احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047
الموقع : جريدة الامة
تاريخ التسجيل : 24/09/2008
 | موضوع: الامة ترصد رحلة الملح الفاسد من ''السياحات'' إلى بطون ''الغلابة''  السبت 18 ديسمبر 2010 - 10:59 | |
| [img]https://alomah.yoo7.com/ [/img]
الصدفة وحدها هي التي قادتني إلى اكتشاف هذا الأمر الذي يعد بحق بمثابة ''الكارثة'' التي تنتهي نهاية مأسوية حيث أنها من الممكن أن تحصد روح أي شخص ''غلبان''.. لأنها متعلقة بأحد مكونات الطعام الذي لا غنى عنه؛ وهو ''الملح''، الذي وصلت الأيدي الفاسدة حتى صلاحيته غير عابئة بأي أخلاق، ولا تلقي بالاً بأن هذا الأمر قد يودي بحياة إناس لا ذنب لهم..
عندما توجهت إلى مدينة ''زفتى'' -التابعة لمحافظة الغربية- منذ وقت قليل - حيث اعتدت التردد عليها من حين إلى أخر باعتبارها مسقط رأسي- وأثناء وجودي أمام إحدى محلات البقالة بشارع ''البحر''- وهو أحد الشوارع الرئيسية الملاصق لكورنيش نيل المدينة- شاهدت سيدة نهاية عقدها الخامس، تشتكي لصاحب أحد محلات البقالة بأنها وجدت شوائب وبقايا أتربة بكيس ''ملح'' ابتاعته منه..
حواري شارع الدهب
صاحب المحل نفى مسئوليته وألقى بها على مطاحن الملح، والتي تعتبر ''زفتي'' أكبر معقل لها، وخاصة شارع ''إمام الشرقاوي''، والحواري المتفرعة من شارع ''الدهب''، والتي تصل إليها ملح ''السياحات'' من مناطق مختلفة، لتقوم بتجميعها وتعبئتها في أكياس ''مزورة''، حيث تقوم المطاحن بتقليد العلامة التجارية لشركات الملح الرسمية التابعة لقطاع الأعمال وطبعها على الأكياس، وذلك لضمان بيعها وتوزيعها في كافة محافظات الجمهورية.
''سياحات'' الطريق الدولي
التقطت بداية ''الخيط'' -حول المصدر الرئيسي لهذا الملح- من أحد أصحاب المطاحن، وعرفت منه أن اغلب كميات المحل الموجودة لديهم تأتي من ''سياحات'' موجودة بجوار الطريق الدولي، على إمتداد ما يقرب من 50 كيلو متر عند بحيرة البرلس وبلطيم بكفر الشيخ، وهو ما دفعني إلى الذهاب لهذا المكان أولاً، لاكتشاف منبع ''السم''.
بمجرد اقترابي من أماكن ''السياحات'' وجدت مئات من برك الملح البيضاء، وعندما هبطت من السيارة وتوغلت فيها، لم أرى أي شخص ولم اجد سوى عدد من الأجولة، بعضها فارغ وبعضها مُعباة بالملح، بما يحمله من طين وبقايا حيوانات نافقة.
موسم الحصاد
بعد مرور أكثر من ساعتين على وجودي في هذا المكان، ظهر شخص يعمل مدرساً في مدرسة قريبة من ''السياحات''، وقد فسر لي عدم وجود أي شخص بالمكان، إلى أن موسم حصاد الملح قد انتهي -والذي يكون في الفترة من شهر أبريل وحتى شهر أكتوبر من كل عام- حيث تستفيد مافيا الملح من الأمطار التي تهطل على المنطقة وبالتالي تتكون على إثرها الملح.
المُدرس الذي التقيت بها ويدعى ''محسن'' أكد على أن هناك عدد قليل يعمل في جمع الملح حاليا، المُتبقى من موسم الحصاد، ولكن عملهم يكون ليلا، وعندما يستشعرون وجود أي شخص غريب يختفون فجأة، ولفت إلى أن الأهالي لا يهتمون بالتصدي لتلك ''المافيا''، لان الأرض الموجود بها ''السياحات'' هي أملاك دولة.
أرباح طائلة
الغريب أن الذين يعملون في مجال جمع الملح يرون أن ذلك الأمر ليس مُخالفاً، وهذا ما أكده لي أحد تجار ملح البرك ''السياحات''، وهو ''شوقي'' الذي اصطحبني إليه ''محسن''، وأوضح أن أهالي العديد من القرى المجاورة لـ''السياحات'' مثل قرى (بر بحري والحنفي والمقصرة) يعتبرون أن فصل الشتاء ''موسم''؛ يحققون من ورائه أرباح طائلة، واعتبار أن هذا الملح ''رزق''، لا يكلفهم شيئا سوى دفع مقابل استئجار عدد من العمال، لزوم تعبئه الملح في الأجولة، وأجرة سائقي السيارات التي تنقله إلى كافة محافظات الجمهورية.
وقد أشار ''شوقي'' أيضا إلى أن الذين يعملون في حصاد الملح لا يهتمون بنظافته، حيث يكون معرض لكافة أنواع الملوثات من الحيوانات الضالة وغير ذلك، أما الأجولة التي يتم تعبئه الملح بها فتكون قديمة و''مستعمله'' واغلبها تكون من ''فوارغ'' مواد كيماوية وأسمدة زراعية، علاوة على تعمد بعض العاملين تعبئه الملح ممزوجا بالطين؛ طمعا في زيادة الوزن وبالتالي أرباح أكثر، حيث لا يصل سعر الجوال الواحد زنه 50 كيلو جرام إلى 15 جنيه.
وقد ألقى ''شوقي'' بمسئولية تنظيف الملح من الشوائب -قبل أن يصل إلى الزبائن- على المطاحن وأماكن التعبئة خاصة الموجودة في مدينة ''زفتي''.
مطاحن غير مرخصة في زفتى
عدت إلى ''زفتى'' مرة أخرى والتي تعتبر المحطة الثانية في رحلة الملح الفاسد، وهي تضم أكثر من 100 مطحن، المرخص منها 23 فقط، حيث أن التراخيص متوقفة منذ عام 1981، ومع ذلك فالمطاحن التي يُطلق عليها مطاحن ''بير السلم'' في تزايد مستمر، والتي لا تتبع أي اشتراطات صناعية أو صحية.
ومن خلال حديثي مع عدد من أصحاب المطاحن، وجدت أن طبيعة عملهم تتمثل في الحصول على ملح ''السياحات'' من السيارات التي تحضر به سواء من بلطيم والبرلس أو من العريش، ويكون ذلك ليلاً، حتى لا يتم مصادرة حمولتها، لأن أغلب تجار هذة النوع من الملح يعملون بشكل غير شرعي، وبعيداً عن الرقابة، وعندما يصل الملح يتم طحنه لتحويله إلى ملح ناعم أو بيعه بدون طحن؛ وزبائن هذا النوع عادة من أصحاب محلات الفسيخ والطرشي، الذين يستخدمونه في عملية التمليح، وهذا النوع يكون الأكثر تلوثاً.
تزوير العلامات التجارية
أما الملح الناعم فيتم تعبئته في أكياس وتوزيعها من خلال تجار الجملة والتجزئة، وقد اعترف بعض أصحاب المطاحن –خاصة غير الرسمية- بتزوير العلامة التجارية لشركتي الملح الرسميتين في مصر وهما ''النصر ومكس'' لضمان رواج منتجاتهم.
كما أكد أصحاب المطاحن أنهم لا يفضلون التعامل مع الشركات الرسمية؛ لأنها تبيع الطن بـ400 جنية في حين أنهم يحصلون عليه من تجار ''السياحات'' بـ150 جنيه.. ويصل سعر كيس الملح زنة 600 جرام من مطاحن ''زفتى'' إلى 15 قرش، أما سعره للزبون –في الأسواق- فيصل الى 50 قرش.
التهرب من الضرائب
ورغم أن مكاتب التموين بالمدينة تلاحق المطاحن غير الرسمية باستمرار -وكان آخرها ما حدث في الشهر الماضي حيث أُغلقت 5 منها- إلا أن العدد يزداد بصفة مستمرة، ويبرر أصحابها أن ذلك بسبب الأرباح التي تحققها، حيث يتراوح المكسب الشهري لصاحب المطحن بين 3000 و4000 جنيه، في الوقت الذي لا يلتزم فيه بدفع أي ضرائب، ويرون أيضا أن المطاحن تساعد في القضاء على البطالة فالمطحن الواحد يعمل به ما لا يقل عن 20 عامل.
وبنفس طريقة حضور أجولة الملح إلى ''زفتي'' ليلا، يخرج من مطاحنها -أيضا- تحت ستار الليل، لينتشر في أسواق ومحلات كافة المحافظات وخاصة الموجودة بالمناطق العشوائية وهي المحطة الثالثة لرحلة الملح الفاسد، ومنها مباشرة إلى المرحلة الرابعة وهو استقراره في بطون المواطن في شكل سموم قاتله.
الإصابة بالسرطان وهشاشة العظام
هذا الملح السام كما يقول الدكتور ''محمود عمر'' -مستشار المركز القومي للسموم- يختلط به مياه الصرف الصناعي والزراعي؛ لأنه عادة ما يتجمع داخل أراض منخفضة، ويحتوي على شوائب ثقيلة كالرصاص والزئبق، وتناول مثل هذا النوع من الملح (ملح السياحات) يتسبب في إصابة الجسم بخلل في وظائفه، خاصة في الكبد والكلي، وأيضا الإصابة بالسرطان وهشاشة العظام، وتأثيرات سلبية على وظائف المخ، علاوة على تأثيره الخطير على الحوامل حيث يسبب تغير في جينات الأجنة.
قلة أعداد منافذ توزيع ملح الشركات
وعندما حاولت البحث عن دور شركات الملح الرسمية فيما يحدث، وجدت أن السبب في تراجع دورها أمام مافيا ملح ''السياحات'' -التي تسيطر على السوق- هو قلة أعداد أفرع الشركات ومنافذ التوزيع التابعة لها بالعديد من المحافظات، وهو ما سمح لأصحاب المطاحن في استغلال العلامة التجارية للشركات وتزويرها بطبعها على منتجاتهم للانفراد بالسوق، مما ضاعف من أرباحهم بنسبة تصل إلى 5 أضعاف أرباح الشركات الرسمية؛ فسعر الطن المعبأة بعبوات مزورة يصل إلى 4300 جنيه أما ''السايب'' منه فسعره 2250 جنيه.
أين الرقابة؟
وفي النهاية فإن السؤال يطرح نفسه .. أين الرقابة؟.. ولم أجد سوى اللواء ''محمد أبو شادي'' -مسئول التجارة الداخلية بوزارة الصناعة والتجارة- ليجيب على هذا السؤال، والذي أكد على الملاحقة المستمرة لتجار ملح ''السياحات'' الفاسد، والدليل هو ضبط ما يقرب من 4 آلاف طن منه خلال العام الماضي والنصف الأول من العام الحالي.
وأشار إلى أن محافظة الغربية وخاصة مدينتي ''زفتى والمحلة'' من أكبر بؤر تجارة وتوزيع الملح غير الصالح للاستخدام الآدمي، ولذلك فالرقابة مشددة على مداخل ومخارج المدينتين وتفتيش السيارت المحملة بالملح ومصادرتها
. | |
|
الرئيسية 
البوابة* 