احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: الملائكة تبكي في الإسكندرية! الخميس 6 يناير 2011 - 0:45 | |
| [img] https://alomah.yoo7.com/[/img]( إنجي ملاك) في نهاية العشرينيات من عمرها, باهرة الجمال, ملائكية الملامح, كأن لها نصيبا كبيرا من لقبها.. حامل في الشهر الثالث, وزوجها الشاب الي جوارها, ممسكا بيدها مشفقا عليها من متاعب الحمل, ودائما يستطيع حنانه أن يخفف عنها الألم, إلا هذه المرة وإلا هذا الصباح!
هذه المرة ليست آلام الحمل, لكنها آلام لا يحتملها بشر من آثار الشظايا والحروق الشديدة, التي اصابت نصفها السفلي, يوم انفجرت قنبلة البارود والمسامير في كنيسة القديسين, ونالت من انجي القادمة للاحتفال والصلاة, تطلب في العام الجديد البركة, لها ولزوجها ولابنهما القادم في الطريق الي غرفتها في مستشفي ماري مرقص دخلت مع من قدموا لزيارتها ـ دون سابق معرفة ـ لكن بكاءها الشديد وصراخها الذي تكاد تنفطر له السماء, جعلنا نغادرها بسرعة لنفسح مكانا للأطباء والمسعفين, والمقربين من أسرتها. في الممر وعلي مسافة من غرفتها لاحظت اختها الصغري ـ التي تشبهها تماما ـ تقف وحدها صامتة ووجها خال من أي تعبير, اقتربت منها وحاولت أن أواسيها ببضع كلمات قليلة, فبدي كما لو كانت لم تسمع شيئا مطلقا! في الجانب الآخر من المستشفي, مزيد من الاصابات والجرحي, وحكايات مختلفة تنتظر من يسمعها.. هنا غرفة يقتسمها نقاش من سوهاج, يعيش في الإسكندرية منذ فترة وجيزة, وعامل بناء من نجع حمادي ـ محافظة المنيا ـ جاء مع بعض بلدياته للعمل في الإسكندرية قبل شهر واحد من ليلة رأس السنة الموعودة. في نفس الليلة ـ دون اتفاق ـ قرر أمجد زكريا عامل البناء وبيتر الذي يعمل بالنقاشة, ان يذهبا لكنيسة القديسين في شارع خليل حمادة, علي اعتبار انها من أكبر الكنائس في المنطقة, وسيكون تجمعا كبيرا مبهجا, عامرا بالبركة والصلوات والتهاني الدافئة المتبادلة بين حشد كبير من الناس. لم يكن أحدهما يعرف الآخر قبل هذا اليوم, لكنهما الآن بعد الحادث شريكان في نفس الغرفة من نفس المستشفي ويتشاركان الألم والجروح أيضا, بيتر بدا مصابا بحروق شديدة في وجهه وأطرافه, لكنه بدا هادئا جدا وهو يقول إنها( تجربة جيدة) لأنها تختبر ايمانه وصبره وهو صابر وراض بكل مايكتبه الله له, اما أمجد فهو مثل زميله في الغرفة صعيدي شاب لم يتزوج بعد, ورغم حالته التي تبدو أفضل بكثير من حالة بيتر, قال إنه وبلدياته من عمال البناء ينتظرون الشفاء وبمجرد خروجهم من المستشفي سيعودون لقراهم في الصعيد دون رجعة. وهكذا في كل غرفة من( ماري مرقص) قصة مؤلمة ومشاهد صادمة وبشر طيبين مسالمين, يحاول بعضهم ان يكافح آلامه بالايمان, وبعضهم يبتسم ابتسامة رضا بالقضاء, حتي إذا طالعت وجه واحد منهم, لم تعرف ان كنت تبكي عليه أم علي نفسك( ؟). بعض الغرف تستقبل زيارات مؤسسات خيرية دولية تحمل لضحايا الحادث الحلوي والهدايا البسيطة علي سبيل المشاركة والدعم النفسي, ويرفض المستشفي استقبال الفضائيات حرصا علي الهدوء وتجنبا للاثارة الاعلامية التي قد تزيد الوضع احتقانا. الوجوه الوديعة المرسومة علي جدران المستشفي من الداخل, تبدو هي الاخري في غاية الحزن, رغم ألوانها الموحية بالسكينة والمستبشرة بالأمل والشفاء, وفي عيون الممرضات والأطباء ترقب حيرة وكأن العيون تسأل: كيف حدث ذلك؟ وهل يمكن ان تقع الكارثة مرة أخري؟ لم نغادر مكاننا في المستشفي إلا وسمعنا صوت ارتطام وصراخ وبدأ الكل يجري نحو الصوت مرتبكا قلقا, فجريت معهم الي حيث اكتشفنا ان الأخت الصغري لانجي ملاك ـ التي بدت منعزلة صامتة في الصباح ـ وقد اصابها هياج عصبي مفاجئ, فراحت تحاول ضرب وتحطيم ماحولها من الدواليب المعدنية والمقاعد وعربات الترولي وهي تبكي وتصيح( حرااااام.. حراااام.. ليه عملوا فينا كده.... كلااااب...). ادعوا لكل من في( ماري مرقص) أن يخفف الله عنهم, وصلوا من أجل جرحي الابدان والنفوس, قد يكون دخولها للزيارة مستحيلا في الوقت الحالي بسبب الاجراءات الأمنية المشددة وارتفاع درجة حرارة الاحتقان, لكنك تستطيع أن ترسل كلمة طيبة, تواسي مكلوما أو تطيب خاطرا أو تمسح دمعة أو تؤكد لأمجد وانجي وبيتر ونجوي ومايكل وغيرهم في هذا المكان أن مصر كلها تحبهم وتتمني لهم السلامة
| |
|