هل تملك أمريكا مقومات وقف دفاعها المستميت عن إسرائيل، لو واصل نتنياهو غطرسته وعنصريته الإحتلالية؟
كلنا كان يعرف أن هزلية البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن في الأول من شهر يونية الحالي، جاءت نتيجة ممارسة الدبلوماسية الأمريكية لدورها العتيد في الدفاع عن أساليب إسرائيل العنصرية لحل مشاكلها حتى في عرض البحار.. وكلنا كان يعرف أن رفض الرئيس أوباما لإجراء تحقيق دولي والاكتفاء بآخر داخلي يتولاه من ارتكب جريمة قتل تسعة مدنيين، هو نوع من الرضوخ لدواعي انتخابات التجديد النصفي للكونجرس بعد اقل من خمسة أشهر.. وكلنا كان علي يقين أن دعوة التهدئة والتحريض علي إعمال العقل التى تناقلتها عواصم أوربية عدة، مالت إلي هذا التوجه بعد أن طالبت واشنطن جميع الأطراف لأت تتحلي بالصبر وهدوء الأعصاب!
الإدارة الأمريكية لم ترفع من شأن توصية مجلس حقوق الإنسان " بتشكيل لجنة دولية للتحقيق " وأيدت إصرار نتنياهو علي إجراء تحقيق داخلي بحجة أن إسرائيل " بديها ما يكفي من الخبراء والقانونين " ولكنها نسيت أن العديد من اللجان المماثلة التى تشكلت من قبل لم يكن لديها الضمير الذي فرض علي الرأي العام العالمي أن يثق في شفافيته ونقاؤه.. ولم تتحمس لدعوة بان كي مون سكرتير عام الأمم المتحدة الذي طالب " بالإنهاء الفوري لحصار إسرائيل لقطاع غزة "، وفضلت التريث وتبادل الرأي مع أصدقائها وحلفائها حول الشكل الأمثل لوضع حد لهذا الحصار " لضمان أمن إسرائيل "..
أساءت واشنطن إلي نفسها وسمعتها، بينما كانت الفرصة متاحة أمامها بلا سقف لكي تواصل التخلص من الإرث الذي تركه الرئيس جورج بوش الابن وارءه حين ترك البيت الأبيض يوم 20 يناير 2009.. ورجعت بمحاولات تحسين صورتها لدي شعوب العالم الإسلامي إلي الوراء عدة خطوات.. وأثبتت المراجعات لما طرحه الرئيس أوباما من داخل حرم جامعة القاهرة منذ عام، أنه غير قادر علي مواصلة مسيرة دعم الإستقرار والأمن في المنطقة علي قواعد من العدل والشفافية، إلي الدرجة التى جعلته يرفض في مقابلة مع شبكة CNN ( 3 يونية ) أن يدين صراحة هجوم القوات العسكرية علي السفينة مرمرة يوم 31 مايو " قبل أن تتضح الوقائع ".. وأن يكتفي بوصف الوضع بأنه " مأسوي " ويؤكد " الحاجة لإستغلال الحدث " لتسريع جهود السلام!
هل إستكثر الرئيس الأمريكي أن يَستغل أبعاد الجريمة الدولية التى إرتكبتها إسرائيل لكي يفرض رؤية تدعمها غالبية عواصم صنع القرار في دول الغرب تحديداً، تتمحور حول التأسيس لسلام عادل وشامل في المنطقة !!.. هل غم عليه أن يستثمر الزخم العالمي المناصر لوضع حد للإحتلال العنصري المفروض علي الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، لكي يناصر المواقف الدولية التى تنادي برفع الحصار الفوري عنه!
ألم يرد إلي سمع الرئيس ومستشاريه أن صحيفة الديلي تلجراف وصفت في الأول من يونية رئيس وزراء إسرائيل بانه " مُزعج " وأن موافقته علي إقتحام السفينة ( مرمرة ) عنوة دفعته – علي حد قولها - لإلغاء زيارته إلي البيت الابيض " خوفا من ان يتعرض للتوبيخ علي يديه ".. لم يقل له أحدهم أن صحيفة الإندبندنت فضحت – في نفس اليوم – سياسات الغرب المهادنة لإسرائيل وقالت تحت عنوان " قادة الغرب أجبن من أن يساعدوا علي إنقاذ الأرواح "، وأكدت أن إستمرار التنديد فقط " لن يُحقق الأمن والسلامة في الشرق الأوسط.. وتعمد كاتب المقال ( روبرت فيسك ) أن يُذكر هؤلاء القادة بالجسر الذي أقامه الأمريكيون والبريطانيون عام 1948 " لإنقاذ سكان برلين " تحت الحكم الألماني المعادي لهما من الحصار الذي كانت القوات الروسية تفرضه عليهم..
إذا كان هذا الواقع الذي أشرنا إليه موثق بالصوت والصورة.. فمن المؤكد أن ما نشره الكاتب الإسرائيلي ألوف بن بصحيفة هآرتس يوم الجمعة 4 يونية صحيح أيضاً..
يقول المحلل السياسي أن محاولات واشنطن لتغيير موقف نتيناهو من مطلب تجميد البناء الإستيطاني / الإستمعاري في القدس، باءت كلها بالفشل.. كما أن سعيها المتتالي لإقناعه بإنتهاج وسيلة للتفاوض مع السلطة الوطنية بعيدا عن منهجية العنصرية الاحتلالية، لم تبلغ غايتها وظل الرجل متشبثا بتشدده حتى لا يسقط إئتلافه الحكومي وتنهار معه فرص السلام، فشل إلي الدرجة التى جعلت إدارة الرئيس أوباما تخفف من وسائل ضغطها عليه مما جعل البعض يقول " أنه إنتصر عليها "..
علي خلفية هذه الصورة قَبل نتنياهو دعوة أوباما لزيارة واشنطن للتفاهم حول المرحلة التالية سواء علي مستوى ملف إسرائيل النووي الذي إدرج لأول مرة علي جدول أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو علي مستوى الملف النووي الإيراني الذي يزداد إشتعالاً يوما بعد يوم أو علي مستوى الترتيب لتحقيق انفراجات في جدار التفاوض بينه وبين السلطة الوطنية الفلسطينية..
يقول الكاتب أن نتيناهو قام بأجراء حوار موسع مع شبكة التلفزيون الكندية CBC بينما كانت قواته تقوم بهجومها العسكري ضد السفينة مرمرة.. ويقول أن ظهوره بمظهر الواثق من نفسه المبتسم في وجه مُحاوره طوال الوقت كان يوحي بأنه يتوقع أن يتم الأمر بشكل حرفي نظيف مما سيهئ له ان يلقي الرئيس الامريكي " كبطل قومي ".. لكن لما تعقد الموقف إضطر نتيناهو إلي العودة مباشرة إلي إسرائيل " تنشيطاً لكافة السبل التى توفر له الدعم الدبلوماسي الأمريكي الذي وجد نفسه فجأة في أمس الحاجة إليه " عن طريق إستخدام الفيتو لو إحتاج الأمر لوقف أي قرار ربما يصدره ضد حكومته..
لم تكتف واشنطن بنشر مظلتها الدبلوماسية لتوفير أقصي حماية لإسرائيل داخل مجلس الأمن مما جعله يتمخض عن بيان رئاسي " بلا طعم " بدلا من أن يصدر قرار ملزم ذو آلية تنفيذية محددة وواضحة، بل قامت بالتوسط بينه وبين رئيس الوزراء التركي حتى نجحت في عقد إتفاق تم بمقتضاه " الإفراج عن كل المسافرين الأتراك الذين كانوا علي متن السفينة مرمرة بما فيهم الذين عرضهم الإعلام الإسرائيلي باعتبارهم " كودر للقاعدة في تركيا "، مقابل أن تخفف أنقرة من حدة تصريحاتها وأن لا تُبادر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أو تهبط بها إلي أدني مستوي علي الأقل في هذه المرحلة..
كان في وسع مظلة الدبلوماسية الأمريكية ان تمتد إلي أبعد من أطار التهدئة بين إسرائيل وتركيا بأن تخطط لرفع الحصار ولو بالتدريج عن قطاع غزة، لكن يمنعها من ذلك قناعتها بوجهة نظر نتنيتاهو التى ترفض ذلك " حتى لا يتحول الميناء البحري إلي مصدر لجلب السلاح إلي منظمة حماس.. وكان في وسعها ان تمتد أيضاً لوقف إبتزاز إسرائيل لقدرات السلطة الفلسطينية لإجبارها علي القبول بتقديم قدر أكبر من التنازلات، ولكنها لا تجد العون من داخل المجتمع الإسرائيلي ممثلاً في المعارضة والرأي العام..
من ناحيتنا نقول لكلا الطرفين الإسرائيلي والأمريكي أن اي مجتمع يؤسس أمنه علي نظرية الردع العسكري، يؤكد للآخرين وللشرعية الدولية انه لا يسعي للتوصل لتسويات سلمية سياسية.. إلي جانب أن هذا الردع لا يضمن له الأمن بل يعرضه بصورة مستمرة ولو علي فترات متباعدة لمخاطر أمنية ويزيد في نفس الوقت من عدد أعدائه.. وهذا هو السبب الأساسي كما أشار إليه الدكتور اوري بار يوسف في كتابه " المشاهد الذي نام " في عدم تمتع دولة إسرائيل بالأمن والإستقرار منذ حربها العدوانية عام 1967، ودليلنا علي ذلك افتقادها لعوامل النصر منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
غالبية التقارير الدولية تفترض في واشنطن القدرة علي مساومة نتنياهو بين خيار استكمال خطوات انقاذ إئتلافه الحكومى من الغرق في المستنقع السياسي العفن الذي يصر علي الإبحار فيه بعنصرية احتلالية بشرط أن يتخذ قرار فوري بتفكيك عدد من المستوطنات التى يقال انها غير قانوينة – بالرغم من ان كل بناء إسرائيلي فوق اراضي الضفة والقطاع غير قانوني – بالتوازي مع التفاوض حول اقامة الدولة الفلسيطينة ورفع الحصار المتدرج عن قطاع غزة، وبين وقف الدعم المعنوي الذي كثفته طوال الاسبوع الماضي..