احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: عاجزة ومشلولة والنبي الأحد 1 أغسطس 2010 - 0:31 | |
| شكوت مرات ومرات حتي بدا أنني أدمنت الشكوي من عجز قاموس اللغة (لغتنا واية لغة أخري) عن إمدادنا وإسعافنا بالمفردات والكلمات والنعوت المناسبة التي تستطيع وصف الطبيعة المفرطة في الانحطاط والخسة لارتكابات وجرائم وعربدات عصابة «القط الأسود» القابضة علي الثروة والسلطة في البلاد الآن (ومنذ سنين وعقود طالت أكثر مما يحتمل أي بشر).
وقبل أيام قرأت المزيد من تفاصيل الجريمة المعجزة التي ارتكبها نواب مزورون سرقوا مقاعد تمثيل الشعب في البرلمان وفصلوا وطبخوا القوانين والتشريعات علي مقاس الحرامية الكبار «اللي مسرحينهم»، ثم سرقوا بدم بارد وقلوب قدت من زلط مئات الملايين من الأموال المخصصة (علي الورق) لعلاج الغلابة والمعدمين، مستغلين ثغرات بنيوية في نظام فاسد ومُفسد يحمل أسم «العلاج علي نفقة الدولة»..
فرغت من قراءة هذه التفاصيل ووجدت نفسي منقبض الصدر وحزين وعقلي (أو ماتبقي منه) يكاد يطير مع «طير الوروار» الذي أصطفته السيدة «فيروز» وغنت له وشدت شدوا جميلا باسمه حتي طبقت شهرته آفاق الوطن العربي مع أن سلوك هذا «الوروار» لايخل من شر وأذي، فرغم منظر ألوانه البهيج إلا أنه يتعمد إبادة أسراب النحل المسكين وأكلها باستمتاع دون أن تهتز ريشة في جناحه.. المهم، بينما العبد لله يتردي في هذه الحال خطر لي أن أخترع لعبة تناسب طيران العقل والسباحة في فضاءات اللامعقول، إذ قررت أن أهاجر وأسرح في الخيال قاصدا قاموس اللغة شخصيا وهناك أضع نفسي مكان مفردات من نوع «نهب» و«لصوصية» و«إجرام» «نشل» وخلافه، ومن ثم أحاول أن أستبطن حقيقة أحاسيس ومشاعر هذه الكلمات عندما يتهور أحدهم ويستدعيها لكي تقوم بمهمة نعت ووصف نائب مزور موقر أنعدم ضميره وتشوهت روحه إلي درجة إختلاس مئات الأجهزة التعويضية التي كان يفترض أن تذهب لمواطنين فقراء يعانون من الإعاقة المجتمعية والإعاقة البدنية معا، لكن الموقر باعها لحسابه ووضع ثمنها في كرشه الذي يشبه المزبلة !!
هل أقول لكم ما أحسست به وأنا ألعب هذه اللعبة وأتمثل الكلمات المذكورة أعلاه؟.. لقد شعرت بعجز موجع وفشل ذريع وتملكني خجل وكسوف لا يمكن وصفه بسبب ضعف ومحدودية القدرة التعبيرية التي يتمتع بها سكان قواميس اللغة الذين عاشرتهم لحظات في الخيال وكابدت بنفسي معاناتهم وهم يحاولون الإحاطة بظواهر ومصائب وكوارث وأشياء إجرامية نادرة من جنس وعينة الموقر أبن الحرام سالف الذكر !!
لقد تابعنا في مثل هذه الأيام من العام الماضي أنباء ما اعتبره سكان بلاد الأنجليز فضيحة برلمانية ثقيلة ومدوية ملخصها أن نوابا عن الشعب قاموا بالصرف من حساب مالي مخصص أصلا لتدبير مساكن ومقار إقامة قريبة من البرلمان للأعضاء القاطنين في مناطق بعيدة، علي اشياء وأغراض أخري بعضها يفطس من الضحك منها ـ مثلا ـ أن نائبا محترما قدم للبرلمان فواتير شراء عدد (3) سراير في مدة لم تتجاوز 9 شهور، كما أن زميله أشتري من مال الدولة شماعة ملابس بثلاثة جنيه (إسترليني طبعا)، لكن هناك نائبا ثالثا برز وتفوق علي الجميع في اللصوصية والفساد إذ تبين حصوله ـ بدون وجه حق ـ علي مبلغ 23 بنسا (يعني 23 قرشا) مقابل عدد (1) ليمونة اشتراها من سوق خضار «ويستمنيستر» المعادل الموضوعي لسوق العتبة أو باب اللوق عندنا!!
وعندهم فإن هذه الفضيحة التي لم يزد إجمالي قيمة المبالغ المهدرة فيها عن مليون و330 ألف باوند (نحو 15 مليون جنيه مصري وهو رقم يوازي بالكاد حصيلة دقيقة نهب واحدة عندنا) ورغم أن هذه المبالغ توزعت بنسب مختلفة علي 389 نائبا أغلبهم (أو ربما كلهم) ردوا للخزانة العامة ما حصلوا عليه بالمخالفة للقواعد، إلا أن ذلك كله لم يمنع رئيس تحرير صحيفة الجارديان «الآن راسبريدجر» من أن يكتب أنذاك مقالا أفتتاحيا غاضبا أكد فيه أن «سمعة البرلمان تشوهت تماما وهناك خطر علي العملية الديموقراطية نفسها وعلي شرعية البرلمان.. أنها لحظة خطيرة جدا».. أما رئيس البرلمان (مجلس العموم) مايكل مارتن فلم يتحمل ضميره الفضيحة وقدم أستقالته من منصبه في سابقة لم تحدث علي مدي ثلاثة قرون!!
أما عندنا... فلا داعي ولا معني ولا فائدة من أي كلام، فقد أتفقنا حالا علي أن اللغة عاجزة ومشلولة وتعبانه «وغلبانة والنبي»، كما قالت الست صباح ذات صباح مشرق جميل.
| |
|