وجدتها في يوم دامس ، الدخان حجب أشعة الشمس أثناء الظهيرة ، ووجهها يحتضنه الثرى ، والعيون زائغة ، والوجه شاحب ، لا تظهر منه ملامح ، والجسد ينغمس في الآلام ، والجراح في كل مكان ، وصوتها سلسلة من التنهدات والآهات . حينما اقتربت منها سمعتها تستغيث بي وتتمتم ببعض الكلمات التي فهمت منها أنها تتوسل إلي لمساعدتها والوقوف بجانبها أملا أن تسترد صحتها وقوتها أو تتوارى إلى الثرى . فهي كما تقول كانت ذات حسب ونسب وجمال ولكنها تعرضت لاعتداء وحريق في بيتها من جيرانها جعلتها تفقد كل شيء . مددت لها يدي ومسحت الثرى من على وجهها ، وأحضرت منديلا مبللا بالماء أمسح به وجنتيها ، وأرطب به شفتيها ، وجلست بجوارها أشاطرها آلامها وأخفف عنها أحزانها وتعهدت أن أقف بجوارها حتى تسترد صحتها ورشاقتها . عرضت علي مواثيق تتعهد فيها أن تهبني كل ما أطلب مدى الحياة إذا وقفت بجوارها قلت : ليس من شيم الرجال أن تستغل ضعف المحتاج . حملتها بيدي وجهزت لها فراشا طيبا ، وأغدقت عليها من صحتي ، و ما لدي من حب و خبرة في الحياة ، تركت أهلي وبلدي و جلست بجوارها ليلا و نهارا أدعو الله عز و جل أن يزيح عنها الغمة و يضمدجراحها و وهبت نفسي و روحي لها . كلما ظهرت عليها ملامح التقدم و الشفاء أسارع في تجميلها و أجعلها ترتدي أحلى الثياب و أجملها . كلما أقدم لها الدواء و أمسح بأصابعي دموعها تقول : لن أنسى وقوفك معي و ما تقدمه لي من كلمات الحب الرقيقة والغزل الذي لم أسمعه من قبل في حياتي ، و أني أعاهدك أمام الله أن أهبك حياتي مستقبلا إن أراد الله لي البقاء و أعوضك على كل ما قدمته لي . رويدا رويدا .. بدأ الدخان ينقشع عنها، و الهواء الملطخ بالفساد و الأمراض يذوب و ينسحب ، و الأشجار التي زرعتها لها تنمو أوراقها و الشمس تسطع في معظم أوقاتها لتقتل ما تبقى من جراثيم و بدأ وجه حبيبتي يسطع و مسامه تلتئم و تظهر ملامحه ، و عيونها بدأت تعود كزرقاء اليمامة واسعة تعلوها رموش سوداء تحرسها من نظرات الحاسدين كلما أشعر بتقدمها أضاعف من مجهودي و شقائي لأسعدها و أحضر لها مجموعات أخرى من الناس تشاركها فرحتها . ذات ليلة و البدر يظلل علينا و اللآلئ تزين بيتنا و الأزهار تعطرنا بعبقها ، والأصدقاء من كل جنس و لون يجلسون معنا يشاهدون ما وصلت إليه حبيبتي و يحتفلون معنا بعيد ميلادها الجديد شعرت أنها تود أن تعلن خبرا هاما للأصدقاء عرفانا بحبي و ما قدمته لها طوال فترة بقائي معها ، لذا ارتديت أحلى ثياب و جمعت الأهل و الأصدقاء الذين تركتهم سنوات ليحضروا الحفل و يشاهدون بأنفسهم لحظة الوفاء و رد الجميل التي ستعلنها حبيبتي أمام الأصدقاء ونحن نشرب نخب عودتها إلى حيويتها و نضارتها . جحفتني و ابتعدت عني دون سابق إنذار ، و اتجهت إلى من يجلسون معنا من ذوي البشرة البيضاء تغدق عليهم بمالها و حبها و كلماتها الرقيقة و كأنهم وحدهم السبب فيما آلت إليه الآن . بعد انصرافهم جلسنا سويا أجهز لها كعادتي مائدة الطعام ، و أتأكد من تناولها آخر جرعة من الدواء حتى أطمئن على صحتها ثم عاتبتها في حب لماذا ابتعدت عني في الجلسة ؟ قالت : ألا يكفي وجودك معي طوال هذه المدة ؟! و هنا تعجبت لسؤالها، ثم تابعت : لقد أصبحت الآن حرة و عادت إلي صحتي و رشاقتي و بيتي فلماذا لا أختار من يكمل معي مشوار حياتي ؟ ثم تلت : هل تستطيع أن ترتدي زيا واحدا طوال حياتك ؟ وهل تقبل أن تأكل طعاما واحدا طول العمر ؟ من فضلك اعتبر ما كان بيننا رحلة أغدقت علي بالسهر ، والحب ، و الحنان ، و أعطيتك نظيرهم المال الذي كنت تعيش به معي في هذه الفترة ، ألا يكفي ؟ لقد اخترت الآن أبيض البشرة القوي ، كثير المال و الجاه ليكمل معي بقية مشوار حياتي فاذهب أنت لحال سبيل ك فوزي المصري