قصة اليوم :الشقة ..... المسكونة!!! (قصة قصيرة) تأليف احمد شعلان
كاتب الموضوع
رسالة
احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
موضوع: قصة اليوم :الشقة ..... المسكونة!!! (قصة قصيرة) تأليف احمد شعلان السبت 9 أكتوبر 2010 - 2:53
[img]https://alomah.yoo7.com/[/img] الشقة ضيقة جدا ، شقة إحسان وأحمد صغيرة للغاية وقد اضطرتهما الظروف الاقتصادية للسكن فيها مؤقتا ، مرت السنوات وجاء الأولاد والبنات وازدادت الأعباء وكلما تمكنت إحسان بشطارتها وتدبيرها من إدخار مبلغ ترتفع الأسعار وتعلو ، وصار حلم تغيير الشقة مثل سراب الصحراء كلما دنوت منه ابتعد عنك . جربت إحسان كل الحلول المبتكرة مثل ( تقفيل البلكونة ) لتصبح مكانا للمذاكرة أو النوم في ليال الصيف ، غيرت أيضا الأبواب الداخلية كلها بأبواب ( أكورديون ) يمكن ضغطها ولا تشغل حيزا ، اشترت أسرة دورين حتي صارت غرفة نوم الأولاد تشبه عنبر السجناء وتكرر سقوطهم من أعلى ، وصل الحال بهم إلي محاولة النوم في الطرقة بين شقتهم والشقة المقابلة ، فعلها الولد الكبير مرة في ليلة شديدة الحرارة ولكنه استيقظ مفزوعا حين أخذت قطط السلم تتشممه وتبحث فيه عما يمكن أكله . ولكن عندما فكر أحد الأبناء أن يجلس فوق الشباك ليذاكر أحست إحسان بالخطر ، ازداد الأمر سوءا عندما زارتهم شقيقة أحمد المقيمة في الصعيد وأولادها يوما ، كانوا يتخبطون أثناء سيرهم داخل الشقة وكان طابور الانتظار أمام الحمام شديد الشبه بطابور العيش . أخبرتها صديقتها يوما أن هناك شقة واسعة في عمارة جديدة وبشروط ميسرة جدا لا تصدق ولكن تثور حولها شائعات ، في خلال أسبوع واحد تم انتقال الأسرة إليها وبينما تدور إحسان داخل الشقة الجديدة قالت لزوجها بسعادة : أخيرا يا أحمد صارت لنا حياة حقيقية تصون كرامتنا وآدميتنا ، غرفة للأولاد وغرفة للبنات وغرفة لنا واستقبال ومطبخ وحمامين ، وفي تلك اللحظة قرأت السؤال في عيني زوجها ( لماذا تكون شقة كهذه رخيصة هل نسيت ما سمعناه ؟) قبل أن ينطق السؤال كادت ترد عليه بقول ما ، ولكن قبل أن تكتمل الفكرة في رأسها سمعت صوت أنين حزين يقطع القلوب ، بدأ خافتا ثم تصاعد ، كان الأبناء نائمين في هدوء والصوت يحلق فوق رأس إحسان وزوجها . تكررت مواقف كثيرة مريبة وغير عادية ، أشياء تختفي ثم تظهر فجأة في غير مكانها أغربها نظارة أحمد التي وجدت في حلة الشوربة ، دواليب تفتح وتتناثر محتوياتها ، النور والتلفزيون يفتح ويغلق وحده ، أما الأنين في الليل فكان أمرا مفروغا منه ، كانت إحسان لا تشعر بالخوف من المجهول بل تشعر فقط بالخوف من فقدان الشقة ، ولذلك كانت تفعل المستحيل لطمأنة الأولاد و إقناعهم أن كل شئ تمام ، صارت توصيهم بالتسمية قبل كل خطوة وشددت عليهم في تلاوة الأذكار ولم يعد مؤشر الراديو يتحول عن إذاعة القرآن الكريم .
سمعت الأسرة من الجيران تساؤلات مفزعة ، هل تستطيعون النوم ؟ هل انصرف عنكم ؟ السكان السابقون لم يكملوا أسبوعا كان الله في عونكم ، صارت الأمور سافرة لا لبس فيها وازداد قلق إحسان ، قال ابنها الكبير يوما: ربما هناك من يريد الحصول علي الشقة أو الانتقام من صاحب البيت ولذلك أخفى تسجيلا بصوت الأنين في مكان ما وبرمجه علي وقت محدد في جوف الليل ليفزعنا ، صرخت أخته الصغيرة فجأة: من وضع سكين المطبخ في حقيبة المدرسة ؟ قال أحمد لزوجته عندما انفرد بها: والآن ماذا نفعل ؟ قالت بإصرار وهدوء : كانت جدتي تقول ( ما عفريت إلا بني آدم ) و( لا تخف إلا من الذي خلقك ) وكل من في الكون هو مخلوق من مخلوقات الله ، فإذا استعنا بالله عليه كفانا شره وأذاه ، وحتي الآن ما هو الضرر الذي أصابنا ؟ لقد أصبحنا أكثر حرصا علي الصلاة وتلاوة القرآن وترديد الأذكار . قال لها : عجبا لك ألا تشعرين بالخوف ؟ قالت : ما نراه في حياتنا كل يوم من معاناة أشد هولا ويبدو أن صراعنا اليومي للتشبث بالحياة أعطانا مناعة . تدريجيا اختفت الأمور المريبة التي كانت تحدث وانقطع الأنين ، صمدت الأسرة في وجه المخاوف حتي انقشعت وأصبحت كأن لم تكن ، وبسبب المحنة ازدادوا صلابة وخشية لله وحده . هل كانت تلك الأحداث مفتعلة لإخافتهم كما قال الابن يوما ؟ أم كانت تخيلات جماعية أصابت الأسرة كلها بسبب ما أشيع حول المكان ؟ أم أنه كان هناك بالفعل من يسكن معهم ولا يرونه وانصرف عنهم بفضل الله ؟ أم أنهم وجدوا العيش في سعة تحت أي ظرف أفضل من معيشتهم الأولي؟ الله أعلم .
قصة اليوم :الشقة ..... المسكونة!!! (قصة قصيرة) تأليف احمد شعلان