عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
موضوع: نوع من الحب (قصة قصيرة) تأليف/احمد شعلان الجمعة 8 أكتوبر 2010 - 2:09
[img]https://alomah.yoo7.com/[/img] الحب أنواع وأشكال لايقتصر على لون واحد وليست له مواصفات قياسية ، تلك الصورة النمطية التي تروجها الدراما ليست هي الوحيدة ، فلا يشترط الحب أن تكون عناصره شابا وسيما وفتاة جميلة وألفاظا منمقة وأماكن مترفة. في مكان عشوائي على أطراف مصر المحروسة اتفق سيد الطيب مع زوجته أم عصام على الطلاق بعد عشرة زوجية امتدت ربع قرن من الزمن ، كلاهما دون الخمسين ولكن الفقر والبهدلة تجعل المرء يبدو بلا عمر وكأنه عاش قرونا ، نشأ وترعرعا وعاشا وأنجبا في نفس المكان وهو مكان ينتمي إلي قاع الاحتياجات البشرية الأولية ، الهدف الأول لساكنيه كيف يمضي اليوم ؟ تشعر أم عصام بالرغم من كل شئ بالرضا وتقبل يدها حمدا لله أنها استطاعت تربية ولديها بأقل قدر ممكن من الخسائر ، الولد أخذ الدبلوم وعمل في مهن كثيرة عشوائية أيضا كان آخرها تركيب الدش والوصلة ، وفي أثناء ذلك تعرف بمن أغراه بالسفر للخارج ، سافر بشكل عشوائي عبر البحار وكاد يفقد حياته في مغامرته بعد أن قضي عشرين ساعة في الماء ، ولكنه أخيرا اتصل بها من اليونان وأخبرها أنه بخير ويعمل عند رجل طيب ومبسوط وفي أقرب فرصة سينزل مصر محملا بالهدايا وجيبه عامرا بالدولارات. كان ذلك اليوم من أسعد أيامها ، ويوم السعد الآخر في حياتها يوم تزوجت ابنتها شيماء من كوافير كسيب من الأسكندرية وأخذها معه ، شيماء تزورها وتحضر لها ملابس وبطانية ولحم وتقول إنها سعيدة مع زوجها وتعلمت مهنته وصارت تساعده ، بل أنها تدريجيا صارت هي التي تدير المحل لأن المحجبات لا يريدون رجلا واكتفي هو بجزء بسيط اقتطعه من المحل ويعمل فيه حلاق رجالي. لكنها ستنهي رحلة عذابها مع زوجها سيد الذي لا يستحق لقب الطيب ، ما زال مصرا على إضاعة قروشه القليلة في المقهي ولا يريد الامتناع عن الشيشة التي وجعت قلبه وصدره ، يكفيها ذلك وستذهب لتعيش مع ابنتها في الاسكندرية تخدمها هي وعيالها وترتاح من الخناقات اليومية مع سيد ومن رطوبة الحجرة وشظف العيش.
قال لها زوجها بغلظة هيا سنذهب للمأذون فسبقته خارجة من الحجرة ، ركبا سويا الأتوبيس وكل منهما شاردا في عالمه ، عم سيد فراش قديم ويعرف الأصول كل الناس في المكتب الحكومي الذي يعمل به يحبونه، لابد من التخلص من هذه المرأة تحب المشاكل ومزعجة ، تريد أن تمنعه من الجلوس مع أصدقائه للعب الدومينو والترويح عن النفس. دخلا مكتب المأذون أخبرهما مساعده أن الأستاذ في الطريق سيأتي بعد قليل ،جلسا في الانتظار ، لمح عم سيد حقيبة بجوار زوجته ، سألها ( ما هذه ؟) ردت ( حقيبة ملابسي ، فسوف انطلق من هنا إلي محطة القطار مباشرة ) ثم أكملت وهي تشعر بعضة الجوع فلم يكن أمامهما فرصة لتناول الطعام منذ عاد أمس متأخرا وتشاجرا ( اسمع الخبز في كيس فوق النملية ، وعلى البوتاجاز حلة فيها بطاطس ولحم ضاني يمكنك تسخينها لتأكل عندما تعود ، والملابس منشورة فوق السطح ) رد بأسى حقيقي ( لا أعرف أسخن طبيخ ولا ألم غسيل ، ولا أعرف حتي كيف سأطيق الحجرة بدونك ) قالت (أنا أيضا لا أعرف كيف سأذهب للبنت ولا ماذا أقول لها وهل سيتحملني زوجها ؟ ) قال لها ( أنت السبب يا جميلة ، كل يوم زن ونقار ، وطلقني طلقني ) قالت وفي عينيها نظرة عتاب حانية ( مش من عمايلك ؟) نظر إليها معجبا ، لقد عاد البريق الآسر لعينيها الجميلتين ، لقد تخلت أخيرا عن تلك النظرة اللائمة الخابية التي تستفزه بها. قال ( لن أفعل بعد اليوم ما يغضبك ، أنت محقة في كل ما تنصحينني به ، تحرم عليه القهوة والدخان ، عودي معي يا جميلة لا أحد يحتاجك في هذه الدنيا مثلي ) سمعت نبرة صوته المحببة التي افتقدتها طويلا ، نبرة بها حنان الدنيا تشعرها أنها في حماية أفضل رجل في العالم ، رجلها ، ابتسمت ومدت إليه يدها هيا نعود. أخرج من جيبه ورقة فئة خمسين جنيها ، قال لها ( انظري عيدية البيه بتاعنا ، سوف أعزمك الآن في أحسن مطعم ) جاء الرجل من الداخل عندما رآهما يخرجان ( على فين ، الأستاذ على وصول ) قال عم سيد ( لا خلاص متشكرين ) وانطلقا و قلب كل منهما لا يتسع لموجة الحب العارمة التي اجتاحته.