اليوم وقد أوشكت ثورة الشعب الليبي على دخول أسبوعها الخامس، وقد سيطر الثوار على أغلب مناطق الدولة، ومازال النظام الحاكم يستخدم أسلحته الثقيلة في مواجهتهم، يمكننا عقد مقارنات بين الثورتين المصرية ثورة 25 يناير والثورة الليبية ثورة 17 فبراير، للوقوف على أبرز الاختلافات والاتفاقات في محاولة لتبيان ملامح ثورات الشعوب العربية الحرة.
فقد بدأت الثورة المصرية بيضاء واستمرت كذلك حتى نهايتها؛ لم يحمل المتظاهرون فيها سلاحاً أبيض أو بأي لون آخر، رغم بلوغ عددهم أكثر من 10 مليون متظاهر في أغلب التقديرات. لكن القذافي آثر أن يجعل من الثورة الليبية البيضاء حمراء بلون الدم وسوداء بلون الجشع.
في الثورة المصرية كان الأمر شأناً مصرياً خالصاً، سوى تصريحات من واشنطن ولندن وأنقرة، وكانت الأخبار عن تحركات الأسطول الأمريكي قرب قناة السويس أقرب لكونها إشاعات من اختلاق إعلام الحزب الوطني الحاكم وقتها. أما في ليبيا فسيناريوهات التدخل العسكري الأجنبي تلوح في الأفق؛ بدأت بمراقبة جوية من الناتو من المترقب أن يتبعه حظر طيران تمهيداً لتدخل أجنبي كامل، وهو ما يرفضه الثوار.
|
| |
| لاجئون ليبيون يهربون من بطش القذافي | | |
وفي مقابل ذلك، وفور نزول قوات الجيش الشارع (لمساعدة الشرطة) في حفظ الأمن أعلن وزير الداخلية الحرب على الشعب المصري! حيث أمر بفتح جميع السجون، وإخراج آلاف المساجين الجنائيين بعد تسليحهم، و قام من جهة أخرى بتكليف كافة قوات الأمن بتسليم أسلحتهم والبقاء في منازلهم وترك الأمر - أو الأمن – للسجناء الجنائيين يتولونه هم!
أما في الثورة الليبية فقد انضم وزير الداخلية عبد الفتاح يونس للثوار وأعلن تأييده لمطالب الشعب الليبي.
الثورة المصرية قامت وتطورت بنفس مراحل الثورات الناجحة : احتجاجات، يوم غضب كبير، ثم محاولات التفاف من الحاكم، ثم تنازلات إثر تنازلات، ثم صمود من الثوار، ثم عصيان مدني، ثم نجاح الثورة. أما في الثورة الليبية فمازالت جهود دولية حثيثة لإقناع القذافي بأنه هو رئيس الدولة، تمهيدا للمرحلة اللاحقة وهي مطالبته بالتنحي!
لم نسمع أي صوت للبعثات المصرية في عواصم العالم التي هي من أكبر بعثات التمثيل من حيث العدد، كانوا جميعاً يراقبون صامتين، كما أن الرئيس المصري وقتها قام بحركة تعيينات في السلك الدبلوماسي المصري قبل تنحيه بيومين، أما في الثورة الليبية فقد قام العديد من السفراء الليبيين بتقديم استقالاتهم وإعلان تأييدهم لمطالب الشعب الليبي.
|
| |
| لقطة من أحداث ثورة 25 يناير | | |
ساهمت الثورة المصرية في تحسين صورة العرب والمسلمين في أذهان المجتمعات الغربية بشكل كبير وأنهم ليسوا أهل إرهاب وتخلف، وما هو عبر عنه القادة الغربيون، من أن المصريون ألهمونا، شاهدنا ملايين الثوار السلميين وشاهدات قوات الجيش لا تطلق النار، وأنه لا جديد هناك فقد صنع المصريون التاريخ. أما أحداث الثورة الليبية فقد شوهت هذه الصورة خصوصا مع تكرار بث خطابات القذافي على الفضائيات العالمية، حيث تساءلوا : كيف يرضى شعب أن يحكمهم مثل القذافي طوال 42 عاماً ؟!
قامت الثورة المصرية لتحقيق تداول طبيعي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وكان من ضمن لافتات الثوار أن الرئيس المصري عاصر أربعة رؤساء أمريكيين، وكان نفس الهدف في الثورة الليبية لكن الفارق أن الزعيم الليبي عاصر 3 رؤساء مصريين!
الصفحات المرتبطة بالرئيس المصري السابق على الفيس بوك تدور حول نقده والهجوم عليها، أما صفحات الأخ العقيد قائد الثورة الليبية فهي تهكمية يمكننا التعرف عليها من خلال عناوينها: مع القذافي مش هتقدر تبطل ضحك ، الست الي ورا القذافي، مدخل العمارة اللي بيتكلم منها القذافي، الشمسية الي فوق القذافي، القذافي ... في بلد عمر المختار، الـ... معمر القذافي وابنه، و معاً لتعيين القذافي المشرف على كوكب كوميديا في قناة سبيستون.
|
| |
| ميدان التحرير نبع الثورة | | |
الرئيس المصري السابق اكتفى بـ 500 شهيد وتنحى بعد هذا الإنجاز، بزيادة 400 عن نظيره التونسي، لكن الشعب الليبي مازال يقدم الشهداء بالآلاف ويبدو أن القذافي لا يمانع في القضاء عليه، على أن يبقى في النهاية زعيم الثورة وملك الملوك، ثم يستورد بأموال ليبيا شعباً آخر من المرتزقة التي لازال يجلبها لقتال أهل بلده.
وأخيراً نرجو أن تنقى الثورة المصرية شرور الفتن الطائفية واضطرابات ما بعد الثورة، وأن يكتب النصر للشعب الليبي في ثورته دون وقوع مزيد من الأرواح.