ثلاث دقات لفتح الستارة للمسرحية العالمية وكان وطن . بهرت المشاهدين تكنولوجيا المعلومات والإضاءة التي أحاطت المسرح .. جلس الجميع حول المائدة احتفالا بالقرار . بدأ كل منهم يلتهم أكبر كمية من الوليمة بلا خوف من الإصابة بالتلبك المعوي . انقطع الإرسال المعتاد للفضائيات . البعض يبث آيات من القرآن الكريم والآخر يدق أجراس الكنائس . سكنت الحركة المنازل ، المقاهي والشوارع . ضرب المشاهدون أسداسا في أخماسا في الحدث الجلل .
في الفيشاوي تتحاور بعض الألسنة حول تداعيات الموقف . التأكيد أن الفجيعة مؤلمة . في شارع العروبة ارتدت النساء الوشاح الأسود ولطمن الخدود . تحت برج أيفل يحرقن رموز الحرية . في الغرب يئن تمثال الحرية والديمقراطية . في جنيف يحتفل بمظاهر التعذيب والمشانق للإنسانية ومازال التلفاز يدق أجراس الكنائس وتتلى آيات الذكر الحكيم .
أعلن المذيع بيانا هاما .. على الشرفاء في كل موقع الدخول في الجحور . ألا يرفعوا رؤوسهم – لكي لا تصاب بأذى – قرر البطل تمثيل مشهد إعدام الجريح وأن التلفاز سينقل لكم علي الهواء مباشرة المشهد . انه في يوم .. الساعة .. الموافق .. من القرن الواحد والعشرين تم قتل المبادئ ، المثل والحرية علي يد مدعي الديمقراطية مع سبق الإصرار والترصد . بما أن الجميع لا يملك الرفض طالب المذيع المشاهدين الكرام الابتسامة ومشاركتهم الفرحة والسرور والعزاء قاصر على مائدة القرارات ولا عزاء للإنسانية لسقوطها في الأيام الفائتة فقد أرادت قدرة الأحقاد تزامن سقوطها شرقا وغربا بجرح نافذ . حفاظا على النظام ومنعا لحدوث كوارث تؤثر في المشهد طالب المذيع المشاهدين بالصمت ، الجلوس في المنازل وسوف تقوم الأقمار الصناعية بالبث المباشر والبقاء لله وحده .. انتهي البيان ودقت الأجراس …
في الحواري والنجوع خيم السواد على المنازل . صرخات الرجال ترتطم بعيدان الصبار وأشجار الكافور . أوقدت النساء أفران الألم على الجريح الذي يئن دون إسعاف .. حارة العروبة المتفرعة من شارع الخواجه انقسمت بين الشماتة والفرح . تسارعت الأيادي بجمع الحطب والبنزين . مدت القلوب المتحجرة بعناقيد الدمار . ساحة الحرية ، شارع العروبة والإنسانية وقفت ترصد وتحصي الهابط والصاعد حتى ترضي المتعطشين من أصحاب المصانع لزيادة عجلة الإنتاج العالمي لتعويض الفاقد . استوديوهات الفن أعلنت دفن الفن الوطني في قبور الانهزامية .
جماعات تجتمع في أركان الوطن تنظر يمينا ويسارا وتهمس لبعضها كانت هنا أول أمس مدينة . ترد عليها جماعة أخري وأمس كانت هنا حضارة .
الأكثرية في المنازل ، المصالح والشوارع حصلوا على أعلى الأوسمة في التعداد والإحصاء.
تعودوا على إحصاء سقوط الإنسان سنوات طويلة . بهرتهم التكنولوجيا المستوردة فأرغمتهم على التطوير العلمي والأخلاقي والثقافي . بدءوا يسجلوا كانت هناك مدينة ، كانت هناك حضارة وكان هنا وطن .