انحصر رأيى ومازال مُنحصراً حول أن مجانية التعليم الدستورية هى أحد أهم أدوات إفساد التعليم فى مصر (طلبة ومدرسين وموهين ومفتشين ومديرى مديريات تعليمية)، فهى التى خلقت بيننا هذا الأخطبوط القذر المُسمى بالدروس الخصوصية التى تستنزف ميزانية مُختلف الأسر المصرية طوال العام، ورغم محاولات السادة وزراء التعليم السابقين الجادة نحو تغيير المنظومة وفق جهدهم وعلمهم، وبقدر ميزانيتهم، وبقدر ثقافة شعبهم، وميزانية حكوماتهم، إلا أنهم اشتركوا فى أنهم كلما أصلحوا شيئاً أفسدوا شيئاً آخر!!
والسبب أن الدروس الخصوصية استوحشت فينا وأصبحت ظاهرة كئيبة، وأصبحت المدرسة بالنسبة لغالبية الطلبة والطالبات – خاصة طلاب الثانوية العامة - مُجرد مقهى للقاء والسمر لا مكان للتربية والتعليم وتحصيل العلوم!!
أما الجدية، كل الجدية فلا نراها على الطالب أو المُدرس إلا فى مواعيد الدروس الخصوصية التى تبدأ من السادسة صباحاً وحتى الثانية صباحاً من اليوم التالى وبمبالغ ينوء بحملها أولياء الأمور!!
وإذا كان المُدرس معذوراً، فالعذر واجب كذلك للطالب ولولى الأمر، فلا طابور فى المدرسة، ولا حضور وانصراف للطلبة أو المدرسين، ولا احترام لناظر أو لمدير مدرسة من مدرس أو من طالب، ولا متابعة دورية لمجهودات طالب أو مُدرس، ولا تكريم لمتفوق إلا نادراً!! ولا ملاعب ولا مكتبات، ولا أنشطة بأغلب المدارس عامتها وخاصتها!! ولا مجالس أباء!!
ومن الطبيعى أن كل ذلك لن يتأتى لنا إلا من خلال ميزانية تساوى أربعة أو خمسة أضعاف ميزانية التعليم الحالية، وهو حلم بلاشك يجب التخطيط لتحقيقه، واسمحوا لى أن أرى أن الخطوط العريضة لتحقيق هذا الحلم قد تتمثل فى أحد مما يلى أو جميعها:
الأول - المطالبة بإلغاء مجانية التعليم أو على الأقل تقنينها.
وإذا كان الدكتور طه حسين قد أعلن فى عصره اعتبار التعليم كالماء والهواء على أساس أنهما – كانا - بالمجان!! فإنهما لم يصبحا كذلك، فها نحن الآن نتصارع من أجل قطرة الماء بل، وننتظر حروباً قد تُشن من أجلها!! أما الهواء فقد أنشأنا وزارة للبيئة لتعمل على تنظيفه بعد فساده وتلوثه بمخلفات مصانعنا وعوادم سيارتنا!!
إذن - فما جاز أن يُطبق فى عصر الدكتور طه ويُنادى به لا يجوز أن يُطبق فى عصرنا ولا يجوز كذلك المناداة به.. وعلى ذلك فإن القوانين الحالية التى تُنظم مجانية التعليم المصرى بالصورة التى عليها الآن إنما هى هى قوانين غبية.
فعار علينا أن نُبقى مصروفات المدارس الحكومية الإعدادية منها والثانوية بمعدل من 50 إلى 100 جنيه ( سنوياً )، ونترك 90% من الأسر المصرية تنوء بحمل سداد من 500 إلى 1000 جم ( شهرياً ) إلى جيوب السادة المدرسين الخصوصيين " الغير مُحاسبين ضريبياً!!
ومن السفه كذلك أن نُصمم على نظام مجانية تعليم أظهر عدم جديته وعدم فائدته على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان..
وعلى ذلك فإنى ممن يرون أن المشكلة الكبرى التى تحياها منظومة التعليم فى مصر هى بُعدها، وبُعد القائمين عليها عن مواكبة العصر ومواكبة آلياته، وذلك من منطلق أن عصرنا الآن (مادى) كل ما فيه يساوى ثمن – حتى (الشرف والأخلاق والشُهرة) لهم زبائن لمن أراد البيع أو الشراء!! ولمن أراد الدليل على ذلك فعليه مقارنة مُخرجات المدارس ذات المصروفات العالية بمثيلاتها من المدارس ذات المصروفات المُتدنية، فشتان الفرق بينهما من حيث التحصيل، ومن حيث الناتج، ومن حيث التوظيف!!
الثانى – المطالبة بتدخل الدولة بزيادة موازنة التعليم إلى 5 أضعاف الموازنة الحالية سواء بزيادة المصروفات أو بسن بقانون ضريبة تعليم!! بشرط إلغاء الدروس الخصوصية أو تجريمها قانوناً بالحبس والسجن!!
وإذا لم يتيسر هذا الحل أو ذاك فلا أمامنا – إلا إبقاء مجانية التعليم من خلال منظومة تعمل على اشتراك المجتمع كله فى الحل بالتنازل الطوعى لكل وزارة ومحافظة فى مصر عن مبلغ يتراوح بين 500 إلى 750 مليون من موازنتها السنوية لمدة خمس سنوات قادمة مشاركة منها فى تحسين مُخرجات التعليم الذى يُمثل بدوره مُدخلات المجتمع فى أنشطته المختلفة، على أن تؤجل هذه الوزارة أو المحافظة مشروعات يجب أن يُنظر إليها على أنها أقل مرتبة من التعليم وأقل فائدة منه، وأن العائد من التعليم هو الأجدى والأكثر حاجة للتحقيق.. وأنه الأحق بأن نُدبر له (حوالى 20 مليار جنيه زيادة سنوياً عن مستحقاته فى موازنة الدولة للمساعدة الجدية فى تحقيق طموحاته لصالح الوطن والمواطن)!!