احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: الشتاء ''يفتك'' بسكان العشوائيات تحقيق/احمد شعلان الإثنين 17 يناير 2011 - 1:55 | |
| [img]https://alomah.yoo7.com/[/img] المكان.. داخل أحد البيوت القديمة بمنطقة بولاق أبو العلا.. الزمان : ليل أحد أيام الشتاء قارسة البرودة.. وما بين المكان والزمان تعيش أسرة مكونة من 8 أفراد، والتي يعتبر فصل الشتاء بالنسبة لها -وبالنسبة لمئات غيرها من الأسر التي تسكن العشوائيات والمناطق الشعبية- ''جحيم'' بمعنى الكلمة، فسقف الغرفة -التي تعيش فيها الأسرة- متهالك، لا يحميهم من حبات المطر، ولا جدرانها تمنع عنهم الرياح الباردة، ولا فرشهم أو ملابسهم البالية قادرة على منحهم قليل من الدفء، لتبقى أجسادهم فريسة سهلة، يلتهمها غول ''الشتاء'' كل لحظة. طريق الوصول إلى الغرفة الوصول إلى غرفة الأسرة، تطلب اختراق العديد من الحواري الضيقة والتي تحولت أرضيتها إلى بركة من الطين بعد سقوط كمية قليلة من ماء المطر، فأرض هذة الحواري لا تعرف ''الأسفلت'' ولكنها مُغطاة بطبقات متراكمة من الأتربة. بعد صعود سلم يخترق 5 طوابق، وجدت نفسي أمام غرفة الأسرة ليخرج صاحبها وزوجته ويصطحباني للداخل، لتتعثر قدمي في أجساد أبنائهما الستة؛ حيث يتلاصقون أسفل بطانية مليئة بالثقوب، ومنهم من يُلقى على جسده بقطع الملابس القلية الموجودة بالغرفة، لعله يشعر بقليل من الدفء. حلم شراء البطانية الأب (صاحب الغرفة) الذي يُدعى ''عبد العزيز'' كل حلمه في الحياة أن يتمكن من شراء بطانية أو لحاف جديد لأولاده، ولكنه يرى انه حلم بعيد المنال، بعد إصابته بعاهة مستديمة في قدمه، أقعدته عن عمله كعامل تراحيل في عمليات البناء، بعد أن سقطت عليه كمية من الزلط اثناء قيامه بعمله، ولم يصرف له المقاول أي تعويض، ليكتفي بتبرعات ''أهل الخير'' لدفع إيجار الغرفة، وتوفير نفقات القليل من الطعام الذي يتناولونه. ولم يفكر ''عبدالعزيز'' -45 سنة- في إلحاق أبنائه بالتعليم، بل قام بالدفع بهم للعمل في الورش الحرفية رغم صغر سنهم، ويقول انه يقيم بالغرفة منذ 10 سنوات مقبل 150 جنيه شهريا، رغم أنها آيلة للسقوط، ومليئة بالشروخ، وسقفها من الأخشاب والصفيح، وعند سقوط الأمطار تمتليء الغرفة بالمياه، ويضطر إلى إستخدام الأواني لطرد المياه خارجها حتى يستطيعوا النوم، ولو وسط الطين! أمراض قاتلة أما الأمراض فتلاصق أجساد هذة الأسرة البائسة طوال فترة الشتاء، ولا يجدون سبيلا أمامها سوى التعايش معها، لعدم قدرتهم على توفير نفقات العلاج، فالأطفال.. منهم من مصاب بالالتهاب الرئوي وأخر يعاني من الحساسية في الجلد نتيجة الملابس البالية التي يرتديها ويتخذها غطاء، وثالث يهاجمه ضيق التنفس باستمرار، ويزداد في الشتاء نتيجة ازدحام الغرفة. الحياة داخل القبر ''ياريت نموت أحسن.. لان إحنا عايشين في قبر زي الأموات''.. هكذا وصفت ''بدرية'' حياتها وحياة أسرتها وعشرات اسر تعيش في اكثر من 1000 عشة بمنطقة ''زرزارة'' في بورسعيد، وعندما وضأت أقدامي هذة المنطقة غاصت في برك الطين ومستنقعات الصرف الصحي ومخلفات الحيوانات، التي تزاحم سكان المنطقة في عشوائيتهم. ''بدرية'' أرملة تعيش مع 4 من أبنائها، وتعيش معها أيضا دخل العشة أم زوجها وأبيه، كل ذلك بين أربعة جدران، وسقف من الصفيح والخشب بدون كهرباء أو مياه شرب نظيفة، وبالطبع بلا صرف الصحي، فالأسرة تعيش على ''لمبة الجاز'' وتشتري المياه في جالونات من المناطق المجاورة، أما الشوارع فقد تحولت إلى ''بيارت'' صرف صحي مكشوف. انهيار العشش بين كل هذة المصاعب يأتي الشتاء لـ''يزيد الطين بلة''؛ فكثير من العشش تنهار ولا تقوى على تحمل قطرات المطر أو الصمود أمام الرياح، ولذلك فمن المعتاد أن تجد بالمنطقة –خلال فصل الشتاء بالذات- عشرات الأسر مُلقاة في الشارع بدون أي حماية من برد الشتاء. تقول ''بدرية'' انه مع حلول الليل تُحبس مع أبنائها داخل العشة مستعينة بموقد نار أو إشعال بعض الحطب كسبيل وحيد للتدفئة. أين تذهب أموال معونة الشتاء؟ مثل هاتين الأسرتين هناك الكثير جدا من سكان المناطق غير الآدمية وهو مايطرح سؤلا مها، وهو أين تذهب أموال معونة الشتاء، إذا كان هناك مثل هذة الحالات الصعبة؟ فالحكومة تفرض على كل مواطن دفع هذة المعونة وكأنها ''إتاوة''؛ سواء من خلال إضافتها على تذاكر وسائل المواصلات وبطاقات التموين أو إلى رسوم المدارس وغيرها.. والكثير يدفعون بكل رضاء، ظنا منهم أنها (أموال التبرعات) تصل إلى مُستحقيها، رغم ان اغلب المتبرعين قد لايعرف أصلا ماهي ''معونة الشتاء''، وقد حاولت إلقاء الضوء على تاريخ هذة المعونة وأوجه إنفاقها، وما إذا كانت تحقق هدفها في مساعدة الفقراء أيام الشتاء الباردة أم لا؟. الطوابع وبطاقات التموين ''أحمد زين'' - مدير مؤسسة التكافل التابعة لوزارة التضامن الإجتماعي- يوضح أنه تم إنشاء اللجنة العليا لمعونة الشتاء بقرار وزاري عام 1952، وكانت تتبع وزارة الشئون الاجتماعية وقتها، وكان هدفها تقديم خدمات اجتماعية للفقراء والمتضررين من كوارث الشتاء، خاصة بالقرى والأماكن النائية، أثناء التغيرات المناخية والفيضانات والسيول وقتها، من خلال حصيلة الطوابع التي توزع علي بعض الجهات الحكومية كـالتموين وهيئة السكة الحديد والإدارات التعليمية لتذهب الأموال بعدها إلي اللجنة التي تتولي تقديم المعونات للمحتاجين. حصيلة الإيرادات ويضيف ''زين'' أن اللجنة ألغيت وصدر القرار رقم 84 لسنة 2002 بإنشاء المؤسسة العامة للتكامل تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعية، ويرأس مجلس إدارتها وزير التضامن، وتُحول إليها حصيلة إيرادات طوابع معونة الشتاء، حيث تعد أبرز وأهم مصادر تمويلها، بالإضافة للمعونة السنوية من قبل الوزارة وتبرعات المواطنين. لافتاً إلي تغير مفهوم المؤسسة من النطاق الضيق، من حيث مساعدات الشتاء فقط إلي المفهوم الأوسع للتكافل الاجتماعي، وتقديم مساعدات إلي الأرامل والمطلقات وأبناء المساجين والفقراء، من خلال مساعدات مادية راتب شهري أو عينية كالبطاطين والوجبات الغذائية، ومساعدات لذوي الاحتياجات الخاصة، ويتم هذا عبر 27 فرعاً للمؤسسة علي مستوي المحافظات بحيث تتبع مديريات التضامن. ويشير إلي إنشاء مؤسسة بديلة للجنة ليصبح شعارها ''من الشعب وإلي الشعب''، وتبدأ قيمة طوابع التبرع بها من 25 قرشاً لتصل في بعض الخدمات لجنيهات وتُحصل علي مدار 6 شهور. حجم التبرعات غير معروف! وحول إجمالي إيرادات تلك الطوابع وأعدادها وأوجه إنفاقها.. رفض مدير المؤسسة الإفصاح عن تلك البيانات -رغم ان من حق الشعب ان يعرف قيمة تبرعاته وأوجه إنفاقها بالضبط- مؤكداً أنه لا يوجد حصر وأن الطوابع توزع علي مديرات التضامن التي تتولي توزيعها علي الجهات الحكومية، وتحصيل عائدها من خلال موظفيها، وتوجيه تلك الأموال لفروع المؤسسة التي تتبعها، وتوزع الطوابع إجبارية مع تذاكر القطارات اختيارية على بطاقات التموين. مابين الظروف السيئة التي يعيش فيها ''فقراء الشتاء'' وكلام المسئولين يتضح –فعلا- أن هناك خلل في منظومة الدعم، مما يؤثر بالسلب على ثقافة التبرع لدى المواطنين، طالما انهم لا يرون نتاج لتبرعاتهم على أرض الواقع، وفي النهاية يتحمل المواطن البسيط وحدة آلام المرض والفقر والتجاهل
. | |
|