عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
موضوع: قصة اليوم(الحلم القاتل) للكاتب الصحفى أحمد شعلان السبت 16 أكتوبر 2010 - 3:39
[img]https://alomah.yoo7.com/[/img] لا أدري كيف دخلت (سيدة) في حياتي ، فلست معتادة على الاختلاط بالجيران ، ولكن الباب أمام الباب وهي لطيفة مبتسمة وخدومة ، ولأنها لم تنجب هي وزوجها (صابر) كانت تعاني الوحدة والفراغ ، شيئا فشيئا صار الوضع المعتاد أن تأتي لشقتي بعد انصراف زوجها للعمل وأولادي للمدارس ، كانت تسليني وتساعدني وتجعل الصباح يمر خفيفا مرحا ، وعند أذان العصر تنصرف لشقتها.
لاحظتُ فجأة وجومها وانطفاء بهجتها وبعد إلحاح صارحتني بأمر تلك الكوابيس التي تلاحقها ، فهي تري في نومها كأن في شقتها زوجين لا تعرفهما يطارد الزوج زوجته ويؤذيها وهي تهرب منه وتصرخ ، فتستيقظ (سيدة) مرعوبة.
والغرابة أن الحلم يتكرر كل ليلة بنفس الشخصين ولكن بتفاصيل مختلفة ، فحدة الصراع تتزايد واعتداءات الزوج بالضرب والإهانة تتصاعد ومعها تتعالي صرخات الألم والاستغاثة من قبل الزوجة.
في أحد الأيام جاءت (سيدة) وهي ترتجف من شدة الفزع وتقول (قتلها المجرم) وعند هذا الحد أصررت علي ضرورة عرضها علي طبيب نفسي لتتخلص من تلك الكوابيس العجيبة التي تطاردها وتحيل حياتها عذابا ورعبا.
ـ ـ ـ ـ
لم أخبر زوجي بأمر الطبيب النفسي حفاظا علي أسرارها ، ولأنه لا يرتاح لاهتمامي بها في الفترة الأخيرة ، قلت فقط سنذهب للطبيب ولعله اعتقد أن ذلك من أجل الإنجاب كالعادة ، وفي الحقيقة لم يحل الطبيب المشكلة فقد أعطاها بعض المهدئات ، وأخيرا جاءت (سيدة) لتخبرني بعزمها علي الانتقال لمسكن آخر وودعتني وانصرفت.
بعد انتقالها للمسكن الجديد فارقتها الأحلام المزعجة تماما ، وصارت تنام ملء جفنيها كما أكدت لي ، ولم تكف عن زيارتي بين الحين والآخر بعد أن استعادت عافيتها وعادت لطبيعتها التي تتفجر حيوية ومرحا.
وفي شقتها السابقة سكن عروسان في غاية الهدوء والأدب ، ولكن عندما رأتهما (سيدة) من شرفتي وهما يدخلان البيت صرخت وأخذت تردد كالمصعوقة (إنهما الشخصان نفسهما أبطال الحلم !!)
لم أجد تفسيرا في كتب علم النفس أو تفسير الأحلام لهذه الحالة العجيبة ، كان الاحتمال الوحيد أنها تخيلت أنهما أشخاص الحلم بسبب معرفتها أنهما عروسان ، وتحت وطأة الانفعال حكيت لزوجي كل شئ ولم يزد رد فعله علي أن ابتسم ابتسامته الساخرة الخالية من التعاطف وهو يقول (سيدة تتلاعب بك) وللمرة المليون أندم لأنني فتحت له قلبي وصارحته بما يشغلني.
في أحد الأيام وأنا عائدة للمنزل وجدت الشرطة والإسعاف حول بيتنا وسمعت الخبر الصاعق (العروس دس لها السم في كوب العصير ونقلت للمستشفي بين الحياة والموت) إذن فقد فعلها زوجها وقتلها كما رأت سيدة في حلمها القاتل.
كنت في قمة الانفعال وقلت لزوجي (سأذهب للشهادة علي القاتل) قال (تدلين بشهادتك علي أي أساس ؟ هل رأيت أو سمعت شيئا بنفسك ؟) قلت: لكنني أعلم الحقيقة. قال: من أين لك بهذا العلم ؟ من أحلام سيدة ؟ قلت متحدية: بغض النظر عن كل ذلك ليس في الشقة سوي الفتاة وزوجها فمن دس لها السم غيره ؟ قال بلهجة حادة منذرة: أنا أحذرك من شهادة الزور. لا يجوز أن تشهدي إلا بما رأته عيناك أو سمعته أذناك ، أما أن تبني شهادتك علي أقوال الآخرين وحكاياتهم فتلك معصية كبري حذر منها رسول الله صلي الله عليه وسلم.
أخافتني كلماته وتهاويت متخاذلة منهاره علي الكرسي ، ربت علي كتفي بحنان هذه المرة وقال بهدوء: كم من المآسي ترتكب بسبب من يردد كلاما مرسلا سمعه أو حكي له من شخص موتور ، ولا تتخيلي ما يترتب علي تلك الكلمات الطائشة من مصائب ، الكلمة أمانة وسنحاسب عليها يقول تعالي في محكم آياته (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ويقول صلي الله عليه وسلم (وهل يكب الناس في النار علي وجوههم إلا حصائد ألسنتهم).
ـ ـ ـ ـ ـ
تسارعت الأحداث بعد ذلك ، تماثلت العروس للشفاء ،وتبين أنها كانت حاملا في شهرها الثاني وبعد أن تناولت العصير المسموم داهمتها نوبة قئ أفرغت أغلب جرعة السم ، وبعد غسيل المعدة السريع الذي حدث بسبب سرعة نقلها للمستشفي أفصحت الفتاة عن اسم قاتلها قالت: هو أخي (صابر) !!
(صابر) زوج (سيدة) حاول قتل أخته التي تنازل لها عن شقته لتتزوج فيها ، وهي أخت غير شقيقة له ، كان ناقما بشدة علي والدتها (زوجة أبيه) لأنه يتهمها بالاستيلاء علي أملاك وأموال أبيه بطرق غير مشروعة وحرمانه هو وإخوته ، ولأنه يعاني من التهديد بالسجن بسبب ديونه وبعد أن يئس من الحصول علي شئ من زوجة أبيه تصالح معها ومع أخته وتنازل لها عن شقته مقابل مبلغ كبير ، أعطته له الفتاة كنوع من المساعدة ، قام بتأجير شقة لنفسه بجزء من المال وسدد بعض ديونه ، وفي الوقت نفسه كان مستمرا في تنفيذ خطته.
ـ ـ ـ ـ
أخذ فكرته من فيلم أجنبي ، وبدأت زوجته تتقرب مني وتحكي لي أحلامها المزعومة ، ثم جاء يوما لزيارة أخته وغافلها ووضع لها السم في العصير ، معتمدا علي أن أصابع الاتهام ستتجه لزوجها وأنني متأثرة بحكايات (سيدة) سأشهد بما يؤكد ذلك ، وفي تلك الحالة سيرثها هو وإخوته ويسترد بذلك كما صور له شيطانه مال أبيه.
لكن القئ وعودة الزوج المبكرة من العمل وإحجامي عن الشهادة كل ذلك كشف الحقيقة ومن وقتها وأنا أعرف جيدا قيمة اللفظ والكلمة والشهادة