لماذا لم يكتب أحد شيئا عن طلب القيادة السياسية من البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية وبابا الأسكندرية القيام بدور فى حل أزمة مياه النيل؟.. هكذا تساءل أحد القراء أمس فى تعليقه على مقال "أختلف مع القراء"، ورغم أنه سارع بعد ذلك بإلقاء الاتهامات على الكتاب والصحفيين لإغفال هذا الدور، فإن معه بعض الحق فى التساؤل عن سر التجاهل.
والحقيقة أن أزمة مياه النيل ليست قضية سياسية فقط، وإنما هى موضوع حياة أو موت بالنسبة لكل المصريين، بمختلف انتماءاتهم، لذلك ليس غريبا أن تطلب القيادة السياسية من البابا التدخل بما له من نفوذ ومن سلطة روحية لدى الأثيوبيين حيث كانت الكنيسة الأثيوبية تابعة للكنيسة المصرية قبل انفصالها عنها، لكن ذلك لا يمنع أن كنيستنا لا يزال لها سلطة روحية ودور يمكن أن تلعبه فى هذه الأزمة.
وما يقال على الكنيسة ينطبق أيضا على الأزهر، فهذه المؤسسة الدينية لها مبعوثين وخطباء وأئمة مساجد فى كل بلدان أفريقية تقريبا، ويفترض أن يلعبوا دورا فى التقريب بين الشعوب الأفريقية ومصر إلى جانب مهامهم الدينية الخالصة.
وقد روى سفير مصرى فى أفريقيا للزميلة الصحفية فى روزاليوسف ولاء حسين كيف أن إمام مسجد تابع للأزهر كان يخطب خطبة الجمعة، وخصصها للحديث عن خصال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، فظل يتحدث عن بياض بشرته، وعن الصحابة أصحاب البشرة البضاء، وحرص السفير على لقاء الشيخ بعد الصلاة ولفت انتباهه إلى أنه فى قارة سمراء!
ومن يتابع جذور أزمة جنوب السودان جيدا سيجد أن أحد أبرز أسبابها الدور الذى لعبته الكنائس الغربية فى الجنوب، بالتوازى مع قانون المناطق المغلقة الذى استنه الاحتلال وبموجبه منع الشماليين من زيارة الجنوب إلا بإذن من الحاكم البيرطانى.. وهذا يعنى أن الدين يلعب دورا كبيرا فى حياة الشعوب وتوجهاتها السياسية وفى التأثير على الرأى العام.
وفى قضية مثل مياه النيل تحتاج مصر لكل أسلحتها وأوراق قوتها ومنها الكنيسة والأزهر، وللأخ الذى هاجم الكتاب الذين لم يشيروا إلى دور البابا الحالى والسابق فى أفريقيا، فإننى أحب طمأنة الصديق العزيز الذى كتب هذا التعليق، فوساطة البابا أمر طبيعى، والبابا شنودة الثالث ليس فقط زعيم دينى وإنما هو زعيم وطنى له مواقفه الوطنية التى يفخر بها كل المصريين وعلى رأسها رفضه زيارة القدس إلا بعد تحريرها ومع شيخ الأزهر يد بيد.