انهالت المكالمات سواء من داخل مصر أو خارجها من أصدقائى الأعزاء تطالبنى بتفسير ما يدور الآن من محاولات السلطة لقمع وإغلاق كل المنابر وتفسير إسكات صوت عمرو أديب فى برنامجه الشهير "القاهرة اليوم" بقناة الأوربت، ثم التحذيرات شديدة اللهجة التى نالتها المذيعة اللامعة منى الشاذلى لخروجها عن السياق السياسى الحكومى فى برنامجها المميز "العاشرة مساءً" بقناة دريم، وكانت نفس اللهجة من نصيب الإعلامى عمرو الليثى فى برنامجه "واحد من الناس"، الذى قدم فيه نماذج مصرية تتمتع بكل ألوان الطحن فى قاهرة المعز، وكشفت عورات تلك الحكومة وأظهرت أباطيلها وضلالها.. وجاءت أزمة جريدة "الدستور" لتفتح كل الملفات وتؤكد أن الحكومة التى شاخت فى مقاعدها لم تعد تتحمل كلمة أو حرفا يغاير رؤيتها.. ويبدو أن سيناريو "فركشة" الدستور الذى كان بالأمس القريب حلما وصحافة محرضة خرجت من رحمها كل الجرائد المستقلة والحزبية والتى استطاعت أن ترفع "سقف" الانتقاد والرفض ضد الحكومة بشكل غير مسبوق.. بل استطاعت هذه الجريدة أيضا أن ترسخ وتؤكد على أهمية الاخراج الفنى بعدما قدم الدكتور أحمد محمود نموذجا مختلفا فى الماكيت الرئيسى لـ"الدستور" عام 1995.. واستطاعت هذه الجريدة الماجنة.. الكاشفة.. المختلفة.. أن تقدم وجوها كثيرة للصحافة المصرية على جميع المستويات وقدمت أقلام رأى لم يكن يتوقع أن يكونوا يملكون كل هذه المهارات ورسخت أيضا "الدستور" أهمية ومتعة فن الكاريكاتير الذى عالج قضايا مهمة وكان دوماً كتلة سياسية ملتهبة كشفت فساد السياسة والسياسيين.
ولكن أهم سؤال من الأسئلة الكثيرة التى وجدت نفسى أريد الرد عليه.. هو سؤال من صديق يعيش فى أمريكا يقول: قل على مصر السلام وحتى الهوامش القليلة للحريات مسحوها "بالأستيكة"، وعادوا مرة أخرى إلى الرأى الواحد، ووجهة النظر الحكومية.. ولم نعد نقرأ مقالات إبراهيم عيسى الساخنة التى أثارت جدلاً كبيراً، سواء على مريدى عيسى أو خصومه الذين كانوا ينتظرون هذا الفيلم منذ أكثر من ثلاث سنوات ولكن هل ستستفيد الدولة من الإغلاق والقمع و"الحجب"، وتهدأ وتعيش فى حالة انسجام وهدوء وراحة بال بعيداً عن إزعاج صحافة عيسى، ودوشة الفضائيات المسائية؟ وأرى أن الدولة تسير عكس اتجاه مصلحتها والذين يخططون لقمع الحريات وتكميم الأقلام الحرة مخطئون لأن ذلك سيعيدنا مرة أخرى إلى سياسة المنشورات السرية والخلايا السرية، وربما نجد جماعة تطلق على نفسها إعلاميون فى المنفى تهاجم سياسة هذا النظام الجامح ولذا فكنت دوما أرى أن الصحافة المستقلة مهما كانت جرأتها ، ومهما كانت وقاحتها وتطاولها وخروجها عن المألوف السياسى إلا أنها كانت مريحة للمزاج المصرى العام وكانت تخرج الغليان المكتوم للمواطنين أولا بأول قبل أن يأتى الانفجار فعندما يقرأ تلك الصحافة تجعله أقل انفعالا ويشعر بالتشفى والشماتة وكأنها مخدر ليظل القارئ جثة هامدة فى مكانه صامتا لا يحرك ساكنا وأرى أن تلك الصحف والصحافة قدر ما أوجعت وكشفت وعرت وفضحت الفساد سواء كان لرجال السياسة أو لرجال الأعمال ، كثيراً ما خدمت هذه الدولة لأنها أيضا كانت رقيب مهم ضد الفاسدين ولذا فأقول "انتظروا صحافة سرية وانتظروا صحافة فى المنفى.. وانتظروا أيضا غليان الشعب وانفجاره فى وجه الحاكم والحكومة مباشرة".