عتبر مشكلة الدروس الخصوصية مشكلة خطيرة تهدد سلام و طمأنينة المجتمع حيث تفوق في حجمها كل مشكلاتنا الاجتماعية، ومن الغريب أن هذه الظاهرة جاءت من غير معرفة الدوافع الحقيقية لانتشارها فالجميع يتساءل لماذا تبدأ الأسر حالات الطوارئ بمجرد بداية العام الدراسي وتحتمل الأعباء فوق طاقتها فقط من أجل إعطاء أبنائها دروساً خصوصية؟
و حول هذه الظاهرة تحدث معنا خبراء النفس و التربية لكي يفسروا لنا الأسباب الحقيقية وراء إنتشار هذه الظاهرة..
وأشارت دراسة حديثة "أن الدروس الخصوصية تكلف الأسر المصرية ما بين 3 : 5 مليار جنيها سنوياً حتى أن وزارة المالية المصرية وضعت خطة لمواجهة المدرسين المتهربين سداد مستحقات الدولة عن الدروس الخصوصية قبل بداية العام الدراسي فيما أشارت مصلحة الضرائب في مصر أن المصلحة تفتح سنوياً ألف ملف للمدرسين و قد بلغت الملفات حتى الآن 150 ألف ملف و أكدت مصلحة الضرائب أن متوسط دخل المدرس عند الدروس الخصوصية يصل من 15 ألف جنيهاً إلي 60 ألف جنيهاً شهرياً و هو ما يشير بوضوح إلي مدي خطورة الظاهرة فضلاً عما تكشف عنه من تداعيات اجتماعية سيكون لها أكبر الأثر السلبي في المستقبل القريب.
يقول ر . أ . مدرس رياضيات ما يدفعني إلي إعطاء دروس خصوصية هو المادة فأنا شاب
وأرغب في الزواج و لو أنني اعتمدت علي راتبي الضئيل فلن أتمكن من الزواج أو حتى أحيا حياة كريمة فالدروس هي الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق و تحقيق الحياة الكريمة.
ويضيف جمعة . ع . يعتقد الكثيرين أننا فقط الذين نسعى لإعطاء الدروس الخصوصية و يتغافل هؤلاء عن الطلاب الذين يلحوا علي مدرسيهم لإعطائهم دروساً خصوصية و التي أحياناً تقابل بالرفض من المدرس لانشغاله طوال الوقت؛ ولا يملك من الوقت مما يتيح إعطاء درس لهؤلاء؛ كما أ، هناك أولياء أمور يصرون علي إعطاء أبنائهم دروس خصوصية كلون من ألوان التفاخر أو رغبة في التخلص من شعور التقصير في حق أبنائهم مقارنة بأبناء أصدقائهم و زملائهم.
ويري م . ق . مدرس أن المشكلة ليست مشكلة مدرس فلو أن الطالب يذاكر بجد و يعتمد علي نفسه و يسأل في المدرسة عن كل ما يخفي عنه و سيجد بلا شك من يجيب عن أسئلته و يوضحها له و إن لم يكن مدرس الفصل سيجد مدرساً آخر في نفس المدرسة و علينا أن نتعاون أولاً في خلق طالب متفوق يبحث عن النجاح و يرغب في التعلم لأجل العلم و ليست لمجرد الحصول علي شهادة و هذه مسئولية كل التربويين.
بينما تقول ٍف . ر . طالب في الثانوية لجأت إلي الدروس الخصوصية لأن بعض الأستاذة لا يرشحون داخل الفصل مما يمكنني من فهم واستيعاب المنهج ولا يتطرقون إلي الكثير من الجزئيات في المادة التي لا يمكنني فهمها بمفردي لذا أحرص علي الدروس الخصوصية لأنني أتطلع الحصول علي درجات مرتفعة للالتحاق بالجامعة.
و يشرح م . ع ثانوية عامة إنني مضطر للجوء للدروس الخصوصية فالأساتذة لا يشرحون داخل الفصل بما يمكنني من فهم واستيعاب المنهج ولا يتطرقون إلي الكثير من الجزئيات في المادة التي لا يمكنني فهمها بمفردي لذا فأنا حريص علي الدروس الخصوصية لأنه أصبح مطلوباً منا أن نحصل علي درجات مرتفعة في كل المواد و هناك بعض المواد التي تتصف بصعوبتها فأنا ألجأ للدروس الخصوصية. ويقول ص.ر أتلقي دروساً خصوصية في مادة علمية رغم أن مستوي جيد فيها و لكن أرغب بالتفوق و أستاذ المادة غير مقصر مشيراً إلي أن المناهج كبيرة و طويلة و يستحيل إنهاؤها بالصورة المثلي في حصص الدوام الرسمي. مما يضطر المدرس إلي الإسراع في إنهاء تلك المناهج علي حساب فهم الطالب؛ الأمر الذي يستوجب اللجوء إلي الدروس الخصوصية موضحاً أن سعر الحصة يتكلف مبلغ عالية.
ر . ن .طالبة تقول لا ألجأ للدروس الخصوصية إلا في نهاية العام و قبل الامتحانات ففي أسابيع قليلة يمكنني الإلمام بالمنهج والاستعداد للاختبار الخاص بها بدلاً ممن أعطي اهتمامه أكثر من اللازم منذ بدء الدراسة.
ويري الدكتور السيد محمد. أستاذ أصول التربية بكلية التربية. أن ظاهرة الدروس الخصوصية حطمت مبدأ تكافؤ الفرص وزرعت التفرقة بين الطلاب في فترة تعتبر أجمل فترات الحياة بينهم واتسمت بالتسابق في الدروس الخصوصية التي يتلقاها الطال أو الطالبة في المراحل التعليمية المختلفة حتى وصلت إلي الجامعة، و مع ما تكلفه حتى وصلت إلي الجامعة، و مع ما تكلفة الدروس الخصوصية من مبالغ مالية ضخمة يتحملها كاهل الأسرة إلا أن الأمر لا يتوقف عند ذلك فحسب بل يمتد أثر الدروس إلي ما هو أكبر من ذلك لتساهم مع عدة عوامل أخري في ما يسمي بالارتباك الأسري. موضحاً أنه مع بداية العام الدراسي بشكل عام واقتراب موسم الامتحانات بشكل خاص تناسب أولياء الأمور حالة من الخوف الشديد من إخفاق أبنائهم في مادة ما، أو الرسوب بمادة أخري و يبدأ التطلع من اليوم الأول إلي كيفية النجاح و التفوق لهؤلاء الأبناء؛ و الذي لا يأتي في اعتقادهم إلا بالدروس الخصوصية، و هنا يحدث الاختلال في مواعيد الطعام و الخروج و النوم و الواجبات الاجتماعية في محيط الأسرة الكبيرة.مبينا أن المتضرر الأول من الدروس الخصوصية هو الطالب فالأكثر النفس الواقع عليه أشد وطأة و ذلك أنه لا يقتصر علي مجرد التوتر و الخوف و القلق بل يمتد ذلك إلي إكساب نفسية الطالب مجموعة من السلوكيات النفسية التي تصحبه لفترات طويلة من مراحله العمرية إن لم تمتد معه كامل حياته و يضيف السيد. هناك حقيقة ثابتة وهي الخلفية السلبية علي طلاب الدروس الخصوصية و تحويلهم إلي آلة تسجيل للمواد التي تدرس لهم بطريقة هي مجرد نماذج من الإجابات يحفظها الطالب عن ظهر قلب بدون تعمق في المضمون، و يدخل الطال الامتحان ليفرغ ما حفظه و للأسف تظهر الحقيقة التي لا يعيها الطالب و بالتبعية أولياء الأمور و يكون التساؤل هل هذا هو التعليم الذي يجب علي الطالب أن يقبل عليه وما مدي استفادته من المذاكرة. بينما يضيف د. رمضان درويش. أستاذ الصحة النفسية جامعة الأزهر إن المدرس يشعر فقدان سلطته علي الطلاب إذ أن الكثير من الطلاب يعتبرون أخذهم دروساً خصوصية عند المدرس يجب أن تقابل من المدرس بتذويب للفوارق المعتبر بين المدرس و الطالب، ويحدث نوع من أنواع الفوضى في العلاقة بينهما، و ليس تقارباً كما يظن البعض و هو ما يصيب المدرس بعدم احترامه لذاته يتنامي مع مرور الوقت حتى يصل لمرحلة التبلد كما يصاب الكثير من المدرسين بالاكتئاب الناتج عن إحساسهم بعدم مراعاة الضمير خلال عملهم بالمدرسة لدفع الطلاب لأخذ دروس خصوصية فيشعرون بالتقصير في تأدية الأمانة التي حملوها عن تعينهم، كما يعاني مدرسو الدروس الخصوصية من حياة أسرية مرتبكة ذلك لأنهم يغيبون عن منازلهم أغلب ساعات اليوم ولا يعودون إلا عند النوم.
و يؤكد د. حامد طاهر أستاذ الفلسفة الإسلامية وعلم الأخلاق بجامعة القاهرة علي أن ظاهرة الدروس الخصوصية مسئولية مقسمة علي عدة أفراد والعنصر الأول فيها المدرس الذي لم يستطع توصيل المعلومة بصورة واضحة وسهلة للتلاميذ والثاني هو التلميذ الذي لم يفهم جيد أو يطالب ولي أمره بمساعدته بدرس خصوصي أما العنصر الثالث هو لي الأمر الذي يستجيب لرغبة الابن أو الابنة ويتحمل نفقات الدروس الخصوصية. مضيفاً علي ذلك السبب الرئيسي وراء تفشي تلك الظاهرة يرجع إلي قصير المدرس فضلاً علي أن الكتاب المدرسي ذاته بحاجة إلي ثورة شاملة من حيث التقسيم و التفسير والفهرسة وشرح المصطلحات الصعبة كما أنه لابد أن تصاحب المادة رسوم توضيحية وبيانات و صور وخرائط وإخراج جيد كي تخلق حالة من الارتباط بين الطالب والكتاب المدرسي فلا يلجأ إلي الكتب المساعدة التي يقبل عليها الطلاب بمجرد بدء العام الدراسي إلي جانب ذلك نحن بحاجة إلي إعادة النظر في نظام الأسئلة. مستكملاً أن الدروس الخصوصية أصبحت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة روتينية فقد صار من الطبيعي أن يحصل الطالب علي درس خصوصي دون رؤية المعلم أو طريقة أدائه وأصبح المفهوم السائد أن الطريق للمجموع هو الدرس الخصوصي. وأضاف أن ن بين العوامل التي ساهمت في خلق جيل الدروس الخصوصية هو نمطية الامتحان وقدرة محترفي الدروس الخصوصية من المعلمين علي توقع وتخمين أسئلة الامتحان وبالتالي يلجأ الطالب إلي ذلك للحصول علي درجات مرتفعة لكن المشكلة أن الدروس الخصوصية تخلق من الطالب شخصاً إتكالياً لا يهتم بما يدور داخل الفصل الدراسي المدرسي و ليس مهتماً بما يشرحه المعلم لأن لديه بديلاً آخر خارج المدرسة