل بها فى كل شىء وطالما تعلقت عينا رئيس الوزراء بردود أفعال الرئيس وأذناه بما يقول ويظن ستظل قدراته على الإبداع والتغيير محدودة، ومن ثم ستظل مساءلته وإمكانية سحب الثقة منه فى البرلمان مساءلة شكلية، وطالما بقى الهم الأكبر هو إبقاء قبضة الرئيس على كل خيوط الحركة فى مصر ولم يصبح أكبر همنا هو كيف نطلق الحركة لكل مسئول مبدع ثم نحاسبه على مسئوليته بعد ذلك لن يتغير الحال عما هو عليه، وطالما منعنا قيام نظام انتخابى نزيه وشفاف ينتخب الشعب بمقتضاه كل حكامه بدءاً من عمدة أصغر قرية مروراً برؤساء المدن والمحافظين ووصولاً لرئيس الجمهورية لن يحسب هؤلاء بقبضة الشعب الرقابية عليهم وهو المتلقى لخدمتهم، وما لم يكن ولاء كل من يحكم صغيراً كان أم كبيراً هو للشعب وحده صاحب الكلمة فى الاختيار سيبقى الحال على ما هو عليه.
إن النهضة لا تأتى من فراغ ولكن تأتى لأننا وفرنا الوسائل التى تؤسس لها وهى الإصلاح الجذرى للتعليم والالتزام الجاد بتطبيق المنظومة الإدارية الحديثة تحت مظلة من الإصلاح السياسى والديمقراطية الشفافة التى تحكم رقابة الشعب وتضمن إحساسه بالمشاركة فى إحداث هذه النهضة بل وتحمسه لها.
إن مصر تحتاج لتغيير جذرى.