كل منا يسعى لتحقيق ذاته في المجال الذي يناسبه ويتلاءم مع صفاته وسلوكياته وامكاناته ويتوافق أيضاً مع عادات وتقاليد مجتمعه، وعلى المجتمع ألا يقف عائقا أمام المرء في تحقيق ذاته بل عليه أن يساعده في ذلك المسعى، ويزداد الاصرار على تحقيق الذات لدى الشباب، وبدون ذلك الاصرار لا يستطيع الانسان الوصول الى ما يريد. وهناك فئات في المجمع يكون لهم وضع خاص في طبيعة عملهم وصفاتهم، وأيضاً طول قامتهم وملامحهم، ومن هؤلاء الفئة التي نلقي اليوم الضوء عليها وهم الأقزام التسعة الذين استطاعوا تحدي المجتمع وتغيير نظرته اليهم، وأيضاً استطاعوا أن يكونوا جزيرة خاصة بهم أطلقوا عليها «جزيرة الأقزام»، «الامة » التقت الأقزام التسعة الذين ساعدهم مواطن مصري رق قلبه لهم وحاول مساعدتهم بتوفير فرص عمل لهم، عندما تشاهدهم وهم يعملون يشعر المرء بأنهم مثل خلية النحل في النشاط وحب العمل، فهم بالفعل اذا ساعدهم المجتمع في وجود فرص سوف يعطون أكثر من الأسوياء، وباستطاعتهم اثبات نجاحهم في مجالات العمل.. والى جزيرة الأقزام وحوار الأقزام التسعة الذين يديرون أول مقهى للأقزام في مصر.
وكان لقاؤنا الأول مع صاحب المقهى وهو «باسم محمد» وبسؤاله لماذا فكرت في عمل مقهى للأقزام؟
كثيراً ما يوجه لي هذا السؤال من العديد من أصدقائي وأهلي وغيرهم يسألوني وفكرة المقهى نفذتها لمساعدة هذه الفئة التي تحتاج للمساعدة الحقيقية لأنهم مهمشون من جانب المجتمع ولا يهتم بهم أي شخص، ويتم توجيه الكثير من أوجه المساعدة للشباب ومساعدة الأيتام وغيرهم ممن تنالهم الرعاية الا فئة الأقزام، فلا يوجد أحد يتحدث عنهم أو يساعدهم ويقترب منهم لمعرفة المصاعب التي تواجههم وما يتعرضون اليه من مشاكل في التعامل مع الآخرين فيفضلون الجلوس داخل منازلهم لا يحركون ساكناً وهم لا ينقصهم الحماس والقوة لتحقيق ذاتهم لكنهم مهملون، وأنا أعمل مرشداً سياحياً وقد حدث معي موقف تأثرت به جداً عندما شاهدت قزماً في الشارع تعرض للاهانة من بعض المستهترين، حيث ضربوه بقسوة، فشعرت بالحزن والأسى لقسوت تعامل هؤلاء المستهترين مع ذلك المسكين، وهنا بدأت أفكر كيف أساعدهم خاصة أنهم ليس لهم أي جهة تدعمهم أو تبحث عن حقوقهم، ففكرت في عمل مقهى خاص بهم فقط آملاً أن يسهم ذلك المشروع في وجود فرصة عمل يعيشون منها.
جزيرة الأقزام
لماذا سميت المقهى جزيرة الأقزام؟
فقد حرصت على أن يعبر المقهى عنهم والعديد من الناس يحضرون للمقهى لحبهم للتعامل معهم فهم طيبون جداً، ويتعاملون مع الزبائن بحب ومودة واحترام شديد، وأثبتوا نجاحهم بالفعل في العمل معي.
كم عددهم؟
تسعة أفراد منهم بنتان وستة أولاد.
هل جميعهم من القاهرة؟
لا منهم من القاهرة وآخرون من الاسكندرية والشرقية.
كيف جمعتهم؟
تعرفت على واحد منهم فقط استطاع أن يجمع لي الآخرين وكونوا فريق عمل فيما بينهم.
مشروع ناجح
هل كنت واثقاً من نجاح المشروع؟
نعم كنت واثقاً من النجاح، وهو مشروع ناجح من الناحيتين العملية والانسانية.
ما ردود فعل الناس عند دخولهم المقهى ويجدون كل العاملين أقزاماً؟
هناك روح طيبة جداً من الناس في التعامل معهم ومصاحبتهم، وهناك من يحضر من الزبائن بصفة دائمة من أجلهم ومجموعة الأقزام قلوبهم طيبة ويسعدون بحب الناس لهم، ويبادلونهم ذلك الحب.
هل واجهت صعوبات في تدريبهم على التعامل مع الزبائن؟
بالفعل واجهت صعوبات عديدة فهم بطبيعتهم أصبحوا انطوائيين لأنهم تعودوا على بعد الآخرين عنهم، ولكن طبيعة عملهم عند التعامل مع الزبائن في المقهى تحتاج منهم أن يكونوا اجتماعيين ومتقاربين من الناس، لذلك كنت أدربهم على التقارب والتعامل الجيد مع رواد المقهى، وكيفية تقديم الطلبات للزبائن وكيفية معرفة طلبات الزبون.
هل الهدف الحقيقي للمقهى تجاري؟
أقولها بصراحة، ليس هو الهدف الحقيقي لأن المكسب يغطي رواتبهم فقط.
ما رواتبهم الشهرية؟
تزيد على 600 جنيه لأنهم ليسوا متساويين في الراتب، لأن منهم من يأخذ ورديتين عمل ومنهم من يعمل وردية واحدة.، وقد وفرت غرفة خاصة من أجل المغتربين لأنهم ليس لهم مأوى بالقاهرة.
هل تفكر في عمل مشاريع أخرى لهم؟
نعم أسعى لعمل نقابة أو رابطة أو جمعية خاصة بهم فهم يمثلون 5 في المئة من سكان مصر، ويجب أن نساعدهم كثيراً على كسر حالة الخوف التي يشعرون بها عندما يختلطون بالناس وهذا يدفعهم للعودة للمكوث في المنزل دون التفكير في الخروج.
ما رد فعلهم عند حدوث مشكلة بينهم وبين الزبون؟
انني دائم التواجد معهم وهم حسنو السلوك، ويبلغوني بأي شيء وأتدارك الموقف دون حدوث مشكلة أو التقليل من شأنهم.
هل لك أصدقاء من فئة الأقزام؟
نعم لي صديق قريب مني جداً قزم وقد عايشته وكنت قريباً منه وهو يواجه مصاعب وسخرية الآخرين وكان ذلك بداية شعوري بمعاناتهم.
تجهيزات خاصة
هل المقهى مجهز بالامكانات التي تساعدهم على العمل؟
نعم فالمقهى به طاولات صغيرة الحجم وقريبة من الأرض، وأيضاً الأدوات التي يحملونها من أجل تقديم المشروبات، حيث يكون حجمها مناسباً لصغر أيديهم، بالاضافة الى الكراسي القريبة من الأرض أيضاً وليست مرتفعة عن قاماتهم التي تصل الى 85 سم فقط.
وتركنا صاحب المقهى الذي نجح في أن يبحث للأقزام عن فرصة للعمل والوجود بين الآخرين من دون سخرية، وانتقلنا الى الحديث مع الأقزام التسعة أثناء تقديمهم الطلبات للزبون، فوجدنا «هبة» هي الرئيسة الأساسية لأنها تجلس على جهاز الكمبيوتر لتخرج الطلب بالمشروب، وتقول هبة: تخرجت من الجامعة ووجدت نفسي ليس لي مكان آخر سوى البيت لكنني فوجئت بأن زملائي من الأقزام يبحثون عني للعمل بهذا المقهى فسعدت جداً، وكانت هذه فرصة جيدة جداً لي من أجل الخروج وسط الناس وأحصل على فرصة عمل مناسبة.
هل رفض أهلك خروجك للعمل خوفاً عليك؟
لا اطلاقاً فهم كانوا سعداء لخروجي للعمل وشجعوني على ذلك.
هل بقية أشقائك أقزام؟
لا أنا الوحيدة بين اخوتي.
مواجهة الصعوبات
هل تواجهك صعوبات في العمل؟
لا، الحمد لله صاحب المقهى يحسن معاملتنا، والناس يكونون سعداء جداً عند تعاملهم معنا وهذا يجعلنا نتفاءل بامكانية حصولنا على حقنا كمصريين. وبلقاء «رضا» يقول: حصلت على دبلوم صنايع ولم أجد فرصة عمل سوى أنني وجدت مقهى بمدينة نصر فعملت به كاشيراً، حيث أحب مجال المقاهي بالاضافة الى أنني عملت في احدى الفرق المسرحية أيضاً ونجحت بها أنا وأصدقائي، وأنا من محافظة الشرقية وأقيم في الغرفة المخصصة لنا بمقهى المغتربين.
هل تواجهك صعوبات في التعامل مع الزبون؟
لا، فأنا أصاحبهم.
هل أنت متزوج أم تعول أسرة؟
لا, لكنني لي حقوق مثلي مثل أي انسان، ومن حقي أن أعمل وأخرج وأبدي رأيي واعترض أيضاً، وهذا المقهى بداية للفرصة الحقيقية للعمل، وأتمنى أن تقام مشاريع تنظر الينا ولا تتجاهلنا.
«محمد المصري»: تخرجت في كلية اعلام بتقدير جيد جداً وكنت مجتهداً جداً في الثانوية العامة وكنت الأول على زملائي في الدراسة، ولكن شاء القدر أن أتخرج من الجامعة وأجلس في البيت، وكان ذلك صعباً جداً على نفسي، خاصة أنني الوحيد في أخوتي الذي ولدت قزماً فكان والدي ووالدتي يخافان من خروجي، لكنهما شجعا عملي جداً، وأنا سعيد بهذه الفرصة وأقدم المشروبات والمأكولات في المقهى وأحلم بأن أكون مذيعاً أعرض مشاكل وآلام الأقزام خاصة أنني خريج اعلام بتقدير عال كما ذكرت، وأنا أحزن واشعر بالضيق من سخرية الناس منا في الشارع، وغيره من الأماكن، ويجب أن تمحى هذه النظرة، ونحن نحاول ذلك بقربنا من الناس انسانياً، ونحن نفكر جيداً ولنا عقل مثل الآخرين، ولا ينقصنا شيء سوى أن جسمنا نحيل وقصار القامة.
سلطان الشيشة
أما «عبد الرحمن ابراهيم» وهو معروف بسلطان الشيشة فيقول: لم أكمل تعليمي وواجهت العديد من الصعوبات لسخرية الناس مني، وكنت لا أصدق أن هناك شخصاً يريد مساعدتنا ووفر لنا فرصة عمل بالفعل، وقد عانيت سنوات عدة داخل غرفة مغلقة للبعد عن الناس.
أما «هالة» فتقول: حضرت من بلدي بمحافظة الاسكندرية من أجل العمل في مقهى الأقزام وأنا حاصلة على دبلوم ولا أجد صعوبة خاصة أن المقهى به كل الشروط المناسبة للتعامل معي كقزمة في حمل الطاولات وأحجامها تناسبنا، والفرصة أتت إليّ عن طريق تجمعي مع أصدقائي في المسرح وسمعت عن هذا المقهى وكان لي نصيب بالعمل فيه، وأهلي سعداء بهذه التجربة لأنني في حاجة ماسة للعمل لمساعدتهم.
وأخيراً التقينا «محمد عزوز» المعروف ببوجي وقال : شجعني والدي على العمل وخوض التجربة على الرغم من خوفي الشديد، ورغم هذا الخوف كان بداخلي رغبة شديدة لأن أعمل وأعتمد على نفسي، وكانت هذه فرصة حقيقية لتحقيق ذاتي ونجحت بحمد الله، ووالدي وأسرتي سعداء جداً بها، وأتمنى فقط أن نحصل جميعنا على حقوقنا دون تجاهل أو سخرية من الآخرين.