الثورة المصرية التي أبهرت واشنطن

بعد دقيقتين من اعلان تنحى الرئيس مبارك، جاءني اتصال هاتفي من صديق أمريكي، قال لي مداعباً انه يريد تبديل جواز سفره الأمريكي بجوازي المصري، وانهال بكلمات أنتم احرار شعب متحصر، أنتم اعطيتم نموذج مشرف للمطالبة بقضيتك، انتم شعب رائع وعظيم نفذ اعظم ثورة في التاريخ، لم أستطيع الرد عليه بسبب صوتي الذى اختفى ليفسح المجال لعيناي لتبكي في رد بالتأكيد لم يراه.

لم تمر نص ساعه غلا واخذت سيارتي، وانطلقت الى قلب العاصمة الامريكية واشنطن، التي اسكنها منذ عامين، الا ووجدت فتاتين تبدو على ملامحهم انهم ليسوا عرب يحملون علم مصر ويقلون بلغة عربيه بلكنة امريكية " تحيا مصر" ، لم اكن استوعب ما اراه ، لتنهال عليا بعد ذلك المكالمات التليفونية من كل أصدقائي المصريين والأمريكيين، الذين شاركونا المظاهرات امام البيت الابيض، والسفارة المصرية للمطالبة بسقوط نظام مبارك .

كما ان أصدقائي العرب الذين امطرونى بالتهانئ، مؤكدين ان مصر ستحتل مكانتها وريادتها لا محالة في المستقبل القريب، فكم كنت مشتاق ان اسمع هذه الكلمات التي تعطي الامل في أن مصر ام الدنيا، ستعود من جديد، لسان حال العرب، والام الحاضنة للجميع، بحب وقوة واحترام.

كثيرة هي التفاصيل التي كنت اعاني منها من كوني مصري او حتى عربي في بلاد الامريكان، وكثيرة هي الآلام النفسية التي كنا نعانيها نحن العرب فى امريكا، فالانطباع العام عن مصر، الزحام والعشوائية والقمامة التي تعج بها شوارع القاهرة، صورة زهنية، تزيد او تقل، والمواقف السياسية، والحضور الدولي، في خبر كان، ولكي نعرف الصورة عن قرب، اذكر ان اخر زيارة قام بها الرئيس السابق مبارك لأمريكا، لم تحظي باي اهتمام اعلامي يذكر، علي عكس ما يصوره عادته الاعلام الحكومي المصري.

تجاهلت الواشنطن بوست، زيارة مبارك وكأن شيئا لم يكن، وفى المقابل جاء خبر على شبكة "سى ان ان" لا يزيد عن 30 ثانية، هذه الصورة المتجاهلة من الاعلام الامريكي للمسئولين المصريين، والعرب تقريبا، انعكست علينا نحن العرب لان الصورة السلبية كانت تسبقنا فى كل مكان.

ويا سبحان مغير الاحوال، بعد ثورة 25 يناير، وبعد أن فتحت شبكات الاخبار الامريكي، عيونها على اتساعهما، لكي تنفد كل شبر في مصر، وانهال مراسلوا الصحف من كل دول العالم علي القاهرة والاسكندرية والسويس، ليسجلوا للتاريخ.. ملحمة نضال شعب، طلب الديمقراطية، ودفع ثمنها من دماء شباب متعلم ومثقف ووطني.

عندما بدأت الاضواء تسلط علي مصر، فى هذه اللحظة شعرت انني من دولة كبيرة، وعظيمة ومؤثرة في العالم، الجميع يتحدث عن ما يحدث في مصر، البورصات العالمية تتأثر، شعار "بث مباشر" من القاهرة، كان قاسماً مشتركاً لأغلب قنوات الاخبار العالمية، لتنقل صورة مشرفة عن الشعب المصري، وصورة سيئة عن النظام المصري الراحل.

وبدا يعرف الشعب الامريكي حقيقة مصر وشعب مصر ونظامها السياسي القمعي، وطال الحديث لتاريخ مصر واين تقع على الخريطة ، واصبحت الاسكندرية وبورسعيد والسويس والمحلة والمنصورة والقاهرة اسماء عادية ترددها بانتظام وسائل الاعلام الامريكية، حتى المحلية منها.

"السى ان ان"، التي ارسلت كبير مذيعها اندرسون كوبر بنفسه، الى القاهرة ليتابع ويحلل ويرصد ما يحدث فى محاولة للفهم ماذا يحدث، واصبحت ارى تغطية تضاهى تغطية الجزيرة العربي، وكأنها قناة تبث من مصر وهو ما اعطى مصر فرصة تاريخه للظهور عالميا بشكل عميق، فالتحليلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسة لم تغيب طوال اليوم على هذه القناة، وهو الذى كان قد يكلف مليارات الدولارات، لا أعرف عددها لحجم الدعاية التي حصلت عليها مصر وشبابها، الذى اسقط نظام مستبد عتيد لم يكن يتوقع احد ان يسقط تحت اقدام حركة شبابية لم يسمع العالم عنها من قبل .

ومن الفوائد التي حصلنا نحن المصريين فى الولايات المتحدة، وبالتحديد واشنطن قلب العالم النابض بالسياسة، انه لم نعد نبذل أي مجهود كصحفيين للتعريف بمصر او القاهرة او احد افراد الحكومة او حتى شرح موقف اقتصادي او اجتماعي او سياحي .

الامل الذي احب ان انقله لكم، ان مصر اصبحت تحت مايكروسكوب العالم، وهو ما جعل اكثر من حبير اقتصادي امريكي، يتوقع أن تكون مصر قوة اقتصادية صاعدة بقوة في السوق العالمي، في السنوات القادمة، مدعومة بحماس ورغبة في الحياة واستعادة الحقوق كما اظهر شعبها، وأن ربطوا ذلك، بالقدرة علي تكملة الطريق حتى نهايته، والوصول للحرية والديمقراطية.